السياسة.. طبق المصريين المفضل

السياسة.. طبق المصريين المفضل
على طريقة «ابعد عن الشر وغنى له»، تعامل المصريون لعقود مع السياسة باعتبارها مكروهاً يجب اجتنابه، وإذا تحدث أحدهم فى شأن عام، فإن مجلس الحديث سيدور حول لقمة العيش، لكن ذلك wبعد ثورة 25 يناير، وبات المصرى مهتماً بكل صغيرة وكبيرة تدور فى البلاد، وزاد من ذلك الاهتمام تركيز الإعلام على القضايا السياسية بكافة تفاصيلها، حتى بات الاهتمام المبالغ فيه بالسياسة أشبه بـ«آفة الثورة».
فى العمل، وعلى المقاهى بالشوارع، وداخل المنازل، تحتدم النقاشات بين الزملاء والأصدقاء وأبناء الأسرة الواحدة، وفى بعض الأحيان تشهد علو الصوت وربما الشجار، دفاعاً عن الرأى.
«على عزمى» لم يشغله زحام المرور وضوضاء مرتادى المقهى عن الفضفضة اليومية فى السياسة، يحتك بمقتضى عمله بأحد مقاهى منطقة «ناهيا» بزبائن متنوعى الفكر والتوجه السياسى، فينخرط دوماً فى أحاديثهم، حتى بات أكثر المتابعين للأحداث السياسية بما تحملها من تحليلات وتفسيرات من جانبه، ويقول: «زمان كنت من الشغل للبيت ومن البيت للشغل عشان ما حدش كان عارف ولا يقدر يتكلم فى حاجة»، ويضيف ابن سوهاج: «كنا عايشين وخلاص وكل همنا ناكل عيش».
انتماء «عزمى» لشريحة البسطاء ضاعف فضوله السياسى الذى نما مع سرعة الأحداث وردود فعل الشارع عليها، ويقول: «أمور كتير فى البلد ما كنّاش نعرف ماشية إزاى دلوقتى بدأت تتكشف لينا».
يستقى القهوجى الصعيدى معلوماته من متابعة القنوات الفضائية، واعتاد أن يكون مستمعاً جيداً للأحاديث المتناثرة حوله فى أوقات العمل بالمقهى، ويقول: «فى أى مكان كل حد تقعد معاه يبقى عاوز يظهر إنه أكتر واحد فاهم»، لم يخلُ كلام «على» من تحليل؛ حيث يبرر انقلاب شخصيته من «اللامبالاة بالسياسة» إلى الاهتمام الدائم بها بأن أجواء مصر منذ 25 يناير 2011 تمس المواطن العادى، فى حياته ورزقه ومستقبل أولاده، ويقول: «الدنيا حوالينا بتتغير والناس كلها بتتكلم ع اللى بيحصل». «الإنسان ابن بيئته».. تفسير سياسى للتحول الإدراكى لدى الجمهور تجاه الأمور العامة، لا سيما السياسى منها، حسب د.أحمد يحيى، أستاذ الاجتماع السياسى بجامعة السويس، بالنظر للمتغيرات المجتمعية التى مرت بها مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن «الخوف راح والكلام الكتير فى السياسة ساعد على الاندماج، والثقافة السياسية والتعبئة المجتمعية والتوعية الاجتماعية التى تقوم بها وسائل الإعلام أحدثت جرأة وانفراجة فى إقبال الشعب على الإفصاح عن آرائه وكيفية فهمه للأمور» -وفقاً لأستاذ علم الاجتماع- «من طبيعة الإنسان أنه يميل للمحظورات، وزمان كانت السياسة دى ممنوعة، عشان كده الناس بتتكلم فى كل حتة». الهزة الاجتماعية التى حدثت بعد تولى الإخوان الحكم صنعت حافزاً لا إرادياً لدى المواطن لأداء دور إيجابى والوقوف ضد هيمنة الإخوان، وفقاً للدكتور يحيى، الذى يجد ترجمة تفسيره فى تجربة المواطن محمود على، كنموذج انقلب من مؤيد ومتعاطف مع الإخوان إلى معارض لهم: «قلت يمكن يكونوا كويسين ورحت انتخبت مرسى لقيتهم أوحش من أيام مبارك» -بحسب صاحب كشك بقالة.
ويُقر «على» بعدم متابعته لأحوال البلد قبل مجىء «مرسى» للحكم، ويقول: «السياسة فى الأول كانت وجع دماغ، ولما لقيت الدنيا كلها بتتكلم عن اللى بيحصل لمصر بدأت أتابع».
انتماء الشاب العشرينى لمجتمع شعبى له مطالب واحتياجات متزايدة يتفق مع تفسير د.يحيى؛ حيث يتحدث «محمود على» عن فوائد متابعته الأحوال العامة بالقول: «لما الإخوان قالوا عايزين نقفل المحلات بالليل عشان نوفر الكهربا ما كناش فاهمين، ولما عرفت الموضوع اكتشفت إنى غلطت وانتخبتهم».
انقلاب الوعى السياسى لدى الناس يرجعه علم الاجتماع السياسى إلى إيجابية الجماهير وإيمانها بالثورة وسعيهم للمشاركة فى بناء مصر، ويوضح الدكتور يحيى أن الصحف والفضائيات أدت دوراً كبيراً فى تكوين المعرفة السياسية للمواطنين.
«المصرى ما يحبش اللى يضحك عليه»، هذا أحد الأسباب التى وردت ضمن أحاديث المواطنين، حسب تفسير د.يحيى، لتفسير اهتمامهم بالسياسة، مؤكداً أن رصد اهتمام الناس يُظهر ما يسمى الفرز السياسى بين أفراد الشعب بعد 30 يونيو، قياساً على مساوئ عهد الإخوان واكتشاف زيف وعودهم قبل انتخاب محمد مرسى رئيساً، ويقول: «لما تعيش خدعة لمدة سنة كاملة بتهتم أوى إنك تعرف السبب».
صدمة «محمود على» فى رهانه على الإخوان وزيادة الأزمات (بنزين وبوتاجاز وكهرباء وأمن وغيرها) أقحمته لا إرادياً فى مناقشات ثنائية مع غيره من المواطنين، ويقول: «بعد ثورة يناير كان همى الكشك وأكل العيش وبس».
كامل قاسم، رجل خمسينى، ظل لسنوات طويلة منشغلاً بزراعته فقط، لكن أزمة الوقود التى شهدتها مصر فى عهد الإخوان أجبرته على الانخراط فى السياسة، نتيجة التفاعل والمشاركة مع أهل بلدته، ويقول: «مرة خططنا نعمل مظاهرة عشان نقص السولار، ومن يومها عرفت ليه الناس بتتظاهر وإزاى»، ويضيف أن «البرامج التليفزيونية لها دور فى توعية الناس، ومش لازم أسمع اللى يتقال وأصدقه، المفروض أفكر فيه شوية». «الاهتمام بالسياسة بعد الثورة نتيجة طبيعية للقمع والجهل والخوف من المستقبل».. تحليل نفسى لـ د. منال زكريا، أستاذة علم النفس، بشأن التحول نحو السياسة. وتضيف: «ده بيقول إن الشعب خلاص فاق وانتبه نتيجة الهم العام الواقع على الكل بسبب الظروف السيئة اللى مر بيها».
وتُصنف أستاذة علم النفس فئات المهتمين بالسياسة إلى: «بعضهم بيتكلم من الزهق والخوف وآخرون عندهم وعى فعلى وفكر برغم بساطتهم، والنوع التالت بيتكلموا لتفريغ الطاقة الداخلية وبس».
د. منال تؤكد أن هيمنة السياسة على عقول الناس وكلامهم تشير إلى أن الأمة فى خطر، وتقول: «هذا دليل على فراغ الوقت وسببه الأحداث الكثيرة ووقف الحال والطموح العالى»، وتضيف أن التفسيرات والاجتهادات الشخصية من الجماهير تجاه الأوضاع السياسية وسيطرة المصطلحات السياسية على أحاديث جميع الأوساط تعكس فضفضة الناس عن أوجاعهم وقلة حيلتهم، وهو ما يستدعى استقراراً وطمأنينة غير موجودين.
أخبار متعلقة:
الشعب يلتهم «الذئاب»
ماذا جرى للمصريين؟
الستات فى عصر الإخوان: نكدب لو قلنا ما بنحبش.. مصر
الأقباط.. الخروج الكبير من «قلب» الكنيسة إلى «رحاب» الوطن
ثوار الجامعات يتخلون عن دورهم التاريخى أمام عنف الإخوان
«فيس بوك» و«تويتر».. جمهورية الواقع «الملخبط»
الاشتراكيون الثوريون.. لا حياء فى السعى إلى «هدم الدولة»
«الأناركية».. تحيا «الفوضى المبهجة»
رئيس «طلاب مصر»: التحرش بالشرطة هدف «الإخوان»
الإخوان.. تاريخ من الانقلاب على الذات
جماعة الخيانة
الثورة.. «مرجيحة» الإخوان
الإخوان فى البرلمان: شالوا «الوطنى».. حطوا «الحرية والعدالة»
الخائن رئيساً: من البرش إلى العرش.. وبالعكس
«التنظيم» ورم خبيث.. واستئصاله لن يمر دون ألم
جورج إسحاق: «الإخوان» انقلبوا على «25 يناير» فأسقطهم الشعب فى «30 يونيو»
الأخوات الإرهابيات: «خلّى السلاح صاحى».. تحت النقاب
شاهندة مقلد: أنا ومصر ننتظر ثأرنا من الإخوان.. وسننتصر
الخطاب الدينى.. بين «أمن الدولة» ومنصة «رابعة»
«وأن المساجد لله» وليس لمصلحة الجماعة
الفضائيات الدينية: الفتنة أشد من القتل
«YouTube».. الشيطان يحدثكم من جزيرة «البط الأسود»
مسلم سابق: أعرف أزهرية تحفظ القرآن وتخفى إلحادها.. والأعداد فى مصر تتزايد
مسيحى سابق: صعوبة التجربة فى مجتمع يدّعى التدين قد تدفعنى للهجرة