من أسيوط إلى فيلات التجمع.. يروى الطفل حدائق الأغنياء
من أسيوط إلى فيلات التجمع.. يروى الطفل حدائق الأغنياء
فيلات فخيمة متراصة على جانبى أحد شوارع التجمع الخامس الذى تتوسطه حديقة خضراء، فيها أنواع من أشجار ونباتات متنوعة، مع دقات الساعة الواحدة ظهراً، جلس الجناينى طه حسين، الذى لم يكمل عامه الـ13، فى ظل إحدى الأشجار يتناول غداءه البسيط، من الفول والفلافل، بصحبة زميله عمر محمد، الذى يكبره بـ4 سنوات. بعد دقائق قليلة ينتهى «طه» من تناول الطعام، ثم ينهض ليكمل عمله الذى بدأه فى الـ7 صباحاً: «أنا أصغر جناينى فى التجمع، بصحى من النوم الفجر، وبتعب فى الشغل قوى، وبمشى أكتر من كيلو كل يوم». هكذا يتحدث «طه» بلهجته الصعيدية التى تربى عليها بمدينة منفلوط، فى أسيوط، التى يفخر كثيراً بانتمائه إليها، خصوصاً أنه قرأ كثيراً عن الأديب العظيم ابن المدينة الأشهر، مصطفى لطفى المنفلوطى، الذى اقترنت المدينة باسمه، حسب قوله.
خشونة العيش تقفز على ملامح وجه الفتى، يظهر «القشف» بوضوح على خديه، بخطوات حثيثة يسير «طه» نحو خرطوم طويل، يمسكه، ثم يشده إليه ويحاول السير به لمسافة 50 متراً، وهو عمل شاق عليه، فكما يقول: «شد الخرطوم وتثبيته فى الحنفية أكتر حاجة صعبة فى الشغلانة دى، لأن فيه حنفيات كتيرة بايظة». ثياب «طه» ليست نظيفة، بنطلونه لا يخلو من الطين، فيما تظهر بقميصه بقع خضراء من كثرة النوم على حشائش الحديقة. يبذل الفتى مجهوداً كبيراً فى تثبيت الخرطوم فى الحنفية حتى يتصبب عرقاً، وأخيراً ينجح، ويفتح المحبس لتندفع مياه الخرطوم على النجيلة الخضراء وأشجار الزينة.
يروى «طه» وزميله يومياً حديقة الجزيرة الوسطى بالشارع المتسع مرة واحدة كل يوم. الحديقة بها أشجار من نوع واحد متراصة على الجانبين «أشجار النخيل»، تخضع الآن سيقانها إلى الطلاء بالبلاستيك من قِبل أحد المختصين التابع لجهاز المدينة الإدارى لحمايتها من الحشرات والنمل. يقول «طه»: «الشركة متعاقدة مع جهاز المدينة على رى الحدائق وتنظيفها وتجميلها وشغال فيها ناس كتير من الصعيد، أنا أصغر واحد فيهم»، يتحدث «طه» عن سيارة الشركة التى تنقلهم من أماكن سكنهم فى المنطقة الثالثة بالتجمع بالقرب من منزل «الريس مرسى»، ثم توزعهم على مناطق الحى الهادئ كل فى مكانه، وتعود مرة أخرى لتأخذهم فى نهاية النهار، إلى غرفهم.
إلى مدرسة لغات متعددة المبانى تقع فى نهاية الشارع يسرح «طه» ببصره، يدقق النظر قليلاً فتلتقط عيناه بعض الطلبة وهم يستعدون للعب كرة القدم فى ملاعب خضراء متسعة، يذكره المشهد بمدرسته الإعدادية بمنفلوط، فيقول: «أنا لسه طالب فى سنة تالتة إعدادى، وما رحتش المدرسة التيرم التانى لحد دلوقتى، وخايف أتفصل منها، نفسى أرجع الصعيد عشان أكمل تعليمى لأن التعليم حلو، أبويا بيقول لى كدة».
المشكلة فى مقاول الحدائق بالشركة، الذى يقول «طه»، إنه يحول بين عودته إلى مسقط رأسه، إذ إنه لم يعطه كل ما يستحقه من أجر عن الفترة الماضية. فهو يتقاضى ثلاثين جنيهاً يومياً ترضى بها نفسه ويساعد بها أسرته المكونة من 5 أفراد، على حد تعبيره. طه حسين لم يمنعه حديثه من التركيز فى رى الأشجار والنباتات الموجودة فى حديقة الشارع الوسطى. بعد فترة وجيزة يترك خرطوم المياه بأعلى نقطة بأرضية الحديقة، ثم يأوى إلى ظل شجرة، ويجلس بأسفلها ويقول مبتسماً: «أفخر أشد الفخر لأن اسمى هو نفس اسم أديب كبير وشهير، قرأت عنه فى كتاب اللغة العربية بالمدرسة، أنا معجب جداً بسيرته الذاتية، أستمد منها الصبر».
فى تمام الرابعة عصراً ينتهى عمل الفتى فى رى الحدائق، لكن عملاً آخر يبدأ حينما يستعد مع زملائه الـ9 الذين يقيمون معه فى الغرفة، لتجهيز وجبة عشاء ساخنة بعد يوم طويل أمضاه فى حدائق التجمع الخامس.
أخبار متعلقة:
التجمع الخامس.. للحياة وجوه كثيرة
فى «كمباوند المصراوية».. فتش عن الريف الأوروبى
كشك الحراسة.. «برواز» يطل على العالم
«رمضان» بائع إكسسوار السيارات.. «سقفه شمس وسما وهوا»
السوق التجارى بالتجمع الخامس.. الفرن والمقهى والخضر داخل مستطيل
بوابات التجمع.. الخط الفاصل بين الحياة والفقر
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. على بُعد كيلومتر عن منزل «مرسى» يقف بائع «الموز»
«على» يبيع السجائر أمام منزل قاضٍ.. ويقول: «مصر كلها بتاخد برشام»