كشك الحراسة.. «برواز» يطل على العالم

كشك الحراسة.. «برواز» يطل على العالم
إطار خشبى مستطيل، يرى من خلال شرفته الأشبه ببرواز، العالم الخارجى، فالبرواز هو المساحة الوحيدة المفتوحة من القفص الذى يقطنه، لا تتمكن عيناه من التجوال فى الفضاء الشاسع للكون من حوله. يجلس مسنداً ظهره إلى خشب أو بلاستيك، حسب ما يوفر له المكان الذى يحرسه، شاخصاً ببصره.. هذه هى حياة رجل حراسة فى كشك وظيفته تحديد هوية الداخل. «كشكه» برزخ، ما بين طريق السيارات السريع فى التجمع الخامس، وبيوت تعج بالمروج الخضراء والبشر. يكون الكشك أحياناً على شكل أسطوانى، والبعض الآخر مربع. لا يحتوى إلا على فتحتين، واحدة للرؤية المؤطرة، والأخرى لولوج الحارس للكشك.[Quote_1]
على باب شركة، مبناها بنى داكن، ينتشر على واجهتها اللون الأخضر، والورود متنوعة الألوان، ومكتوب اسمها بشكل مزخرف باللغة الإنجليزية، يرقد مناع محمد، 25 عاماً، مسقط رأسه سنورس فى الفيوم، فى كشك الحراسة بلونه الأزرق والأبيض، يمنع العابرين من المرور، ويتأكد من هوياتهم، وعما إن كانت الشركة ستجيز لهم الدخول أم لا. لا يذكر من مدينة مولده إلا أنها مولد لاعب الأهلى الراحل محمد عبدالوهاب. يعيش الآن فى إحدى قرى الجيزة، يقطع مشواره اليومى الطويل إلى التجمع الخامس، يحمل معه غلاية الشاى و«كولمان» للمياه، يعيناه على تزجية وقت عمله الذى يستمر لـ8 ساعات، يأتى من بعده آخر ليستلم منه مهمة الحراسة، لا يعرف ذلك «الآخر» الذى يشاركه الكشك، ولا يعرف من الشركة وعنها إلا أشكال الموظفين. تمنى أن يوجد تلفاز فى الكشك الصغير، لعله لا يشعر بالوقت، لكنه لم يستطع فعل ذلك، حيث رفضت الشركة التى يحرسها، متعللة بأن ذلك سيشغل عينه عن الترصد. «العين عليها حارس»، مثل سمعه فى المهد كثيراً، مفاده أن إصابة العين دائماً ما تقابل لطف الله، لكن فى حالة مناع، باتت عيناه نفسها هى الحارس، التى ينظر بها إلى كل شخص يروم دخول الشركة، يسأل القائمين عليها، فلان الفلانى واقف على الباب يريد الدخول. إجابتهم بالقبول، تمنح المار جواز سفر مؤقت للمكوث داخل الشركة حتى يقضى مصلحته، والرفض، يعنى أن يرفض مناع منحه تأشيرة الدخول، يكتسب اسمه معناه، يتلطف مع الناس إن لفظهم، ويحتد إن أصروا. تلك مسوغات وظيفته التى بدأها منذ عامين، ويلفح فى نهاية كل شهر تسعمائة من الجنيهات، تكفل له الصرف على زوجته وابنته المولودة حديثاً.[Quote_2]
حراسة فيلات العمل، لا تختلف كثيراً عن حراسة الفيلات المنزلية، رؤية السيارات تكون أكثر من مشاهدة البشر، فى التجمع الخامس، حيث تنتشر السيارات التى تمخر الطريق مسرعة، غير عابئة بمارة يعبرون الطرق، يتابع محمد عبدالغنى، الرجل ذو التسعة وخمسين عاماً، مشاهد السيارات منذ ستة أشهر، حيث بدأ ذلك العمل فى التجمع، يقول إنه لم يشاهد من قبل مثل هذا العدد من السيارات المسرعة، وكأنها ستصعد القمر بسرعتها. يرفل فى لباس صعيدى، بالجبة والقفطان، يحكى كون هذا الرداء يضفى عليه هيبة منذ بدأ مهنته مذ عشرات السنين. لا يحب الحراسة، يؤمن بفكره الصعيدى القادم من الفيوم، بأن المنزل لا بد أن يترك بابه مفتوحاً للرائح والغادى، «الباب المغلق بيسد البركة»، لكن طالما أن الرزق يأتى من خلال ذلك العمل فلا بأس. كشك حراسته خشبى، له باب زجاج يقعد من ورائه، معه طعام وبراد من الشاى، وغطاء يتدثر به إن غضب الشتاء. سلواه الوحيد فى المربع الخشبى راديو معدنى صغير، يضبطه على مؤشر صوت العرب. يحرس ويسمع ويشرب، لعل الوقت ينطوى. يقول إن مالك العقار اسمه حسن يوسف، اسمه يشابه الممثل الشهير، لكن حسن المحروس، رجل أعمال قضى وقتاً طويلاً فى السعودية، وعاد يبغى الهدوء، والانفصال عن صخب القاهرة، فهاجر إلى جديدها بالتجمع الخامس، واتخذ من محمد عبدالغنى حارساً، يحرسه لمدة خمسة وعشرين يوماً، يدخل خلالها إلى الفيلا، يقضى أحياناً بعض الأشغال، يعرف أهل البيت، لا ينفصلون عنه لكونه حارساً، يذهب عم محمد إلى أهله فى الفيوم لخمسة أيام شهرياً، يقول إن أغلب عمال التجمع من الفيوم والصعيد، نظراً لرحابة التجمع الخامس وضيق الصعيد.
أخبار متعلقة:
التجمع الخامس.. للحياة وجوه كثيرة
فى «كمباوند المصراوية».. فتش عن الريف الأوروبى
«رمضان» بائع إكسسوار السيارات.. «سقفه شمس وسما وهوا»
السوق التجارى بالتجمع الخامس.. الفرن والمقهى والخضر داخل مستطيل
بوابات التجمع.. الخط الفاصل بين الحياة والفقر
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. على بُعد كيلومتر عن منزل «مرسى» يقف بائع «الموز»
«على» يبيع السجائر أمام منزل قاضٍ.. ويقول: «مصر كلها بتاخد برشام»
من أسيوط إلى فيلات التجمع.. يروى الطفل حدائق الأغنياء