آن أوان الاعتراف بأنها كذبة حاولنا أن نصدّقها قدر المستطاع، والعيش بها وداخلها بسبب حلاوتها ورغم أنها كذبة واضحة، إلا أنها تمدنا بطاقة هائلة وتشعرنا بأننا لا نكبر أبداً.. مهما كبرنا بالفعل.
كذبة فى الكثير من الأوقات كان لا بد منها وهى أن الرحلة سوف تستمر بنفس رونقها وشبابها وناسها الذين أحببناهم.. وبالأماكن نفسها التى اعتدنا السهر فيها، قعدات المقاهى والسفر مع الأصحاب بأحاديث شابة وضحكات بريئة لا يُعكر صفوها شىء.
نحن الذين عِشنا فى ماضٍ ونعيش فى حاضر نشاهد أشخاصاً أحببناهم.. ونطمع بالمزيد منهم فى المستقبل دون حسابات للعمر والزمن وفروض الحياة.
لكن وياللأسف آن لجيل الثمانينات والتسعينات أن يدرك أن السنوات مرت سريعاً وستمر بحساباتها وليس بحساباتنا.. وأن طاقة من تعلقنا بهم من فنانين ورياضيين وكتاب وإعلاميين شاهدناهم فى مراحل حياتنا.. سوف تقل حتى تنتهى عاجلاً أو آجلاً.. وأنه لن يتبقى لنا سوى بعض النوستالجيا والكثير من التقدير والمحبة لهم.
أتذكر قبل عشرات السنوات.. تذكرة فى سينما التحرير.. كانت بوابة الدخول لفيلم «هالو أمريكا» لعادل إمام.. كنت حينها فى الصف الخامس الابتدائى.. خروجة مع أصحاب المدرسة.. وضحكنا ببراءة على فيلم بطله أهم ممثل مصرى على مر التاريخ. دخلت الفيلم مرة أخرى من حبى للزعيم.. واعتدت بعدها على دخول أعماله كل عام.. كنت أعتقد أن السينما سوف تتزين بأفيشات أفلامه دون انقطاع، لكنها انقطعت منذ فيلم «زهايمر» عام ٢٠١٠ وهى الحياة.
عادل إمام توقف عن تقديم الأفلام وابتعد.. وأنا لا أجد البديل.. أحب الكثيرين من بعده، ولكنه حب يقل عن محبته.
ومنذ أيام قررت مشاهدة أفلامه ومسرحياته على «يوتيوب».. كنوع من النوستالجيا واستعادة ضحكات لا تُنسى. نحن جيل نصف حياته أصبحت نوستالجيا.
جيل عاش أيضاً مع عمرو دياب.. ليس مجرد مطرب وجمهور وإنما امتد الأمر لتفاصيل أكثر عمقاً.. كنا نُردّد أغانيه فى المدرسة ورحلاتها.. وفى نفس عام صدور فيلم «هالو أمريكا».. طرح الهضبة ألبوم «تملى معاك».. وبعده ألبوم «أكتر واحد».. غنينا معه ومهما كبرت سنه لا نعترف.. نقول إن شبابه سيظل دائماً وكأننا نريد ذلك بقوة، لأننا سنُدرك أننا سوف نكبر إذا فقد هو شبابه.
نحن الذين مهما كدّرتنا دوامة الحياة.. نصغر أثناء سماع أغانيه ونشاهد شريط الذكريات أمام أعيننا.. ونتداول أخبار حفلاته فى الساحل الشمالى.. حتى لو كنا لا نستطيع الذهاب إليها الآن بسبب مشاغل الحياة.
ولذلك كانت الصدمة عندما قال عمرو دياب للإعلامى عمرو أديب «مفيش أنا خلاص كمان ١٠ سنين»! فماذا عن جيل الثمانينات بعد ١٠ سنوات؟ وماذا تخبئ لنا الأيام؟
نجوم شبابنا فى السينما تخطوا الخمسين عاماً.. وما زال بعضنا يؤكد أنهم النجوم الشباب وننتظر منهم الأكشن والرومانسى.. إغراقاً فى الكذب وكأننا نهرب من النظر فى المرايا حتى لا يكشفنا الزمن.
نحن الذين فوجئنا بأن «صلاح» يحتفل بعيد ميلاده الـ٣٢.. ألم نكن بالأمس نحتفل بأول موسم له مع ليفربول؟ الموسم الأسطورى الذى نال عنه جائزة أفضل لاعب فى بريطانيا.. ومتى كبر ميسى وذهب للدورى الأمريكى؟.. وأين سيكون رونالدو بعد سنوات؟
كيف يمر العمر سريعاً؟ ولماذا لا يتوقف مع جيل ما زالت روحه شابة؟
يا جيل الثمانينات والتسعينات.. نحن الذين نحاول أن نعيش على الماضى ونحبه.. ولا نؤمن بأنه سوف تنتهى الحكايات.
وأود أن أنقل جملة كتبها الكاتب إبراهيم أصلان بصدق فى كتابه شىء من هذا القبيل:
قيل مرة، إن أمرك لا ينتهى أبداً، ما دام لديك قصة تسردها وشخص يصغى إليها. وكم سرد هو، وكم أصغينا نحن.
إلا أنه آجلاً أو عاجلاً، يصل كل منا إلى نهاية قواه، وتنتهى القصص، ولا يبقى شىء يُضاف.
وهى الجملة التى أهرب منها دائماً منذ أن قرأتها.. رغم أننى أراها أمامى طوال الوقت. وكأنه لا مفر من الهرب.. وأنه عاجلاً أو آجلاً سوف تنتهى القصص لا محالة.. ولن يبقى سوى شريط الذكريات