العميد صفوت الزيات: عمليات تطهير سيناء تستغرق بين 5 و10 سنوات

العميد صفوت الزيات: عمليات تطهير سيناء تستغرق بين 5 و10 سنوات
يبدو أن قدر سيناء أن تكون دوماً أرض المعارك المصرية ومفتاح غزوها على مر السنين، ولكن ما يحدث حالياً على أرضها هو حرب حقيقية، ليست كالحروب المعتادة مع دول مستعمرة وجيوش نظامية كان آخرها حرب أكتوبر مع إسرائيل، فالحرب هذه المرة ضد «عصابات إرهابية» حاولت استعمار سيناء وفصلها عن الدولة (مصر) وهى حرب لا تقل ضراوة عن حروب الدول، بل قد تكون أشد، لا يتم حسم نتائجها سريعاً.
يقول العميد صفوت الزيات -الخبير فى الشئون العسكرية والاستراتيجية فى حوار مع «الوطن»- إن هناك عدة أسباب أدت إلى وصول الوضع فى سيناء إلى هذه الحال السيئة، موضحاً أنه لا يمكن التسرع فى تقييم العمليات التى تنفذها القوات المسلحة ضد البؤر الإجرامية والعناصر المتطرفة، لأن الحرب ضد الإرهاب تستغرق وقتاً طويلاً.. وإلى نص الحوار.
* ما الأسباب التى أدت إلى تحويل سيناء إلى مستعمرة للمتطرفين والجماعات الجهادية؟
- هناك عدة عوامل متداخلة أدت إلى وصول سيناء إلى هذا الوضع، أولها الهدر السياسى لانتصار أكتوبر على إسرائيل واسترداد الأرض وعدم الاستفادة من نتائج هذا الانتصار، وأهمها توقيع اتفاقية السلام التى حجّمت وجود الجيش المصرى فى سيناء، وبالتالى فقدان السيطرة على الأوضاع بها، والعامل الثانى هو سوء الإدارة المصرية لسيناء على مدار الثلاثة عقود الماضية، خاصة تلك المتعلقة بالتنمية، حيث تم سحب التمويلات الخاصة بتنمية سيناء لصالح مشروعات أخرى مثل توشكى، علاوة على الاهتمام بتنمية جنوب سيناء دون شمالها وهو ما حول الشمال إلى مرتع للعناصر الجهادية والتكفيرية.
* وهل هناك علاقة بين ثورة 25 يناير وأوضاع سيناء الحالية خاصة فى فترة الانفلات الأمنى؟
- الثورة بريئة من سوء الأوضاع فى سيناء، لأن حالة الفساد الأمنى سبقت الثورة، خاصة فى عام 2008، حيث ظهرت تقارير استخباراتية منذ هذه الفترة تؤكد بداية الخطر فى سيناء وتحويلها إلى مركز للعناصر التكفيرية، والمشكلة أن الأمن، وخاصة أمن الدولة، تعامل بشكل يتسم بالغباء مع المجتمع السيناوى وتعمد تدمير الهيكلية المجتمعية بين بدو سيناء من خلال جر الشيوخ للعمل فى السياسة، ودفع عدداً منهم للانضمام للحزب الوطنى المنحل فى سبيل تحقيق مطالب أهل سيناء، وهو ما أفقد شيوخ القبائل السيطرة على سكان سيناء ليخرج من بينهم من يحمل الأفكار الجهادية.
* فى رأيك.. هل أخطأ الرئيس الراحل أنور السادات عند توقيعه اتفاقية السلام، خاصة فيما يتعلق بإبعاد الجيش المصرى عن سيناء؟
- نعم لأنه خلق نوعاً من الجمود والإبعاد المتعمد للمؤسسة العسكرية عن سيناء وترك شأنها فى يد رجال أمن الدولة ووزارة الداخلية، وكان على السادات أن يتمسك بوجود القوات المسلحة فى سيناء.
* ماذا عن تأثير الحدود مع غزة على انتشار المسلحين والتكفيريين فى سيناء؟
- عندما تولت السلطة الفلسطينية شئون قطاع غزة وبعدها حركة حماس بدأت عمليات التوسع فى التهريب حتى وصلت إلى الاتجار بالبشر ووصل حجم عمليات التهريب الآن إلى 500 مليون دولار وهو ما ساعد عدداً من أبناء المجتمع السيناوى على تكوين ثروات طائلة والاستقلال عن تقاليد الحياة القبلية والخروج على طاعة شيوخهم فى مسألة البُعد عن العمل مع التكفيريين وأصحاب الأفكار الجهادية.
وفى نفس الوقت الذى كانت تتضخم فيه ثروات المهربين بدأت الأفكار الجهادية تتسرب إلى سيناء مع ظهور ما يسمى بـ«الجهاد العالمى»، حيث حدث مزاج وتزاوج بين المهربين والجهاديين الذين تغلغلوا فى سيناء، خاصة مع انتشار الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة فى أواخر التسعينات من القرن الماضى وظهرت وقتها بذور الجماعات الجهادية والعناصر المسلحة الذين يحمون تجارتهم وعملهم بالسلاح؛ ليشكل الطرفان قوة كبيرة اتخذت من سيناء مركزاً أو دولة لها.
* حدثنا عن تركيبة الجهاديين المنتشرين الآن فى سيناء وطبيعة انتماءاتهم؟
- البدو بصفة عامة يتميزون بوسطية التدين، لكنّ جزءاً منهم تبنى الأفكار الجهادية وتشبعوا بها مع وصول بعض الجهاديين والتكفيريين إلى سيناء خاصة من جاءوا من محافظات الوجه البحرى ليتمركزوا فى سيناء الذين نشروا ما يسمى بـ«السلفية الجهادية»، لتنشق منها جماعات أخرى مثل التوحيد والجهاد وتنظيم القاعدة فى سيناء وعدد من التشكيلات التى جاءت من غزة مثل جيش الإسلام وجيش الأمة، وبعض عناصر ما يسمى باللجان الشعبية للمقاومة، ليحدث بينهم تمازج فكرى ويقرروا اتخاذ سيناء مركزاً لنشاطهم القائم على فكر الجهاد بسفك الدماء.
* وهل تأخرت عمليات التدخل العسكرى فى تطهير سيناء من هذه العناصر الجهادية المسلحة؟
- كانت العمليات فى سيناء تتم قبل حادث رفح الذى راح ضحيته 16 شهيداً مصرياً، على مطاردة المتسللين من غزة فقط دون صدام مباشر مع الجهاديين الموجودين فى سيناء ولكن مع وقوع حادث إيلات فى 2011 وظهور انتحاريين من البدو لأول مرة الذين شاركوا فى العملية، بدأ التفكير فى عمليات تطهير سيناء، ولكن بسبب تداعيات ثورة 25 يناير والانشغال بشكل كبير بالوضع السياسى فى الدولة، تم تأجيل الأمر.
وفى هذا التوقيت تأكد لقيادات الجيش أن الوضع بالفعل خطير فى ظل تغلغل التنظيمات الجهادية فى المجتمع السيناوى، كما أن بدو سيناء يشعرون بأنهم مواطنون درجة ثانية مع انعدام التنمية هناك.. والموجود من تنمية فى جنوب سيناء من النوع العَرَضى، حيث تعتمد على السياحة المعرّضة للتوقف فى أى لحظة مع صدور أى تحذيرات للدول المصدرة للسياحة بانعدام الأمن أو تحذيرات من انتشار عناصر مسلحة فى سيناء مما يؤدى إلى توقف التدفق السياحى لفترات طويلة.
* بعد مرور ما يقرب من شهرين على العمليات الدائرة فى سيناء هل يمكن تقييم نتائجها بالنجاح أو الفشل؟
- من الصعب تحديد مدى نجاح أو فشل العمليات فى سيناء، لعدة عوامل، أبرزها احترام مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل والتى تحدد تحركاتها فى سيناء، والعامل الثانى يتعلق بطبيعة مكافحة الإرهاب وهى عمليات ممتدة ولا يمكن لأى دولة أن تنجح فيها بشكل نهائى، والدليل على ذلك أن أمريكا فشلت حتى الآن فى إنهاء الإرهاب الموجود فى أفغانستان رغم إنفاقها مليارات الدولارات، فحركة طالبان لا تزال موجودة فى أفغانستان والقوات الأمريكية تنسحب من هناك دون تحقيق هدفها، وكذلك إنفاقها ما يقرب من 8 مليارات دولار شهرياً فى عملياتها بباكستان وما تنفقه أمريكا على قواتها فى باكستان أكثر من الإنفاق الدفاعى السنوى لمصر، لذلك علينا أن نقتنع بأننا أمام عملية طويلة فى سيناء قد تصل إلى 5 أو 10سنوات بعد أن انتشر فيها الفساد أيام النظام السابق.
وعملية محاربة الإرهاب مرهقة ومكلفة ولها عقائد فى ممارستها وأدوات لتنفيذها تستخدم فيها أسلحة تكنولوجية حديثة ومتطورة.
العامل الثالث الذى يحكم العمليات فى سيناء هو صناعة السياحة، حيث تعمل القوات فى محاربة الإرهابيين بشكل لا يضر بالسياحة ولا ينقل إحساساً للسائحين الموجودين فى سيناء أن الأمر خطير، وأن هناك حرباً حقيقية، وأيضاً تتعمد القوات عدم الانخراط فى العنف حتى لا تخسر البدو من سكان سيناء وتكسبهم فى صفها، وليس كما يفعل بشار الأسد فى سوريا حالياً بقصفه مناطق سكنية كاملة مما خلق رفضاً عاماً لسكان سوريا ضد سياساته.
* وهل نراعى هذه المحددات فى عمليات القوات فى سيناء؟
- بالطبع تتم مراعاتها ولكن علينا نشر هذه الثقافة بين الشعب المصرى حتى لا يستعجل النتائج ويمارس ضغوطاً بشكل أو بآخر على الجيش، فهذه المحددات تفرض على القوات فترة طويلة من العمل لمكافحة الإرهاب فى سيناء، ونحن لا نملك عصا سحرية أو الأدوات التقنية الحديثة لإنهاء المهمة فى أسرع وقت، وعلينا أن نتعاون مع قواعد الاستخبارات الداخلية ومع الدول الأخرى مثل أمريكا وفلسطين، وحتى إسرائيل، وتبادل المعلومات لسرعة السيطرة على الوضع وضمان نجاح العمليات. وأريد أن أقول إنه ليست هناك مقاييس للنجاح أو الفشل، ولكن الأهم هو وجود الإرادة التى تعوض نقص الأدوات الحديثة لمحاربة الإرهاب.
* وماذا عن المستقبل المحتمل لسيناء فى ظل الأحداث التى تشهدها حالياً؟
- لا بد أن ندرك أن التفكير فى تنمية سيناء خلال الفترة المقبلة وضمان مستقبل أفضل لها يرتبط باحترام اتفاقية السلام مع الجانب الإسرائيلى، خاصة أن ضمان حالة السلام سيتيح لمصر تطهير سيناء بالفعل من العناصر الإرهابية حتى ولو على فترات طويلة، وعلينا أن ندرك أن إسرائيل ليست لها أطماع فى سيناء وأن الجدار العازل الذى تقوم بإنشائه على الحدود سيوفر على مصر مجهودات كبيرة فى مواجهة المتسللين. ولكن علينا أن نقنع الجانب الإسرائيلى من خلال مائدة الحوار، ولا مانع من وجود وساطة أمريكية، بضرورة نشر القوات المسلحة المصرية فى سيناء لأن هذا الأمر يصب فى مصلحة الجانبين، وعلينا أيضاًً أن نكون أكثر صراحة مع الجانب الفلسطينى فيما يتعلق بالأنفاق وأن يعمل الجانب الفلسطينى على التعاون فى غلقها تماماً.
أخبار متعلقة:
صناعة الفشل باسم «المشروع القومى» و«الجهاز الوطنى»
سيناء المجنى عليها
«وادى النصب» أول نقطة تتنفس الحرية فى الجنوب
العميد صفوت الزيات: عمليات تطهير سيناء تستغرق بين 5 و10 سنوات
«حازم المصرى» الارتباط موجود بيننا وبين تنظيمات غزة.. ولا نعترف بالحدود
«تدويل سيناء».. محاولة إسرائيلية للضغط على مصر
سيناء.. للتدهور أسبابه
القرش وكبريت وبورتوفيق أماكن شاهدة على بطولات الجندى المصرى
مسعد أبوفجر: «حماس» أخطر على سيناء من إسرائيل
بضائع وسيارات وأسلحة وأفراد وأموال.. إمبراطورية «الأنفاق» أقوى من الدولة
من «البندقية» إلى «الدوشكا».. 4 خطوط لتهريب السلاح
خريزة.. مجاهدون فى عشش صفيح وعملاء فى سيارات فارهة
خبراء و«ثوار» فى ندوة «الوطن» يجيبون عن السؤال الصعب: هل ضاعت سيناء؟
سيناء ما بين التهميش والبيع
رأس العش معركة العزة وعودة الروح