فى أعقاب ثورة يناير العظيمة، وكنت أحد المناصرين لها والمدافعين عنها والمشتركين فيها، سواء بالحضور المادى أو بقصائد ومؤتمرات ولقاءات تليفزيونية. وفى أحد هذه اللقاءات سألتنى المذيعة الشابة وغير المثقفة عن موضوع ما أنهته بقولها «مبارك» الخائن، وتخليت لقصور فى تفكيرها أن هناك حفلة تقطيع سوف تبدأ فى الرجل الذى لم يكن ناقصاً، وأيضاً لا حول له ولا قوة، ولكنها فوجئت بى وأنا أستوقف استرسالها لأقول لها أن تسحب تلك الكلمة على الفور، فلم تفهم، فبدأت فى إلقاء درس عليها بأن لا تصف الرجل بما ليس فيه، فكيف تقول على بطل حقيقى من أبطال حرب أكتوبر، والذى بنى فعلاً لا قولاً بمساعدة أبطال آخرين سلاح الطيران المصرى بعد النكسة بأوامر من الزعيم الراحل «ناصر» خائناً؟!!! الرجل -قلت لها- صفى عصره كما شئتى، بالفساد، بإهمال الفقراء، بغياب العدل الاجتماعى، بتقزيم دور مصر والانقياد الأعمى لتبعية أمريكا، إلخ.. إلا الخيانة، فالرجل لم ولن يكون خائناً، ثم لم أذكره أبداً إلا فى معرض تحليل موقف له علاقة بالوطن، وكذلك أفعل الآن مع «مرسى»، هاجمته فى ضراوة عندما كان فى قوته، وطالبته بالتنحى، وأنه ليس على قدر مصر، إلخ.. فلما أصبح فى السجن لم أعد أذكره -إلا مقالاً هاجمت فيه من يصفونه بـ«مانديلا» العرب- واضطررت فيه لأن أذكر مساوئه مقارنة بـ«مانديلا».
هذا هو شرف الخصومة والاختلاف كما تعودنا عليه وتعلمناه من ديننا الجميل وحتى لا تنطبق علينا إحدى صفات المنافق كما وصفها رسولنا الكريم (إذا خاصم فجر)..
والآن لن أحيد عن هذا المبدأ، ولكنى وفى مقال سابق هاجمت -فى ضراوة- الذين عادوا من عصر «مبارك» إلى الصورة بأموالهم وجرائدهم وأبواق قنواتهم لغسل السمعة، وكأنهم لا يستحيون، وطالبتهم بأمرين، بأن لا يشوهوا صورة «السيسى» الناصعة فى قلوبنا بمحاولة ركوب الموجة والتطبيل الفج للرجل الذى أضطره للإعلان عن رفضه، ثم القول الواضح بأنه لا عودة لنظام «مبارك» ولا رموزه، والأمر الثانى الذى طالبتهم به هو أن ينعموا بما سرقوه من قوت هذا الشعب بعيداً عن عنا، ولكنهم يأبون إلا القفز على الكراسى، كما تعودوا، وكأن ثورة عظيمة لم تكن، وشهداء من الشباب الذى مات كى نتخلص من هؤلاء اللصوص لم يموتوا.. مستفزون ولكن ما زاد من الاستفزاز -وهو سبب كتابة المقال- هو تلك النغمة الجديدة التى بدأت تظهر وتبين كيف كان «مبارك» رحيماً وحبيباً للشعب، فى ذلك الكلام المضحك والعارى من الحقيقة الذى قاله ضابط الحرس الجمهورى فى شهادته فى قضية قتل المتظاهرين
(قال بيقول) إن الرئيس الأسبق نبّه عليه بألا يطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين من شعبه الحبيب، حتى لو وصلوا إلى سرير نومه (يا سلام)، ما كل هذا الحب الجارف أيها الرئيس؟ ولماذا لم تستخدمه فى بناء مستشفيات للفقراء من شعبك الذين كانوا يموتون كل يوم بالسرطان والفشل الكبدى والكلوى من قلة الرعاية، فى حين يرتع المحظوظون من الشلة فى ملاعب الجولف والمنتجعات؟! وأين كنت أيها الضابط أنت وشهادتك تلك طوال ٣ سنوات؟ فإذا أضفنا تلك الشهادة الكوميدية إلى المحاولات البائسة والدؤوبة من قنوات بعينها لتجميل صورة الرجل بمقارنته بـ«مرسى» طوال الوقت، حتى إن أحد المذيعين وضع جدولاً على الشاشة -أى والله- قسمه إلى خانتين على رأس الأولى حسنى مبارك، والثانية محمد مرسى، ثم بدأ يقارن، بأن القاضى عندما نادى على الأول قال «أفندم» -شوفوا الأدب والتربية- وعندما نادى على الثانى لم يرد، وهكذا يمضى الجدول العبيط فى المقارنة الأعبط، كى يحيلنا إلى نتيجة كم كان «مبارك» عظيماً، وقد جنينا عليه وخسرناه (قالها بالفعل محاميه الذى لم يأنف أن يدافع عن جاسوس إسرائيلى طالما سيقبض أموالهم المسروقة من دم الفلسطينيين).. شىء مستفز وغبى من بشر يجب فعلاً أن يختفوا من حياتنا قبل أن يعيدوا -بأموالهم- كتابة التاريخ، لنكتشف أن «مبارك» كان مفجر ثورة يناير.