ليس كل الظن إثماً، من هذا المنطلق، فمن المحتمل أن تكون عملية اغتيال «ترامب» مسرحية مدبّرة من قِبل مستشارى «ترامب»، فلا أحد مستفيد من هذه العملية سوى «ترامب» لعدة أسباب:
- زيادة شعبية «ترامب».
- توجيه أصابع الاتهام لمنافسه «بايدن»، فحتى إذا لم يكن متورطاً بطريقة مباشرة، فخطابه التحريضى ضد «ترامب»، هو الذى دفع الجانى لارتكاب جريمته.
- إظهار وجود العنف السياسى فى المجتمع، الذى هو إفراز طبيعى لسياسة «بايدن»، وهذا يُرعب الرأى العام الأمريكى، ولا يصوت لصالح «بايدن».
- الرد على الدعاية المضادة التى يشنها بايدن بشيطنة ترامب.
- محاولة التغطية على القضايا المدان فيها ترامب، والتى تصل عقوبة بعضها إلى السجن.
- استغلال ما حدث وإظهار اللياقة الذهنية لترامب، حيث أصر على حضور المؤتمر الحاشد للحزب الجمهورى الذى عُقد عقب محاولة الاغتيال الفاشلة بيومين -لإعلان الاسم المرشح لخوض الانتخابات على مقعد نائب الرئيس- مؤكداً أنه لن يدع مطلق الرصاص يعرقله عن تنفيذ جدوله الانتخابى، وقيامه عقب إصابته بمطالبة الأمريكيين بالاتحاد، رافعاً ذراعه إلى أعلى، رمزاً للقوة.. فى حين يتم اتهام بايدن بعدم اللياقة البدنية والذهنية!
- إظهار وجود ثغرات فى حراسته الخاصة، لإجبار إدارة بايدن على تكثيف وتشديد الحراسة الخاصة للرئيس السابق.. وهذا ما حدث بالفعل فى تجهيزات المؤتمر التالى لواقعة محاولة الاغتيال، حيث تمت مضاعفة الإجراءات الأمنية، وإصدار قرار بعدم حمل السلاح لكل من يوجد فى نطاق عقد المؤتمر، مع احترام حرية حمل السلاح التى يتمتع بها الأمريكيون.
- دائماً ما يحصل الضحية على التعاطف، وهذا سيرفع نسبة التصويت لصالحه.
- إجبار بايدن على التوقف فى دعايته عن الهجوم على ترامب وانتقاده، وهذا ما حدث بالفعل!
ونحن نفكر فى هذا (الظن) لا بد أن نستحضر ما قام به مؤيدون لترامب من عنف واقتحام الكونجرس وإحداث تلفيات فيه وتهديد أعضائه، للاعتراض على نتيجة الانتخابات الرئاسية الماضية، فى واقعة تُعد الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة!
وإذا راجعنا نص المحادثة المسرّبة التى جرت بين ترامب وحرسه الخاص بعد إصابته، وهو جالس القرفصاء تحت المنصة سيتأكد (الظن)، حيث نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية نص الحوار بالكامل يوم الأحد -أمس الأول- ونقلته عنها (RT)، وكان كالتالى: «وفى اللحظة التى سمع فيها دوى إطلاق الرصاص، أمسك «ترامب» بأذنه اليمنى، وجلس القرفصاء تحت المنصة.
وبينما توجّه نحو ترامب عناصر أمنه من الخدمة السرية، وأحاطوه من كل جنب لإخراجه من المسرح، فقد ترامب حذاءه، ودار حديث بينه وبين العناصر:
ترامب: اسمحوا لى أن أرتدى حذائى.
عنصر الأمن: أنا أفهمك يا سيدى.. رأسك ينزف.
ترامب: دعنى أرتدى حذائى.
ورغم ذلك، ترك حذاء ترامب على المسرح بعدما أخذ المرشح الرئاسى بعيداً».
فهل يُعقل لرجل فى الثامنة والسبعين من عمره أن يفكّر فى حذائه، وهو يتعرّض للاغتيال، وسط حالة من الفوضى والخوف، التى سادت الحشد الانتخابى الذى شهد الواقعة!
وطبقاً لهذا (الظن) أيضاً فإن سيناريو التحقيقات التى ستجرى حول عملية الاغتيال لن تصل إلى أى نتيجة، ولن تُسفر عن معلومات عن هوية القناص أو محرّضيه، وأنها ستمتد لعدة شهور، وبعد وصول ترامب إلى الرئاسة، سيتم التغطية على القصة نهائياً، وسيكون مصير مرتكب الجريمة، مثلما حدث مع مرتكب جريمة اغتيال جون كنيدى الذى أرداه قتيلاً عام 1963 أثناء وجوده فى سيارة مكشوفة، فرغم مرور 61 عاماً على محاولة اغتيال كنيدى، لم يتم فك لغز اغتياله، ومن المحرّض عليها، فقد تم قتل القناص الجانى فى محبسه، بعد القبض عليه واقتياده إلى الحبس!
وذلك بعكس كل محاولات الاغتيال الناجحة والفاشلة، التى تعرّض لها رؤساء أو مرشحون للرئاسة أمريكيون، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، التى نجا فيها 8 رؤساء هم أندرو جاكسون، تيودور روزفلت، فرانكلين دى روزفلت، هارى ترومان، جورج والاس، جيرالد فورد، رونالد ريجان، باراك أوباما.. واغتيال أربعة هم إبراهام لينكولن، جيمس جارفيلد، وليام ماكينيلى، روبرت كيندى.. فالجناة فى كل هذه الحوادث تم القبض عليهم، وتم إعلان هويتهم ودوافعهم، بل تمت محاكمتهم والحكم عليهم، إما بالسجن وإما الإعدام.
فى جميع الأحوال فإن الانتخابات الأمريكية التى ستُجرى فى نوفمبر هذا العام، أصبحت شبه محسومة لصالح «ترامب»، حتى فى حالة الاحتمال الضعيف بإقناع الحزب الديمقراطى بايدن (الضعيف) بالتنحى وترشيح نائبته كاميلا هاريس بدلاً منه.
وهذا لن يُغير فى أمر السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، والدعم اللامحدود لإسرائيل شيئاً، لكن ربما ستتغير تجاه أوكرانيا، حيث سيقوم «ترامب» بوقف الدعم العسكرى والمادى لها، كما سيوقف دعم الولايات المتحدة لحلف الناتو، وهذا سينعكس على مسار الحرب فى أوكرانيا لصالح روسيا.