النهضة الصناعية تمنح حلوان لقب «مدينة السموم الأولى»

كتب: عبدالوهاب عليوة:

 النهضة الصناعية تمنح حلوان  لقب «مدينة السموم الأولى»

النهضة الصناعية تمنح حلوان لقب «مدينة السموم الأولى»

مدينة الشمس والهواء، «عين أون» كما كان يطلق عليها الفراعنة، اعتبروها هبة الإله بعيونها الكبريتية التى تشفى الأمراض. المكان الوحيد فى مصر الذى لم يصبه وباء الطاعون الذى تغلغل فى جسد العاصمة المصرية الفسطاط ليتحصن بها والى مصر وقتها عمر بن عبدالعزيز وجنوده بعد الفتح الإسلامى لمصر. كما أقام الخديو عباس الأول بها منتجعاً صحياً بمنطقة العيون الكبريتية، بعد شفاء جنوده من مرض الجرب بعدما اغتسلوا بها. فيها أنشئ أول سد مائى فى التاريخ بمنطقة وادى حوف فى عصر ما قبل الأسر الفرعونية. هكذا كانت «حلوان» مدينة من الزمن الجميل، ترقد فى أقصى جنوب القاهرة بعيونها الكبريتية وهوائها النظيف وشمسها المشرقة، منطقة للاستشفاء، يقصدها الباحثون عن النقاء والهدوء كما يروى عبدالناصر يوسف، أربعينى العمر، وأحد قاطنيها والعاملين فى مصانعها، يرى عبدالناصر الذى ولد وتربى فى حلون أن المصانع الموجودة فى حلوان هى السبب الرئيسى فى تلوث المدينة التى كانت بكراً ويقصدها علية القوم من الملوك والباشوات الذين كانوا يأتون إلى حلون للاسترخاء والراحة، بينما حلوان الآن كما يقول «مكان تانى» بعد أن قضت المصانع على بريقه وجماله، فاستحقت المدينة كما يقول عبدالناصر لقب «مدينة التلوث والعشوائية» بجدارة. «مدينة السموم الأولى فى مصر»، هكذا تصنف تقارير وزارة البيئة المصرية مدينة حلوان، الغبار الكثيف المتصاعد من مداخن مصانعها، يملأ سماءها التى كانت صافية بغيوم الغبار المحمل بالسموم، لم تعد الشمس المشرقة بأشعتها النافذة إلى أرضها الهادئة كما كانت قبل بفعل عوامل الاحتباس الحرارى، الكتل الخرسانية غزت أفدنتها الزراعية، الأبراج الإسمنتية العشوائية طمست ملامح شوارعها، ويتحسر عبدالناصر الذى يعود بذاكرته إلى حلون التى كانت مدينة الشمس والهواء، قائلاً «كل معالم المدنية الجميلة اندثرت، وحل مكانها منابع التلوث بأنواعها المختلفة، انقطعت المياه الكبريتية التى كانت قبلة للمرضى وشفاء لآلام أبدانهم، وحلت محلها برك الصرف الصحى لتكون مصدراً للمرض، القصور والفيلات القديمة تهدمت وانزرعت مصانع الأسمنت بدلاً منها، حلوان القديمة كانت يقيم بها الأثرياء، بينما حلوان الحالية تغرق فى غبار مصانع الأسمنت الذى لا مثيل له فى العالم، كما تروى تقارير من وزارة البيئة التى يقول عبدالناصر إنه يحتفظ بنسخة منها، الآن حلوان لعموم الشعب المصرى وفقرائه الذين لا يجدون مفراً من العيش تحت سمائها الملوثة ولا يجدون بديلاً غير استنشاق هوائها المسموم منذ ستينات القرن الماضى.[SecondImage] «مئات المصانع ذات الصناعات الخطيرة التى تمثل نفايتها الملوثة 5% من إنتاجها وفقاً لتقارير وزارة البيئة، وعشرات التجمعات السكنية العشوائية، هى اللى حولت حلوان للمنظر ده» بهذه الكلمات يتحدث عبدالناصر عن حلون اليوم، مرجعاً السبب إلى غياب التخطيط، قائلاً «إن التخطيط الآن يتم على أساس المصالح الشخصية وليس المصلحة العامة للمكان وأهله»، أما الإجراءات التى تتخذها الدولة بغلق بعض خطوط المصانع، فيرى عبدالناصر أنها مسكنات وقتية فقط، لأنها «تغلق لفترة وبترجع تشتغل تانى مهما طالت فترة إغلاقها»، لتبث سمومها فى رئة الموطنين ليل نهار والنتيجة مزيد من الأمراض، ويكتفى أهلها بآلامهم المكبوتة بعد أن باءت كل محاولاتهم للشكوى من هذه المصانع بالفشل.[ThirdImage] وتنتقل العشوائية وغياب التخطيط إلى القرارات التى يتخذها المسئولون فى الدولة فيما يتعلق بحلوان، على حد تعبير عبدالناصر، الذى يرى أن القرار الذى أصدره الرئيس المخلوع مبارك بتحويل حلون لمحافظة، لم يضف لها أى جديد، وكذلك بعد الثورة صدر قرار بعودتها مرة أخرى لتصبح تابعة لمحافظة القاهرة، وأيضاً لم يضف هذا القرار أى جديد على حلون وأهلها. يقدر عبدالناصر عدد سكان حلون الآن بأكثر من نصف مليون نسمة، يقول إنهم يعيشون فيما يسميه «سلة نفايات القاهرة»، التى يقول إنها تلقى بكل همومها فيها ابتداء من الصناعة الملوثة وبناء سجن طرة على مساحة مائة متر على كورنيش حلون، مروراً بمقابر سكان القاهرة، وأخيرا حظائر الخنازير التى تم نقلها منذ زمن إلى منطقة 15 مايو التابعة للمدينة. «حلوان التى اغتصب الأسمنت نقاءها الأبدى وهدوءها، فإن بوذا سينتبه من تأملاته العميقة محتجاً، ثم يرحل من الحديقة اليابانية وراء الهدوء إلى الصحراء» هكذا تحدث عنها نجيب محفوظ فى رواية «الباقى من الزمن ساعة» عام 82، قبل أن يضيف «وبقيت حلوان سنوات ترقب غدر الزمان وجحود البشر الذين نسوا زمانها الجميل‏»‏. أخبار متعلقة: «حلوان».. مرثية مدينة حكاية مدينة .. من "منتجع عالمى" إلى أطلال يسكنها "التلوث" كابيرتاج .. الطمى والمياه والشمع أشهر وسائل علاج الروماتيزم «متحف الشمع» خارج التصنيف العالمى.. والحكومة أغلقته 5 سنين للترميم دون نتيجة محطة المترو : صراخ الباعة الجائلين .. يرحب بكم مرصد «حلوان» الفلكى.. حين تكتشف الأرض أسرار السماء «منصور» الباشا يفقد هيبته بسبب شماعات الملابس الجاهزة ونداءات الباعة الجائلين «الحديقة اليابانية» و«ركن فاروق».. هنا يلتقط أهالى المدينة أنفاسهم مخرات السيول.. مقلب للقمامة نهاراً وكر للخارجين على القانون ليلاً