«التنظيم» ورم خبيث.. واستئصاله لن يمر دون ألم

«التنظيم» ورم خبيث.. واستئصاله لن يمر دون ألم
حالة الكراهية التى انتابت الشعب المصرى تجاه الإخوان لم تكن من فراغ، حسب أساتذة علم السياسة، ولن تنتهى قريباً، حسب أساتذة علم الاجتماع، وبين رأى وتحليل هؤلاء وهؤلاء تكشف قصص مواطنين عن عمق الأزمة وحجم الرفض الشعبى الكبير للإخوان؛ حيث تبدلت آراؤهم فى التنظيم كُلية، وانتقلوا من صف المؤيد إلى صف المناهض له والرافض لوجوده من الأساس.
«علا حسن»، سيدة عشرينية، أم لطفلة فى السابعة وولد فى الرابعة، نقابها لم يكن مظهراً جديداً عليها، ولم يرتبط بأى انتماء سياسى لها، وبدأت ارتداءه بعد أن أنهت دراستها الثانوية، وعن ذلك تقول: «النقاب كان اختيارى، ودلوقتى الظروف بتجبرنى إنى أقلعه، لكنى بقاوم».
الشتائم واللعنات تطارد «علا» فى المواصلات، حسبما تقول، ونظرات الاشمئزاز تلاحقها فى طريقها، ليس لسبب سوى أنها قد تكون منتمية إلى تنظيم الإخوان، وتضيف: «والله أنا مش إخوان ومش بس كده أنا كمان كرهتهم أوى وبقوا سبب إنى خسرت عائلتى اللى كلها مؤيدين للإخوان».
علاقة «علا» بالإخوان بدأت مبكراً فى ظل عائلة «مُحبة» للتنظيم، ترتدى معظم نسائها النقاب ورجالها يربون ذقونهم ويرتدون الجلباب تطبيقاً لـ«السُنة»، حسب رأيهم، ويذهبون جميعاً إلى صندوق الانتخابات لاختيار «من يرضى الله عنه»، وذلك كان معيارهم فى كل الانتخابات التى شاركوا فيها، وكان خيارهم واضحاً فى الانتخابات الرئاسية، وهو اختيار محمد مرسى، واستمرت العائلة هكذا حتى بعد ما حدث فى 30 يونيو، وتقول «علا»: «كل ما أروح عند أهلى بنتخانق وبتتحول الزيارة لسؤال واحد: ثورة دى ولا انقلاب؟ لحد ما كرهت مرسى والإخوان وما بقيتش طايقة حد من اللى قسّمونا بالشكل ده».
تتذكر «علا» ذلك المساء الذى طرق فيه زوجها الباب وهو «ملطخ بالدماء ووجهه منتفخ من الضرب»، وتقول: «زوجى بيشتغل فى قناة فضائية وكانوا رايحين يصوروا فى رابعة، الإخوان ساعتها ضربوه هو وزميله وسرقوا الكاميرا» وهو سبب جديد أضاف لـ«علا» رصيداً إضافياً لكُره الإخوان.[FirstQuote]
وتوضح: «مسئول فى الإخوان كلّم زوجى بعدها عشان يعتذر له وقال له معلش أصل دول فلاحين، انت عارف»، كلمات المسئول الإخوانى عن مؤيدى «مرسى» بميدان رابعة العدوية جعلت «علا» تبدأ التفكير فى تغيير وجهة نظرها عن الإخوان وتقول: «بيستغلوا جهل الناس وحبهم لله والرسول وبيقسّموا الشعب».
فى أواخر مايو 2012، اختار المحامى الشاب أحمد العشماوى مساندة محمد مرسى فى مواجهة أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة، واختار أن يكون من «عاصرى الليمون»؛ فهو الذى قضى 18 يوماً فى ميدان التحرير رافضاً العودة إلى المنزل، قبل رحيل «مبارك»؛ لذلك رفض عودة «شفيق» الذى يصفه بأنه «رجل مبارك» إلى الحكم مرة أخرى.
لم يكن اختيار «مرسى» هو الأول له من التيار الإسلامى، ويقول: «انتخبت الإخوان فى الانتخابات البرلمانية لأن ما كانش قدامى أحسن منهم وقلت أكيد هما هيعملوا الأفضل ولازم ياخدوا فرصتهم». لم يتصور «العشماوى» أن الفرصة ستنتهى بهذه السرعة وأن الوجه الحقيقى للإخوان سيأتى سريعاً بهذا الشكل، يقول: «تفاءلت بوجودهم كثيراً وكنت فاكر إن اللى حس بالمعاناة والظلم عمره ما هيظلم أو يقهر غيره». تغير رأى المحامى الشاب عن الإخوان منذ الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى، ويقول: «لما سمعت الإعلان الدستورى حسيت إن خلاص الثورة راحت وإن كل واحد وثق فى الإخوان لازم يبتدى يراجع نفسه». الإعلان الدستورى كان البداية، لكنه لم يكن نهاية، فمن بعده بدأ الصراع على الدستور ومحاولات الهيمنة الإخوانية على مفاصل الدولة.[SecondQuote]
بدأت «تمرد» وبدأ المحامى الشاب فى إعلان موقفه صراحة على صفحته الشخصية على «فيس بوك»، ويقول: «كنت مشترك فى عدد من الجروبات النقاشية الإخوانية وجالى تهديدات مباشرة بحرق مكتبى والاعتداء علىَّ إذا استمريت فى (تمرد)»، ويتذكر «العشماوى» أحداث 30 يونيو ويقول: «كانوا بيفكروا إزاى يعاقبوا كل اللى مؤيد لتمرد، وأنا ما كنتش متصور إنى ممكن أكره حد أكتر من مبارك ونظامه الفاسد، لكن الإخوان خلوا كلمة الكراهية قليلة على اللى بحسه تجاههم دلوقتى».
ما حدث مع «علا» و«أحمد» حدث مع كثير من المصريين أثناء ثورة 30 يونيو؛ فالجماعة المستضعفة لم تعد كذلك وحماية أعضائها والتعاطف معهم تحولا من فرض واجب على المصريين إلى تربص وكراهية وعدم استعداد لتقبلهم فى المجتمع مرة أخرى، بحسب الدكتورة هدى زكريا أستاذة الاجتماع بجامعة الزقازيق، التى وصفت ما حدث بين الإخوان والشعب بـ«لحظة اكتشاف المريض أن لديه ورماً سرطانياً».
وأضافت أن «الجماعة كانت دائماً عبئاً على الشعب بالتجاهل حيناً والتعاطف أحياناً، وفى النهاية اكتشف المريض أن هذا الحيل أو الورم الحميد ما هو إلا ورم خبيث يجب استئصاله».
الكراهية التى حلت محل الحب، والعداء الذى حل محل التعاطف والتربص الذى أصبح سيد الموقف، تراهما أستاذة علم الاجتماع إفرازاً جديداً من إفرازات الثورة، وأن التغير فى سلوك الشعب المصرى حالة مؤقتة ستختفى بعد هدوء الأوضاع، وما يحدث الآن من قتل وعنف لن يستمر طويلاً ولن نتحول إلى مرحلة «الحرب الأهلية».
حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أكد أنه من خلال دراسات «مرصد مكافحة العنف» رصدنا ارتفاع وتيرة الكراهية لدى المصريين، ويقول: «ما يحدث الآن من عنف وبغضاء تتغلل فى المجتمع حتماً سيؤدى للاقتتال الداخلى، والعنف الذى يمارسه الإخوان لن يؤدى سوى لمزيد من العنف تجاهها وسيدفع المصريين جميعاً لهوة لا يستطيعون الخروج منها».
وأوضح «أبوسعدة» أن الكراهية التى ظهرت فى الشارع والمدرسة والجامعة وأحياناً فى العمل، والتفريق على أساس «إخوانى» أو «سيسى»، مأساة جديدة تضاف لمآسى المصريين.
الدكتور وائل العراقى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد، يقول: إن الكراهية والعنف فى الشارع المصرى يؤكدان أن ما يحدث الآن هو تغيير كامل فى الشخصية المصرية لم يحدث منذ عقود.
ويتساءل الدكتور وائل العراقى عن السبب وراء عدم حدوث حالة الانقسام هذه أثناء ثورة 25 يناير وأنها لم تحدث كذلك بين أنصار «مبارك» والشعب الذى خرج ضده، ويُجيب بأنه الحالة التى صنعها الإخوان منذ الانتخابات الرئاسية، وقبلها البرلمانية والدستور، وأضاف: «الناس لما انقسمت فريقين، مؤمن وكافر، لم يعد أى فريق يخشى من أى تهمة أخرى توجه له، لو واحد كافر وقتل هيخاف من إيه؟ ولو كان مؤمن واتقتل هيكون شهيد.. هكذا أصبح التعامل بين الناس».
الكراهية والعنف والتربص الذى ملأ الشارع المصرى إبان «30 يونيو» لم يعرفه المصريون قبل ذلك ولن ينتهى قريباً.
أخبار متعلقة:
الشعب يلتهم «الذئاب»
السياسة.. طبق المصريين المفضل
ماذا جرى للمصريين؟
الستات فى عصر الإخوان: نكدب لو قلنا ما بنحبش.. مصر
الأقباط.. الخروج الكبير من «قلب» الكنيسة إلى «رحاب» الوطن
ثوار الجامعات يتخلون عن دورهم التاريخى أمام عنف الإخوان
«فيس بوك» و«تويتر».. جمهورية الواقع «الملخبط»
الاشتراكيون الثوريون.. لا حياء فى السعى إلى «هدم الدولة»
«الأناركية».. تحيا «الفوضى المبهجة»
رئيس «طلاب مصر»: التحرش بالشرطة هدف «الإخوان»
الإخوان.. تاريخ من الانقلاب على الذات
جماعة الخيانة
الثورة.. «مرجيحة» الإخوان
الإخوان فى البرلمان: شالوا «الوطنى».. حطوا «الحرية والعدالة»
الخائن رئيساً: من البرش إلى العرش.. وبالعكس
جورج إسحاق: «الإخوان» انقلبوا على «25 يناير» فأسقطهم الشعب فى «30 يونيو»
الأخوات الإرهابيات: «خلّى السلاح صاحى».. تحت النقاب
شاهندة مقلد: أنا ومصر ننتظر ثأرنا من الإخوان.. وسننتصر
الخطاب الدينى.. بين «أمن الدولة» ومنصة «رابعة»
«وأن المساجد لله» وليس لمصلحة الجماعة
الفضائيات الدينية: الفتنة أشد من القتل
«YouTube».. الشيطان يحدثكم من جزيرة «البط الأسود»
مسلم سابق: أعرف أزهرية تحفظ القرآن وتخفى إلحادها.. والأعداد فى مصر تتزايد
مسيحى سابق: صعوبة التجربة فى مجتمع يدّعى التدين قد تدفعنى للهجرة