بوابات التجمع.. الخط الفاصل بين الحياة والفقر

كتب: عبدالوهاب عليوة:

 بوابات التجمع.. الخط الفاصل بين الحياة والفقر

بوابات التجمع.. الخط الفاصل بين الحياة والفقر

سيارة فارهة سوداء اللون، زجاجها معتم يحجب رؤية من بداخلها، تقف لبرهة أمام بوابة عملاقة، يهرول شاب ثلاثينى تجاهها، لا يستطيع تبين الموجودين داخلها، يكتفى بنظرة خاطفة لملصق صغير على زجاجها الأمامى يحمل اسم الـ«كمباوند»، بابتسامة سريعة يمد ذراعه ويضغط بإبهامه على زر أحمر اللون، فتنفتح البوابة أوتوماتيكياً، لتمر منها السيارة متبوعة بنظرات فرد الأمن، لا يمكث كثيراً إذ سرعان ما تخطف بصره سيارة أخرى تهبط على البوابة فى انتظار أن يفتح لها.[Quote_1] ما بين الانبهار والسخط، يمارس موظف الأمن عمله اليومى الممتد على مدار 12 ساعة يومياً ليلاً أو نهاراً على إحدى بوابات منتجع مرتفعات القطامية الرئيسية، بزيه الرسمى ذى اللون البيج، ورابطة عنق خضراء، وجاكت فسفورى، يقضى الشاب ذو الملامح الريفية القادم من قرية بالوجه البحرى يومه. إذ حدث بعد حصوله على بكالوريوس تجارة من جامعة محافظته، أن فشل فى الحصول على وظيفة تتناسب مع مؤهله العالى، وانتهى به الحال بالوقوف على البوابة ليفتح ويقفل كما يقول لـ«ناس زيى»، كل ما يميزهم عنه، من وجهة نظره، «الفلوس»، يصمت الشاب لحظات، يتذكر بعدها عيشته الصعبة، والمشاق التى تعانى منها أسرته، يلخصها بقوله: «البوابة دى اتكلفت فلوس أكتر من بيتنا المبنى بالطوب والطين». بوابات ضخمة، بتصميمات متنوعة وأحجام مختلفة، محصنة بأجهزة إلكترونية، يتحكم فيها عناصر أمنية، بها مدخلان، «الأيمن» للدخول، و«الأيسر» للخروج، تتوسطهما غرفة لأفراد الأمن، منها تنظم عملية الدخول والخروج، وإليها تأتى التعليمات بالمنع والسماح بالعبور. ويدير البوابة 5 أفراد أمن، 3 على ممر الدخول، ورابعهم يتولى تسيير الحركة على ممر الخروج، بينما الخامس داخل الغرفة لمتابعة أجهزة الاتصال والتواصل مع الإدارة. 9 بوابات عملاقة موزعة على سور خارجى يعزل المكان عما يدور فى الخارج، وأخرى ممتدة على سور داخلى يضم خلفه مجتمعاً أكثر خصوصية، وتعتبر هذه البوابات هى الجسر الوحيد الذى يربطهم بالعالم الخارجى، الذى يفرون منه إلى عالمهم شديد الخصوصية.[Image_2] المارّون من البوابات نوعان، يحكى موظف الأمن، سكان المكان، وزائرهم، وحاملو اشتراكات ملعب الجولف والنادى الصحى، وهؤلاء يمرون من البوابة بملصق «الكمباوند» المثبت على زجاج السيارة، وزائرهم يدخل إلى المكان بعد إخطار صاحب الفيلا لأفراد الأمن للسماح له بالدخول، ويتحفظ أفراد الأمن على إحدى رخصتى القيادة أو السيارة فى مظروف لديهم بعد أن يسلموه رقماً تعبر به حتى تخرج من المكان، وكذلك يطلعون على اشتراك العضو الخاص بملاعب الجولف أو النادى الصحى لكى يسمح له بالدخول. بطريقة لا إرادية يقارن موظف الأمن بينه وبين سكان «الكمباوند»، هو يحصل على مرتب لا يتجاوز 900 جنيه، يصل مع الأقدمية إلى 1200 جنيه، يشير إلى سيارة تمر من أمامه قائلاً: «بص دى سيارة تمنها أكتر من نص مليون جنيه»، يواصل «صاحبها يملك سلسلة محلات أحذية شهيرة فى مصر، ولديه هو أسرته 4 سيارات أخرى، و3 فيلات غير الفيلا التى يقيم فيها». يصمت ويعاود التركيز فى السيارات التى تمر أمامه. ملاك القصور داخل الكومباوندات يعيشون خلف بوابتين، الأولى كالتى يقف عليها موظف الأمن، والثانية يطبق عليها تعليمات أمنية أكثر صرامة، أما أبواب القصور نفسها فتتميز بالأشجار الكثيفة التى تتكاتف على جانبيها، وتحجب الرؤية تماماً عن واجهة الفيلا، فى حين تختفى الفيلا نفسها خلف زجاج السور المشغول بـ«الفيرفورجيه». يقول أيمن أحمد السيد، مشرف الأمن أمام بوابات القطامية هايتس، إن المنتجع 9 بوابات رئيسية، كل بوابة تعتبر مدخلاً لـ30 أو 40 فيلا متراصة فى مربع واحد، بينما إجمالى الفيلات كما يقدرها مشرف الأمن 980، بعضها يرقد على أبوابها أفراد حراسة، يقبع فيها 7 آلاف ساكن تقريباً، يدون منها على هاتفه المحمول 2000 اسم، تتنوع ما بين ملاك وسكان وسائقين، ويروى «أيمن» حكايات عن رؤساء دول اعتادوا أن يمروا من أمامه عبر هذه البوابات أثناء زيارتهم لسفراء بلادهم القابعين فى مساكنهم بالداخل، آخر رؤساء الدول الذى زار المنتجع الأسبوع الماضى، هو رئيس أوكرانيا. اعتاد أيضاً أن يجد المارة يقفون أمام المنتجع وهم يقولون: «أنا عايز أتفرج».[Quote_2] يضم التجمع الخامس أحد أرقى الأحياء السكنية، أكثر من 12 «كمباوند» فاخراً، معزولة عن العالم الخارجى، بأسوار شاهقة، وتعتبر بواباتها العملاقة هى جسر التواصل مع العالم الخارجى، منها يخرجون، ومنها يدخلون، فيما يظل موظف الأمن بين الداخلين والخارجين فى مكانه لا يبرحه. أخبار متعلقة: التجمع الخامس.. للحياة وجوه كثيرة فى «كمباوند المصراوية».. فتش عن الريف الأوروبى كشك الحراسة.. «برواز» يطل على العالم «رمضان» بائع إكسسوار السيارات.. «سقفه شمس وسما وهوا» السوق التجارى بالتجمع الخامس.. الفرن والمقهى والخضر داخل مستطيل يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. على بُعد كيلومتر عن منزل «مرسى» يقف بائع «الموز» «على» يبيع السجائر أمام منزل قاضٍ.. ويقول: «مصر كلها بتاخد برشام» من أسيوط إلى فيلات التجمع.. يروى الطفل حدائق الأغنياء