المصانع.. جثث هامدة : «صنع فى مصر».. جملة «تاريخية» فى طريقها إلى زوال

كتب: عبدالفتاح فرج وأحمد منعم ورجب آدم

المصانع.. جثث هامدة : «صنع فى مصر».. جملة «تاريخية» فى طريقها إلى زوال

المصانع.. جثث هامدة : «صنع فى مصر».. جملة «تاريخية» فى طريقها إلى زوال

سور متهالك يضم بين أجنحته بنايات عتيقة، يفوح منها عطر الستينات، بوابته الرئيسية كانت تتسع لآلاف العاملين من الشبان والشابات «الصعايدة»، مصنع البصل بسوهاج قلعة صناعية كبيرة قضى عليها نظام «مبارك» ببيعه لمن لا يستحق بثمن بخس، فتوقفت الماكينات عن العمل وتم تشريد آلاف العمال، وطويت صفحة أشهر مصنع بسوهاج منذ 5 سنوات مع سبق الإصرار والترصد. يقع المصنع فى الجهة الشرقية من مدينة سوهاج، بجوار بوابته الرئيسية توجد لافتة كبيرة مكتوب عليها «شركة النصر لتجفيف المنتجات الزراعية»، ملامح الحزن تكسو وجوه أفراد أمن المصنع الذين يقابلون الزائرين بترحاب شديد. فى مكتب متواضع جلس حاتم على إبراهيم، الأمين العام للجنة النقابية بالمصنع، لم يمل من تقديم الشكاوى إلى الجهات المختصة للتحذير من الحال الذى وصل إليه المصنع، يقول الرجل بنبرة حزينة: «تم بناء المصنع عام 1960 على مساحة 18 فداناً، ويضم 4 خطوط إنتاج بالإضافة إلى وحدة استخلاص زيوت من قشر البصل، ليكون أكبر مصنع من نوعه فى أفريقيا والشرق الأوسط، وصلت طاقته الإنتاجية إلى 130 طناً يومياً من الكراث والثوم والعنب والفول والعدس والورقيات بجانب البصل، كان يتم تصدير جميع منتجاته إلى 69 عميلاً حول العالم، وكان يعمل به أكثر من 4 آلاف عامل موسمى بجانب 500 آخرين دائمين، كما أنه كان يحقق أرباحاً سنوية بقيمة 3 ملايين دولار». يصمت «حاتم» قليلاً ويرجع بظهره إلى الخلف ويكمل: «رائحة الفساد ظهرت فى عام 1996، وحاول الفاسدون بالنظام السابق بيع المصنع، لكن د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق رفض ذلك بشدة، لكن مع تولى د. عاطف عبيد الوزارة بدأ تنفيذ المخطط وتم بيع الشركة لمستثمر مصرى اسمه مجدى يعقوب نصيف عام 2000 مقابل 10 ملايين جنيه فقط على قسطين، لكن الأدهى من ذلك والأمر أن صاحب الشركة الجديد باع إنتاج المصنع بـ14 مليون جنيه بعد إتمام الصفقة، وأودعت المبالغ فى خزينة الشركة الثلاثية للمالك الجديد للمصنع ولم تودع فى خزينة النصر، كان هذا مثالاً صارخا لإهدار المال العام، حينذاك هاج العمال واعترضوا على حرمانهم من العلاوات». يتابع «حاتم»: «منذ ذلك التاريخ تراجعت أحوال الشركة وقل الإنتاج، ولم يبق إلا مستورد واحد للمصنع وكان إسرائيلياً تعاقد مع الشركة بعد توقيع اتفاقية الكويز، وقد اشترط على إدارة المصنع عدم كتابة اسم الشركة على الغلاف الخارجى للأجولة ليعيد كتابة اسم إسرائيل على المنتج عند إعادة تصديره إلى أوروبا. وفى بداية عام 2008 توقف المصنع عن العمل نهائياً، وهو ما تكرر تقريباً مع كل مصانع التجفيف التابعة لشركة النصر التى يبلغ عددها 8 مصانع موزعة على محافظات الإسكندرية والبحيرة وأسيوط وسوهاج والوادى الجديد».[SecondImage] يضيف «حاتم»: «قدمنا شكاوى عديدة إلى مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية حينذاك لإعادة تشغيله دون مجيب. أما ملاك المصنع الحاليون فلا يرغبون فى تشغيل المصنع ويطمعون فى مساحة الأرض الضخمة التى يقع بها، حيث تقدر بمليار جنيه بينما تبلغ قيمة المعدات حوالى 3 ملايين جنيه لأنه لم يتم تجديدها بعد خصخصة الشركة فى عام 2000»، ثم أمسك الأمين العام للجنة النقابية بجوال أزرق مطبوع عليه اسم الشركة وتاريخ إنتاجها، وقال فى حسرة: «اسم المصنع فى سوهاج كان بيوصل لكل دول العالم، لكن دلوقتى الناس نسيته». ومن سوهاج إلى القاهرة الكبرى، حيث مصنع أبوزعبل الذى ما إن تطأه قدماك للوهلة الأولى حتى تحسبه خرابة كبيرة ومرتعاً للكلاب الضالة والغربان، معداته الحديدية الضخمة أكلها الصدأ بفضل عوامل التعرية والرطوبة، ومدخله الفسيح ساكن وخالٍ من البشر، توقف المصنع عن العمل منذ ما يقرب من 14 عاماً، بعد تصفية نظام «مبارك» له ضمن برنامج الخصخصة وبيع شركات القطاع العام لصالح رجال أعمال الحزب الوطنى المنحل. وبعد أن كان هذا الصرح العملاق الذى تمتد مساحته على أكثر من 100 فدان مورداً رئيسياً لحديد التسليح، الذى كانت تستخدمه القوات المسلحة المصرية فى بناء قواعدها العسكرية، أثناء إعادة بناء الجيش قبل حرب أكتوبر - تحول الآن إلى جثة هامدة منذ سنوات، لم يبق به إلا 50 عاملاً يعملون فى الحراسة، حسب وصف أحد العاملين رفض ذكر اسمه، خوفاً من إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية مالكة المصنع، التى يحصلون منها على مرتباتهم. يضيف العامل: «فى عام 1999 توقف المصنع تماماً عن العمل، وتم بيع بعض معداته بالقطعة وترك الآخر للصدأ وعوامل التعرية لتأكل فيه بعد أن أصبحت آلات المصنع مكشوفة دون أدنى حماية بعد إعلان حكومة نظام مبارك عن بيع المصنع فى مزاد علنى فى 2008، ورسا على مستثمر إماراتى مقابل 460 مليون جنيه، ومع حدوث الأزمة المالية العالمية طالب المستثمر بتخفيض المبلغ وقوبل الطلب بالرفض، وأمهلته الحكومة حتى نهاية شهر مارس 2010 لسداد المبلغ أو فسخ العقد، ثم آلت ملكية المصنع لصالح الحكومة المصرية». يقول أحمد شوقى، أحد العمال السابقين بمصنع الحديد والصلب بأبو زعبل: «المصنع كان أحد أعمدة الاقتصاد بالمدينة، كان فاتح بيوت أكتر من 3 آلاف عامل قبل بداية تصفيته مع نهاية التسعينات، وتمت التصفية على 3 مراحل وكانت آخر مرحلة عام 2004، كان المصنع يسيّح الحديد الخردة ثم يضع عليه إضافات أخرى ويعيد تصنيعه حديد تسليح، لكن مؤامرة إمبراطور حديد التسليح أحمد عز تسببت فى تعطله، ليسيطر على سوق الحديد فى مصر بمباركة من حسنى مبارك، بعد أن اشترى الحصة الأكبر فى مصنع الحديد والصلب بالدخيلة بالإسكندرية، ومنذ ما يقرب من 14 عاماً وحال المصنع كما هو لم يحدث به أى جديد سوى تآكل المعدات والآلات، وخروج الموظفين على المعاش المبكر». مرة أخرى للجنوب، حيث مجمع الألومنيوم بمدينة نجع حمادى بمحافظة قنا، الذى أنشئ عام 1967، بقرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان مجمع الألومنيوم هو أول مصنع على مستوى الشرق الأوسط، بنى على مساحة 5 آلاف فدان، بهدف استغلال الفائض من الطاقة الزائدة من السد العالى، وفى عام 1971 بدأت الشرارة الأولى للإنتاج، حاملاً حلماً لأبناء الصعيد أن يقود قاطرة التنمية فى بلادهم فى فتح مصانع أخرى تعتمد عليه مثل مصنع «الفويل»، الذى سبق عمل دراسة له من قبل إدارة المصنع ولم يُنشأ حتى الآن، ويعتمد فى صناعته على رقائق الألومنيوم. أكثر من 8 آلاف عامل بـ«الألومنيوم»، يضاف إليهم عشرات الآلاف ممن ينتفعون من حوله، أولئك الذين يعملون فى المصانع التكاملية على مستوى الجمهورية بسبائك الألومنيوم، جميعهم وما يقرب من 50 ألف أسرة فى المجتمع المحيط به والصعيد، مهددون فى عملهم، وذلك بسبب نقص الطاقة، وعدم تطوير المصنع بالمعدات الحديثة، الأمر الذى دفع بعدد من المسئولين والعمال فى المصنع لأن يعتبروا أن ما يحدث ليس إلا مؤامرة تحاك لإسقاط إحدى القلاع الاقتصادية الهامة فى مصر والاستحواذ عليها. سعيد محمد، رئيس قطاع سابق بالمصنع، على المعاش، يقول إنه: «بعد تفاقم أزمة الطاقة فى مصر وزيادة الاستهلاك التى اقترنت بالزيادة السكانية، وزيادة استهلاك الكهرباء، اتجهت الأعين نحو مجمع الألومنيوم لتوفير الطاقة، ورفض إنشاء المصنع». وقال مصدر مالى مسئول فى الشركة إن «الشركة جددت دراسة إنشاء مصنع الفويل، بعدما تكبدت خسائر فادحة خلال الأعوام الثلاثة السابقة، بدعوى أنه سيساعد فى تحسين الوضع المالى للشركة؛ لأن معظم إنتاجه يصدر للخارج مثل علب الكانز، ووجد أن تكلفته وصلت إلى مليار و300 ألف جنيه، وبذلك يصعب إنشاؤه إلا بواسطة مستثمرين من الخارج». وأوضح محمد كامل، أحد العمال فى المصنع، أن العمال أصبحوا يعيشون فى كابوس بسبب التهديدات بغلق المصنع لعدم قدرته على تقديم عائد للدولة، بعدما كان حلم التعيين فى الألومنيوم يتمناه آلاف الشباب، وطالب «كامل» الرئاسة بوضع المصنع فى خطة التطوير لقلاع الصناعة فى مصر، وحل مشكلة الطاقة بإنشاء محطة خاصة بالمصنع تعمل بالغاز الطبيعى، بحيث يمولها المصنع على فترات، مؤكداً أنها ستكون أقل تكلفة من طاقة السد العالى. ولفت أحمد شحات، فنى، إلى أن هناك نقصاً فى العمالة، وأن العامل الواحد يقوم حالياً بأكثر من عمل فى آن واحد، ما يمثل جهداً جباراً يؤثر على العملية الإنتاجية، لافتاً إلى أن الشركة لم تعين أحداً منذ عامين. ويؤكد دسوقى طه، رئيس القطاعات المالية بشركة مصر للألومنيوم، أن المصنع حقق فى العام المالى 2012/2013 مليون جنيه فقط أرباحاً، وهو أدنى رقم يشهده مقارنة بالعام المالى 2011/2012 الذى حقق فيه 115 مليون جنيه، وعام 2010/2011 حقق أرباحاً تقدر بـ535 مليون جنيه، أما أكبر الأرباح فكانت عام 2009/2010 حيث وصلت إلى 700 مليون جنيه، بسبب ارتفاع سعر الطن فى البورصة إلى 2800 دولار مقارنة بالوقت الحالى الذى وصل إلى أدنى مستوى له وهو 1800 دولار للطن الواحد فى بورصة لندن، بالإضافة إلى الانفلات الأمنى الذى كبد الشركة خسائر تقدر بـ30 مليون جنيه»، ويتابع: «مجمع الألومنيوم يسدد قرابة المليار ونصف المليار جنيه للدولة قيمة طاقة، بما يمثل 33% من قيمة الإنتاج»، مطالباً الحكومة بحل مشكلة الطاقة فى المصنع بربط أسعار الطاقة بأسعار بورصة المعادن فى لندن، وفق شرائح معينة، فإذا زاد سعر الطن تزيد الطاقة والعكس. وقال المهندس ياسر الطاهر، رئيس نقابة العاملين بمجمع الألومنيوم، إن «عمال الألومنيوم يعملون فى أصعب الظروف فى درجة حرارة 1000 درجة مئوية، ولن يسمحوا بهدم مصنعهم مهما كلفهم ذلك». وطالب العاملون بشركة مصر للألومنيوم بنجع حمادى الحكومة بوضع حلول جذرية للطاقة، وإعادة كافة الدراسات بإنشاء مصانع تكاملية، ما يقولون إنه سيحسن الوضع المالى للشركة، إضافة لخلق فرص عمل جديدة بالمنطقة، وحل مشكلة الملف الصحى للعاملين، الذين تصيبهم الأمراض بسبب تعرضهم للحرارة العالية، وحل مشكلة المؤهلات العليا وتسويتها، وخاصة الصادر بحقها قرار من رئيس الشركة السابق. أخبار متعلقة «هى دى مصر يا ريس»..«الوطن» ترسم صورة واقعية لأزمات البلد وتضعها على مكتب «السيسى» لا تربية ولا تعليم.. المدارس «خرابات كبيرة».. والمهمة: قتل المستقبل منهج لكل محافظة يشترك المدرس فى وضعه.. ومدارس بلا أسوار الداء بلا دواء..مستشفيات الحكومة.. موت وذل على نفقة الدولة التأهيل والتدريب وتغيير الثقافة فى مقدمة الاحتياجات المصانع.. جثث هامدة : «صنع فى مصر».. جملة «تاريخية» فى طريقها إلى زوال «دمياط» فى قلب المعاناة: مدينة العمل والإبداع تواجه شبح البطالة والأزمات الأمان المفقود.. إرهاب الإخوان وبؤر البلطجة وانتشار الأسلحة.. إنها الحرب بعد 3 سنوات من الغياب.. «لجان الرعب» تبحث عن «جنة الأمان» جيش البطالة.. الأب بلا وظيفة.. والأبناء «2 نايمين وقهوجى وديليفرى» الفساد حتى النخاع : «التطهير».. الحاضر الغائب فى ثورة الشعب على «النظام» اختارتها «نيويورك تايمز» ضمن أشجع 150 سيدة فى العالم الأرض «عطشانة».. الفلاح على الأرض «البور»: الزرع بيموت.. واحنا معاه «حميدة» أصغر مرشد زراعى فى المحمودية: «الدورة» هى الحل الدستور يلزم الدولة بتوفير فرص عمل للشباب.. ياالله !