جماعة الخيانة

على السيد

على السيد

كاتب صحفي

«يصير منافقاً حتماً ذاك الذى يحدد لنفسه مهام كبيرة، علانية، ثم يتنبه إلى كونه أضعف من أن يقوم بها، كما أنه لا يملك عادة من القوة ما يكفى ليتملص، أو يعتذر، عن عدم القيام بها علانية»، هكذا رأى الفيلسوف العبقرى «نيتشه». «الجماعة» فعلت فعل المنافق «ائتُمنت فخانت، حدّثت فكذبت، خاصمت ففجرت»، انقلبت على الدين والشعب والقيم. ربما لا تنطبق كلمة «انقلاب» بمعناها الواقعى على أحد بقدر ما تنطبق على جماعة الإخوان. «انقلابات» الجماعة شملت كل شىء؛ انقلبت على القيم حين خالفت كل وعودها، وحين جعلت الكذب عنواناً لمبادئها، وحين خانت الأمانة والثقة التى منحها لها الشعب، انقلبت على القانون ولم تحترم حكماً قضائياً واحداً، انقلبت على «الديمقراطية» حين حصّنت قرارات مندوبها الرئاسى من الطعن. «الجماعة» طوال تاريخها تنفى أن كل ما تفعله كان ولعاً وشغفاً بالسلطة، وحين وصلت لها ظنت أن السلطة لا تقدم سوى الجرائم. تحالفت مع «المجلس العسكرى السابق» ثم انقلبت عليه، تحالفت مع «السلفيين» ثم انقلبت عليهم، تحالفت مع «النخب والأحزاب» ثم باعتهم، الأهم والأخطر أنها انقلبت على الشعب الذى مكّنها من رقبته. تذكرون طبعاً مواقف «الجماعة» قبل «25 يناير» التى كان معظمها مخالفاً للنهج الوطنى المعارض: خذ مثلاً وصفهم لقيادات الحزب الوطنى بأنهم «قيادات وطنية» لا يجوز الترشح أمامهم. طعنت المعارضة فى ظهرها، شاركت فى انتخابات برلمان 2010 ثم انسحبت (فى الإعادة)، عندما تأكدت أن أحمد عز لن يلقى لهم بفتات المائدة هذه المرة. تأمل رأى مرشدهم وسيدهم وزعيم عصابتهم بأن الجماعة «لا تعترض على ترشيح جمال مبارك للرئاسة». «الجماعة» عارضت الخروج «ضد الشرطة» يوم 25 يناير واعتبرته «لعب عيال»، ثم اتضح أن اتفاقاً تم بين «الجماعة» وجهاز أمن الدولة على عدم المشاركة. شاركت «الجماعة» بعد «25 يناير»، حين أيقنت وهن نظام «مبارك»، وأن الفرصة مواتية لأن تقتنص منه ما تشاء. تقدمت موائد الحوار مع نظام «مبارك»، ولما ثبت لها أن هذا النظام «ينتظر رصاصة الرحمة»، أطلقتها. خرجت «الجماعة» من «25 يناير» محمولة على رؤوس المصريين، كان الذين حملوها هم من قالوا: «الإخوان فصيل سياسى ووطنى»، من دون أن يفهموا أطماع هذا الفصيل وأهدافه، ولأن «الطمع يقل ما جمع»، رأت «الجماعة» أن مصر كلها باتت فى قبضة يدها. شعرت «الجماعة» بأن الشعب «نخباً وجماهير» يدين لها بالولاء، وأنها قادرة على أن تتلاعب بالعقول، نجحت فى ذلك إلى أبعد مدى، ليس لأنها الأكثر ذكاء، ولكن لأن غيرها كان الأكثر غباء. قبل انتخابات مجلس الشعب، التى اكتسحتها جماعة الإخوان بأكبر عملية تدليس وكذب وخداع فاقت كل ما كان يفعله الحزب الوطنى، توسعت «الجماعة» فى تقديم تطمينات، ووزعت قياداتها على الصحف والفضائيات ليقولوا: «لا مساس بالمسيحيين.. لا فرض للحجاب. لا منع للخمور»، وقدموا إشارات على أنهم جاهزون لتسلم أمر الدولة المصرية، خصوصاً بعد تكليفهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، بإعداد مشروع للنهضة. ومن بين ما نشروه من أكاذيب: «يتضمن المشروع رؤى قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، لإحداث نهضة فى الإدارة الحكومية والتعليم والصحة والاقتصاد داخل مصر، وأن (الشاطر) قرر الاستعانة بخبراء واستشاريين من ٤ دول آسيوية وأفريقية، هى: تركيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وسنغافورة، فضلاً عن خبراء محليين، فى إعداد المشروع الذى تم تخصيص ميزانية كبيرة له. وأجرى نائب المرشد بالفعل عدة اتصالات وعقد عدة لقاءات مع هؤلاء الخبراء. ويدرس (الشاطر) الاستفادة من تجربة سنغافورة الخاصة بأداء مرافق وهيئات ومصالح الحكومة، ويعتمد على تجربة جنوب أفريقيا فى تحقيق ترسيخ الحوار الوطنى وتحقيق المصالحة بين المصريين وقبول الآخر بين الأطياف والتيارات السياسية والدينية داخل البلاد، ويعتمد على تجربتى ماليزيا وتركيا، فيما يتعلق بتطوير الاستثمار وتنشيط الاقتصاد». هل فعلت «الجماعة» شيئاً من هذا بعد فوزها بالبرلمان والرئاسة؟.. لقد انقلبوا وفعلوا العكس تماماً. «جماعة الإخوان» وعدت الشعب بهذا المشروع من منطلق «الخداع» حتى يتمكن حزبها من تحقيق أغلبية كاسحة، وهو ما فعله لها الشعب. الدكتور سعد الكتاتنى قال فى نفس هذا التوقيت كلاماً مخادعاً: «لا دخل لنا بالشواطئ.. الخمور فى البيوت والفنادق حرية شخصية.. نطالب بالالتزام بالأخلاق فى الفن عن طريق الدعوة وليس القانون»، هو نفسه الذى كان أول من تحدث عن ضرورة التزام السياح بعاداتنا وتقاليدنا، وأننا لا نريد شواطئ للعراة فى مصر، مع أنه لا توجد فى مصر شواطئ عراة. وقال حرفياً فى شهر مارس 2011 أى بعد أيام من تنحى الرئيس الأسبق: «إن مصر بلد متدين، وإن السياحة الشاطئية وارتداء البكينى والمايوه يجب ألا يكون فى الشواطئ العامة حتى نحمى أبناءنا من الفتنة، وقصر ارتداء المايوهات الساخنة على الشواطئ الخاصة، كما أن شرب الخمور يجب ألا يكون مباحاً فى الشوارع»، وضرب مثلاً بشركة «مصر للطيران» عندما ألغت الخمور من على طائراتها، ولم تتأثر إيراداتها (مع أنها شركة خاسرة)، «الكتاتنى» طالب أيضاً بضرورة وضع تشريع جديد للسياحة عن طريق البرلمان «المنتظر».. تغيُّر وتبدل لهجة الإخوان كان «لعباً عل الحبال»، وخداعاً للجميع. ولعل قصة ضرب نجلى «محمد مرسى» لضابطى شرطة كانت انقلاباً مبكراً من «الجماعة» فى التعامل مع المجتمع. حدثت هذه الواقعة فى منتصف شهر سبتمبر عام 2011 كانت قصة كاشفة لما ستفعله «الجماعة» بالشعب المصرى فيما بعد. هذه الواقعة جرى طمثها بسبب تهديد حزب «الحرية والعدالة» لكل من يتناول هذا الخبر، رغم أن الشهود أقروا فى النيابة العامة بتعدى نجلى رئيس الحزب على الشرطيين بالسب والضرب. الحزب كذب الشرطة والشهود، واعتبر أن نشر أخبار عن الحادث «حملة مغرضة» بل واتهم الشرطيين بالتهمة الأثيرة لدى الجماعة «سب الدين»، وسحل «أولاد سيدنا مرسى». قبل هذه الواقعة بشهر تقريباً كان هناك خبران متجاوران فى صحيفة «الوفد»، الأول على لسان عصام العريان، والثانى على لسان مرشد «جماعة الإخوان»، الأول يعتبر أن الخوف من التيارات الإسلامية «مرض»، والثانى يعترض على حمل «جمال وعلاء» للمصحف الكريم داخل قفص الاتهام. «العريان» وصف «المختلفين» مع التيارات الدينية، التى تضع الدين سلماً لتصعد عليه بـ«المرضى» الذين يعانون من «مرض الخوف» كالنظام السابق، وبما أنه هو من وضع كل التيارات الدينية فى سلة واحدة لم يسأله أحد: ومن فى السلة الأخرى؟ هل فى السلة الأخرى «كفار قريش»؟ ألسنا مسلمين، نجل ديننا لدرجة أننا نضعه فى مكانة أرقى وأنبل من أن يكون محل تنابذ أو شقاق كما فى عالم السياسة؟ لم يقل «العريان» ساعتها: أليست جماعته تلعب الآن فى ملعب السياسة وبالتالى يحق أن تنتقد؟ ألم يكونوا شركاء «ملعب السياسة» فى برلمان 2005 وكان دورهم هو شغل الناس بمعارك «تافهة» من عينة «حجاب» فاروق حسنى، أو الاعتراض على حفل لمغنية أمريكية فى «رأس غالب»، أو منع رواية؟ وحين شخّص «العريان» المرض لم يطرح دواء، بل قال فيما يشبه الدعوة إلى «الاستتابة»: «علاج هذا المرض عند أصحابه، وعليهم مراجعة أنفسهم». وإذا كان هذا كلام «كادر» إخوانى كبير، فما بالنا بكلام «المرشد العام محمد بديع» حين يضن على «متهمين»، ويرفض أن يمسكا بـ«المصحف» لأن هذا وفقاً لرؤيته «ارتداء لعباءة الدين تستراً به» طيب، وماذا كان يفعل الإخوان؟، وماذا يفعلون الآن غير ارتداء عباءة الدين؟ أليس الإخوان أكثر من أشهر المصاحف فى وجه القضاة، وكانوا ولا يزالون أكثر الناس حرصاً على أن يتم تصويرهم وهم حاملين للمصاحف داخل «قفص الاتهام»، حتى بات الأمر عادة لدى جميع المتهمين،لكن «المرشد» يرى أن الإسلام حكر على «الجماعة»، والقرآن حق لـ«الإخوان» وحدهم؟ ويكمل رجل الإرشاد والصلاح كلمته التى ألقاها فى مركز شباب «الصف» كلامه الذى يمتلئ بروح التشفى والانتقام ليس لشهداء وجرحى الثورة، إنما لما حدث لرجاله فى السجون (أيام مبارك) إذ يقول: «الإخوان فى الماضى كانوا يحاكمون طبقاً لـ(قانون زليخة) والآن أباطرة النظام يسكنون العنابر ذاتها الخاصة بالإخوان داخل سجن طرة»، وكأن نظام «مبارك» سقط انتقاماً لمساجين «الجماعة» الذين لعبوا مع هذا النظام وحققوا الكثير من المكاسب. ألا يدرك «المرشد» أن روح التشفى والانتقام والطمع والجشع أعادته وجماعته إلى «حمل المصاحف» ليخفوا بها جرائم نكراء! ألم ينقلب رئيسهم على الإعلام الذى سانده قبل الانتخابات الرئاسية؟ ألم تكن البلاغات ضد الإعلاميين والصحفيين خلال ٦ أشهر من حكم محمد مرسى، أربعة أضعاف ما قدم طوال حكم «مبارك»، ليس هذا كلامى، ولكنه كان لـ«جمال عيد»، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذى قال: «إن تقرير «الشبكة» أكد أن الملاحقات القضائية التى تعرض لها الصحفيون والإعلاميون فى 6 أشهر من حكم «مرسى» تعتبر ٤ أضعاف ما تعرضوا له خلال ٣٠ عاماً هى فترة حكم «مبارك»، وشهدت هذه الفترة حملة ملاحقات بلغت ٢٤ ضعف عدد القضايا فى فترة الرئيس الراحل أنور السادات. هكذا ببساطة فعل «مرسى» فى 6 أشهر ما لم يفعله «مبارك» طوال حكمه. ألا يمكن أن تلقب «الجماعة»، بعد كل هذا، بأنها «جماعة الانقلابات»!.