قادة إسرائيل منذ نشأتها ، هم من زرعوا الأرض خوفًا ، و رسخوه في يقين الإسرائيليين ، بزعم ان الأخر يحقد على اليهود ، ويسعى إلى تدميرهم، وهذا هو الأساس النفسي لقيام دولة الاحتلال.
وبينما يعتمد الأمن القومي لكل دول العالم على توفير الإحساس بالأمن والأمان لشعوبها ، تتبنى إسرائيل سياسة تضخيم الإحساس بالخوف والقلق لدى مواطنيها ، لضمان التكتل الجماعي والوحدة في مواجهة الخطر القادم من الخارج .عقدة الخوف لدى الاسرائيليين هي التي تدفعهم دائمُا إلى الشك فى نوايا الأخر تجاههم ، ورفض أي خطوة نحو السلام الدائم.
ولم تكن عملية " طوفان الأقصى " يوم 7 أكتوبر الماضي ، مجرد معركة عسكرية فقط، لكنها ضربت فكرة الاستيطان الإسرائيلي في مقتل ، بعد " نزوح " الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج تحت وطأة الخوف من النبوءات المتوارثة عن الزوال.
ومصطلح " النزوح " ظل لصيقًا بالفلسطينيين والعرب في الأراضي المحتلة ، و لم يعتده الإسرائيليون ، الذين يعرفونه باسم " يورديم "، كمصطلح عبري يستخدم لوصف اليهود الذين يغادرون إسرائيل.
بعد هجوم " 7 أكتوبر " أعلن الجيش الإسرائيلي أن ( 500 ألف) مستوطن نزحوا داخل إسرائيل، وهم مهاجرون في الأصل، كما تم إخلاء مدينة " سديروت " بالكامل، التي تضم نحو ( 20 ألف ) مستوطن، كما تم إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان.
مشاهد دخول الإسرائيليين إلى حيز " النزوح " ، و سقوط صواريخ المقاومة في تل أبيب ، و تعطيل جلسات الكنيست وهروب أعضاؤه إلى الملاجئ ، و حرص المستوطنين على الاحتفاظ بجوازاتهم الأصلية البديلة المكتسبة ، بحكم جنسياتهم الأصلية القديمة ، أو تلك التي حصلوا عليها لاحقا لاستخدامها عند الضرورة ، كلها تكشف عن تملك الخوف من مفاصل الدولة ، ويشير إلى ما يمكن حدوثه مستقبلًا ، من تنامي الهجرة العكسية بسبب التآكل المتسارع للنظرية الأمنية الإسرائيلية.
الواضح أن " المشروع الإسرائيلي " بأبعاده الدينية التاريخية لم يعد مغريًا ، و ان عنصر جذب اليهود للهجرة لم يعد قائمًا بحكم الضغوط الأمنية والعسكرية ، و كذلك عدم اليقين في مستقبل الدولة ذاته.
وفي أعقاب وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة " بنيامين نتانياهو " التي وصفت بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل ، وضمت غلاة المتطرفين ، ارتفع عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على الجنسيات الأوروبية ، و بحسب الإحصائيات ، ارتفع إقبالهم للحصول على الجنسية الفرنسية بنسبة ( 13% ) ، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة ( 68% ) في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين.
كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة ( 10% ) لهذه الطلبات خلال الأشهر القليلة الماضية .و المتأمل بدقة لتصريحات " نتنياهو " و أعضاء حكومته ، و قادة جيش الاحتلال ، و لغة الجسد التي يستخدمونها منذ بداية العدوان الهمجي على غزة ، يكتشف مدى الاضطراب النفسى والقلق اللذين يعكسان الخوف مما هو قادم ، رغم تفوق الألة العسكرية التي لا تقارن بما تملكه كل فصائل المقاومة الفلسطينية.
والمؤكد أن أمن إسرائيل لن يتحقق بمجرد الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية، وان منطق التوسع الاستيطاني لا يتفق مع أهمية إحلال السلام ، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.