الحديث عن الرئيس الراحل أنور السادات دائماً ما يرتبط بالدهاء والذكاء.. وبصورة مجلة التايمز الشهيرة التى لقَّبته بـ«ثعلب السياسة المصرية».. كما يرتبط فى الوجدان المصرى بمشاعر الفخر والعزة ونشوة النصر.
انتصر السادات فى حرب أكتوبر.. وعقب الانتصار دائماً ما تكون قواعد التفاوض كقواعد كتابة التاريخ... «فى يد المنتصر».
سبق انتصار السادات طرده الخبراء السوفيت، وتبعه قرار إلغاء معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفيتى عام ١٩٧٦.. ثم إعلانه أنّ «99٪ من أوراق اللعبة أصبحت فى يد أمريكا».
تصريح السادات بات اعترافاً استغله وردده الدبلوماسيون الأمريكيون فى جميع الأوساط والمحافل السياسية لتبرير احتكارهم دور الوسيط فى الصراع العربى الإسرائيلى.. بمقولة جاءت وقتها من أهم رئيس دولة عربية.
عندما نجحت إدارة جيمى كارتر فى إشرافها على إبرام اتفاقية السلام عام 1979 اقتنع الكثيرون بامتلاك أمريكا لقواعد اللعبة وقدرتها بالفعل على التأثير فى المنطقة، إلا أنه فى احتفال الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالذكرى الأربعين لإبرام اتفاقية كامب ديفيد أرسل الرئيس كارتر كلمة مسجلة.. اعترف فيها أن السادات كان مبالغاً عندما وصف بلاده بقدرتها على حل 99 بالمائة من ملفات الشرق الأوسط.
اعتراف كارتر بعدم قدرة بلاده على تسوية هذا الصراع أو على منع الساسة الإسرائيليين من التوسع فى بناء المستوطنات والإمعان فى ظلم الشعب الفلسطينى الأعزل.. اعتراف بقدرة (الأيباك - اللوبى الصهيونى فى أمريكا) على التحكم فى البيت الأبيض والعواصم الغربية والأوروبية بالانحياز الأعمى لإسرائيل ومواجهة الحقوق الفلسطينية بالمماطلة تارة أو بحق الفيتو تارة أخرى.
وإن تحدثنا عن أوراق اللعبة الأوروبية فيجب أن نميز بين تحركات أوروبا ككتلة سياسية.. تقودها أحياناً بريطانيا صاحبة وعد بلفور.. أو ألمانيا التى تخشى اتهامات معاداة السامية.. وفرنسا التى يسيطر فيها اللوبى اليهودى على مجريات الاقتصاد والثقافة.. وبين دول أخرى اتخذت موقفاً أخلاقياً داعماً لحق الشعب الفلسطينى فى الحياة.
فوجئنا منذ أيام باعتراف ثلاث دول أوروبية بالدولة الفلسطينية المستقلة وهى إسبانيا وأيرلندا والنرويج.
ولإسبانيا تاريخ طويل من التقارب مع أطراف الصراع، نذكر منه اضطرارها للاعتراف بإسرائيل عام 1986 عقب ضغوط أوروبية فى مقابل انضمامها للسوق الأوروبية المشتركة، وبعدها بثمانية شهور فى أغسطس من العام نفسه.. رفعت درجة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لديها إلى درجة سفير.
وبعدها مباشرة قابل الملك خوان كارلوس ياسر عرفات عام 1989 فى مدريد وأعلن تأييده لحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة.
ولا ننسى استضافة مدريد عام 1991 المؤتمر الشهير الذى جمع أطراف صراع المنطقة (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين مع إسرائيل وجهاً لوجه) لأول مرة اعترافاً بالدور الإسبانى فى الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف.
وفى أعقاب مؤتمر مدريد بدأت مباحثات سرية فى أوسلو عاصمة النرويج انتهت بتوقيع أول اتفاقية مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى سبتمبر 1993.
كما نجد أن جمهورية أيرلندا لطالما تعاطفت مع الفلسطينيين لتشابه كفاحهم ضد المحتل الإنجليزى. فلم تعترف بإسرائيل حتى عام 1963 وكانت أول دولة غربية تنادى بدولة مستقلة للفلسطينيين.
حتى إنها بدأت العلاقات بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية فى أواخر عام 1970، حتى افتتحت فى عاصمتها دبلن عام 1993 تمثيلاً دبلوماسياً (مندوبية عامة) لمنظمة التحرير الفلسطينية.
فى مارس 2011، صرح وزير خارجيتها بأنها ماضية فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد سيطرتها على أراضيها.
فى أكتوبر 2014، وافق البرلمان الأيرلندى بالإجماع على اقتراح يدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين.
ولذلك أعلنت إسبانيا والنرويج وجمهورية أيرلندا فى 22 مايو 2024 اعترافهم بدولة فلسطين.
إذاً لا يستطيع متابع أن ينكر سيطرة اللوبى اليهودى على السياسة الخارجية الأمريكية بينما قادت المعايير الإنسانية العديد من الدول الأوروبية لأن تتبع منحى أخلاقياً.
يجب استغلاله من طرف الدبلوماسية العربية وجماعات الضغط العربى فى أوروبا لإثبات الحقوق الفلسطينية فى جميع المحافل والمناسبات واللقاءات الأوروبية.