أعظم ما فى مكة الحرم المكى والكعبة المشرفة، وأجمل ما فيها منظر الحجاج أو المعتمرين وهم بالملايين يتوافدون قبل كل صلاة بوقت طويل إلى الحرم أو يخرجون منه، ويملأون الشوارع حول الحرم فى الحالتين. قد يستغرق خروج المعتمرين والحجاج والمصلين من المسجد الحرام إلى الشوارع الجانبية حول الحرم المكى أكثر من ساعة، يخرجون أفواجاً وراء أفواج، ثم يعودون بعدها بسويعات، أما الأغلبية فتمكث فى المسجد الحرام اليوم كله حسب طاقة وعمر كل منهم.
ترى الحجاج فى مواسم الحج والعمرات فى كل شارع فى مكة، مكة كلها فنادق تقريباً، وعند كل فندق ترى عشرات الباصات وفيها وبجوارها المئات وأحياناً الآلاف من وفود الرحمن. مكة تفقد رونقها وجمالها إذا خلت من وفود الرحمن، قال لى معظم الذين يعملون فى مكة إنها كانت موحشة مقفرة أيام كورونا، الحجاج والمعتمرون هم حياة مكة، هم الأكسجين الذى يسير فى شرايينها. أيام كورونا كانت ظلاماً على مكة، كاد الحرم أن يبكى من قلة الطائفيين والعاكفين والركع السجود، تعطلت الحياة الدينية ومعها الاقتصادية والاجتماعية، كل شىء توقف فى مكة أيام كورونا، وفود الرحمن هى التى تعطى مكة قوتها وبهجتها وتجدد شبابها وتضخ الحياة فى شرايينها.
الأعوام التى تلت كورونا كانت الأكثر بهاءً وازدحاماً وحيوية، عادت مكة لقوتها وحيويتها، وتدفق المشاعر الإيمانية فيها. الشوق إلى مكة كاد أن يقتل العُبَّاد فى فترة كورونا، لم ينقطع الطواف بالبيت العتيق أبداً إلا فى حالات نادرة، قلّ فى زمن كورونا جداً ولكنه لم يتوقف، كان البيت الحرام يشتاق إلى عماره، وكان الصالحون يتحرقون شوقاً لانتهاء المحنة والعودة إلى الكعبة المشرفة.
تجولت مراراً فى مكة المكرمة لم أجد فيها مطباً عشوائياً واحداً، لم أجد حفرة، لم أجد بالوعة مجارٍ مرتفعة عن الشارع، أو منخفضة عنها لتصنع مطباً، مهما مكثت فى مكة فإنك ستتوه فى الاستدلال على طرقاتها خارج الحرام وبعيداً عنه. اللون الأبيض الذى يرتديه الحجاج والمعتمرون هو سيد الموقف، هناك كل الأجناس والأعراق والألوان واللغات، والطباع، ولكن الإسلام صهرهم فى بوتقة واحدة، أحبوا بعضهم، تجد النيجيرى يقدم الطعام للمصرى، وتجد التركى يجلس بجوار المصرى وإلى جوارهما الآسيوى، الماليزى والإندونيسى وبلاد جنوب الاتحاد السوفيتى، كلهم لا شأن لهم بالخلافات العرقية أو السياسية، وحدهم الإيمان والتوحيد، جمعتهم الكعبة المشرفة.
جميع الألوان والأجناس والأعراق واللغات تتحابّ وتترابط برباط الإيمان فى الحرم المكى، الملايين فى مكان لا يسعها، دون أن تحدث بينهم مشادة واحدة، أو ترتفع أصواتهم، كلهم يؤثر الآخر على نفسه. فى الحرم لا تحمل همَّ شىء، الطعام يوزع على الجميع، قبل أذان المغرب ومعه القهوة السعودية، زجاجات المياه توزع خارج الحرم بالآلاف، أما ماء زمزم فهو فى كل مكان فى الحرم وهو طعام وشراب ودواء «فماء زمزم لما شُرب له».
من أراد أن يعرف الإسلام بحق فليعرفه من خلال المسجد الحرام، ومن أراد أن يرى بلاد المسلمين ويسعد بقوة الإسلام فمن خلال الحرم المكى، بركة المسجد الحرام لا تحدها بركة، فخمس صلوات فقط فى المسجد الحرام تعدل أجر أكثر من 277 سنة فى بلدك. ما هذا الفضل العظيم، يوم تصليه فى الحرم المكى يعادل أجر كل هذه السنوات، إنه الكرم الربانى والجود الإلهى والفضل العظيم من الرب الكريم. تحية للحجاج والمعتمرين، والدعاء لهم جميعاً بالتوفيق والسداد فى أداء المناسك، وكل عام وأنتم بخير.