عندما كنا نزور دمشق لعرض فيلم أو حضور مهرجان كان ينتابنا إحساس كابوسى من صور حافظ الأسد المنتشرة فى كل مكان، حتى إنها مرسومة فوق الجبل وفى جميع المحلات التجارية وعلى البنايات فى وصلة نفاق أو لنقل خوف من المساءلة والاتهام بالخيانة وعدم الوطنية، فالزعيم فى المجتمعات الفاشية هو الوطن، نقده أو الاعتراض عليه خيانة وطنية قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وبسبب تلك الممارسات تخلّف العرب وأصبحنا فى ذيل الأمم، وما حدث فى ثورة يناير وموجتها الثانية فى يونيو هو رفض لتلك الفاشية وتأليه الحاكم، ولكن ماذا تفعل فى الذين تربّوا على النفاق وعبادة الحاكم، أملاً فى منفعة أو مصلحة، فهكذا سارت الأمور فى آخر ٤٠ عاماً من حكم مصر -وإن لم تصل إلى درجة سوريا والعراق- أقول هذا الكلام بعد أن رأيت صور المشير السيسى تملأ الطريق فوق كوبرى أكتوبر بشكل مكثّف، وأعادنى المشهد لما رأيته فى سوريا.
لا أعلم من وضع الصور، وهو بالتأكيد لا يمت إلى الجيش بصلة فقد حضرت بالصدفة البحتة فى مكان ما مكالمة من أحد القادة فى القوات المسلحة فى حالة غضب واستياء شديد بسبب إذاعة أغنية على إحدى الفضائيات عنوانها «عايزينك» ونقل غضب الفريق السيسى حينها، وطلب عدم إذاعة الأغنية أو ما يشبهها على أى فضائية، بل ويرسل تعميماً بهذا إلى كل القنوات، فالرجل شديد الذكاء والتواضع والبساطة، ويعلم أن تلك الممارسات تضره ولا تنفعه، ولكن ماذا نفعل فى «طبالين الزفة» والآكلين على كل الموائد ومجاذيب الزعيم، أى زعيم.
وللمشير السيسى أقول نحن أحببناك لبساطتك وتواضعك وشجاعتك على المستوى الإنسانى، وأحسسنا بأن الأقدار أرسلتك إلى هذا الوطن لتستجيب وجيشنا لنداء الشعب فتنقذ، ليس مصر فقط، ولكن العالم العربى من مؤامرة كانت ستنهيه إلى الأبد.
كان مصير مصر هو العراق، ومصير السعودية ودول الخليج إلى زوال وسيادة إيران وإسرائيل وتركيا -بالقطع ليست قطر- على المنطقة، وكان لقرارك الشجاع الذى وضعت فيه روحك على كفك -وما زلت- زلزلة هزت العالم بأثره ولم يستفق منها حتى الآن.. أما القرار الثانى المذهل، الذى يجب الالتفات إليه هو تنويع مصادر السلاح واللعب على علاقة متوازنة بين القوى العالمية، بعد أن ظللنا منبطحين أمام أمريكا منذ أن أعلن «السادات» فى تصريح سلمنا به لأمريكا كما يقولون «تسليم مفتاح»، ألا وهو ٩٩ فى المائة من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، مزيحاً بذلك الاتحاد السوفيتى وقتها من المنطقة وضارباً عرض الحائط بمصلحة الوطن لصالح قوة مهيمنة وحيدة، وللأسف أن هذا كان فى أعقاب نصر أكتوبر، فتعامل كالمهزوم وهو منتصر -بالمناسبة العبارة الأخيرة على لسان «كيسنجر» فى مذكراته- واستمر الحال طوال حكم «مبارك» نستأذن ماما أمريكا فى كل شىء حتى فى أبسط المواقف ووصلنا إلى حالة من التبعية المخجلة لم تصل إليها دول كانت تحلم أن يجاور اسمها مصر فى أى منتدى، ثم يأتى «السيسى» ويأخذ هذا القرار الشجاع والعظيم فى توقيت حرج وفى ظل موقف دولى متأزم ومعادٍ لمصر أثبت به أن مصر ومصلحتها فقط هى ما يشغله، وهذا دليل على أن حب الناس والشعب -الذى بالمناسبة يفهم أكثر من نخبته- فى محله تماماً.. أرجو من «طبالين الزفة» أن يرحمونا ويرحمون الرجل الذى بالقطع لا يحتاجهم، فليس بالصور التى تملأ الشوارع يدخل القلوب.
* بلاغ إلى وزارة الصحة ورئيس الجمهورية ولمن يهمه الأمر بالتحقيق فى وفاة شاب رفض مستشفى دار الحكمة فى مدينة نصر علاجه إلا بعد دفع ٢٠ ألف جنيه وتركوه حتى توفاه الله.. الشاب اسمه عبدالله الأحمدى، وحررت أمه المكلومة محضراً فى قسم مدينة نصر تحت رقم ٣٠٦١ جنح.. إذا صح هذا الكلام ولم يغلق ذلك المستشفى وتمت محاكمة من فعلوا ذلك، فلا تحدثونا عن ثورة أو دستور أو كرامة المصرى بعد الآن، اللهم بلغت اللهم فاشهد.