محطة المترو : صراخ الباعة الجائلين .. يرحب بكم

كتب: حازم دياب:

محطة المترو : صراخ الباعة الجائلين .. يرحب بكم

محطة المترو : صراخ الباعة الجائلين .. يرحب بكم

يشق المترو طريقه الطويل، يحمل الراكبين إلى محطاته المتعاقبة، لكن راكبى حلوان ذوو طبيعة خاصة، لا يتململون داخل العربات، يقف القطار فى عشرات المحطات، والراكبون قابعون فى أماكنهم، محطة الوصول لم تحن بعد، ساعة تُعلن محطة المترو الأخيرة، يتهيأ الركاب للنزول، بشر يموجون فى تناغم، خارجين من المحطة وتعاريجها الضيقة، إلى الشارع وبراحه الواسع، الرابط الوحيد بين المحطة والشارع المقابل له: الصخب، لا يتوقف لحظة، تتلقفك نداءات الباعة، ما بين بائع ملابس حريمى يحث الأم على الشراء منه لتعيش ابنتها حياة سعيدة، وبين السيدة العجوز التى تبيع الخضراوات، وتصف فلفلها وخيارها وطماطمها بأبدع الألفاظ وأحسنها، وما بين شاب يبيع اللعب البلاستيكية، التى يتحلق حولها الأطفال، لكنهم لا يشترون، يكتفون بالبكاء، فى ظل دفع الأمهات لهم، ليسرعوا حتى لا يتأخروا على البيت، وما بين رجل يقف من خلف عربة يطهو فيها من «الكشرى والكبدة» ما يباع للباعة لا للهابطين من المحطة، الهابطون فقط يكتفون بشم الرائحة. الباعة الجائلون أمام مترو حلوان يصنعون حياة كاملة الأركان. الحياة توجد بانتشار البشر، بذيوع الروح، بعموم الصوت، أركان يوفرها عشرات من الأشخاص لا يعرفون بعضهم. مهمشون هم، جاءوا من ربوع مصر، واستوطنوا الشارع، أصبح بيتهم الذى يجلسون فيه ليل نهار، يستقبلون فيه الضيوف من المشترين، والجيران من الباعة والتسلية من الأغانى التى تصدح بها التليفزيونات وأجهزة التسجيل. من خلف عربة عامرة بالموز، يقف محمد عبدالحليم، ذو الثلاثة والعشرين عاماً، بردائه الصعيدى المميز، ولكنته التى لم تفلح القاهرة وصخب المحيطين من إخفاء تعطيشه للجيم وأخواتها. جاء محمد من أسيوط، يبتغى الزيادة فى الرزق، يقول إن الحال فى الصعيد صعبة، والسوق واقفة والصعايدة لا يقبلون على الشراء إلا فى أضيق الحالات، قدم للقاهرة وعمره لم يكد يتجاوز الثالثة عشرة، سكن فى منطقة عرب الوالدة بحلوان، مع مجموعة ممن يشابهونه فى الحال، يقول محمد إن الصعايدة يحبون أن يعيشوا معاً، طباعهم واحدة، وعنادهم و«نشفان» دماغهم لا يفهمه إلا هم، اختار الوقوف أمام محطة مترو حلوان، لأنها المصب، التى إليها يأتى الآلاف يومياً، يبيع الموز لأن المصريين، بحسبه، يفضلون من الفواكه الموز والبرتقال، ولما كان البرتقال يزن كثيراً فلجأ للموز، لكن عربته تتغير بضاعتها بحسب الزبون، السوق عرض وطلب، حين يقل الطلب على الموز، يهاجر للبرتقال أو يلجأ للخضراوات، لا يهمه إلا الحصول على نقود وفيرة آخر اليوم، تمهد له أن يزيد من تحويشة العمر، التى تعينه على العودة للبدارى فى أسيوط ليتمكن من الزواج وإنجاب الأطفال. يقول إن قوات الأمن التى باتت مستقرة فى مقابل محطة حلوان، أصبحت تنظم عمليات البيع، وتقلل من المشاحنات التى كانت تجرى. لا يطلب محمد من الحكومة، إلا سوقاً منظمة يتجمع فيها الباعة الجائلون، بدلاً من الوقوف فى العراء، بلا حماية من الشمس أو الطرد، «لو البلدية طقت فى دماغها تمشينا، حتمشينا بكرة الصبح وحنبقى من غير لقمة تعيشنا». أخبار متعلقة: «حلوان».. مرثية مدينة حكاية مدينة .. من "منتجع عالمى" إلى أطلال يسكنها "التلوث" النهضة الصناعية تمنح حلوان لقب «مدينة السموم الأولى» كابيرتاج .. الطمى والمياه والشمع أشهر وسائل علاج الروماتيزم «متحف الشمع» خارج التصنيف العالمى.. والحكومة أغلقته 5 سنين للترميم دون نتيجة مرصد «حلوان» الفلكى.. حين تكتشف الأرض أسرار السماء «منصور» الباشا يفقد هيبته بسبب شماعات الملابس الجاهزة ونداءات الباعة الجائلين «الحديقة اليابانية» و«ركن فاروق».. هنا يلتقط أهالى المدينة أنفاسهم مخرات السيول.. مقلب للقمامة نهاراً وكر للخارجين على القانون ليلاً