فى خضم التوترات الأمنية والسياسية المتصاعدة فى إسرائيل، كشف وزير الأمن القومى الإسرائيلى، إيتمار بن جفير، فى 30 أبريل الماضى، عن خلافات حادة داخل الحكومة. وهدد «بن جفير»، فى تدوينة له عبر منصة (X)، بالاستقالة من الحكومة إذا لم تتحقق مطالبه، ما يهدد بانهيار الائتلاف الحكومى برئاسة بنيامين نتنياهو.
فى لقاء مغلق، بناء على طلب «بن جفير»، التقى «نتنياهو» وزير الأمن القومى الإسرائيلى، الذى طالب بضمانات واضحة من «نتنياهو» لتنفيذ عملية عسكرية فى رفح، وبأن لا يُنهى الحرب الحالية، وأن لا ينجر لإبرام صفقة مشوشة.
وأعرب «بن جفير» عن مخاوفه من أن تتوصل الحكومة إلى صفقة يعتبرها «مشوشة أو مهينة» لإسرائيل، قال: إن «نتنياهو» يفهم ما سيعنيه عدم حدوث هذه الأشياء، فى إشارة ضمنية فسرتها وسائل الإعلام فى إسرائيل بأنها تهديد بالاستقالة من الحكومة، وهو ما قد يؤدى إلى انهيارها.
وأشار «نتنياهو» إلى أن العمليات العسكرية ستستمر حتى يتم تحقيق «الانتصار المطلق» للإسرائيليين، ولن يتم التراجع تحت أى ضغط دولى أو إقليمى.
قبلها وفى 8 أبريل، هدد «بن جفير» أيضاً «نتنياهو» بقوله: «لن تستمر فى منصبك ما لم تهاجم رفح»، وأكد، فى إنذار صريح كتبه على منصة (x)، أنه إذا قرر رئيس الحكومة إنهاء الحرب دون شن هجوم واسع النطاق على رفح لهزيمة «حماس» فلن يكون لديه تفويض لمواصلة عمله كرئيس للحكومة.
تصاعد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية أدّى إلى زعزعة استقرارها، خاصة إذا نفذ «بن جفير» تهديداته بالاستقالة، حتماً ستنهار الحكومة.
جاءت هذه التصريحات فى وقت حرج تابع فيه العالم الأخبار عن انفراجة حقيقية فى المفاوضات بين الأطراف بجهود مصرية - أمريكية، بقرب التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه الإفراج عن الأسرى بين الطرفين، حتى إن الإعلام الإسرائيلى قام بتسريب المبادئ العامة لهذا الاتفاق.
السؤال هنا: من أين جاء «نتنياهو» بهذه التعهدات التى قدّمها لـ«بن جفير» والتى تتضمن عزمه عدم إبرام الصفقة؟!
هنا يكتمل المشهد، «نتنياهو» يضع سيناريوهات معدة مسبقاً ستكون هى الحجة فى الداخل الإسرائيلى بأن «مصر هى من أفشلت الاتفاق، وتلاعبت فى مسودته»، فيكون بذلك قد أرضى اليمين المتطرف، وغسل يده أمام الجماهير المطالبة بصفقة لإخراج المحتجزين لدى الفصائل.
أما آليات تنفيذ ذلك فستكون عبر طرق مختلفة.. كان أحدها تقرير الـ«سى إن إن» وليس من الداخل الإسرائيلى لتتناقله وسائل الإعلام فى الداخل كلما اشتدّت التظاهرات المطالبة بإبرام صفقة والإفراج عن المحتجزين لدى الفصائل ليبدو أن إفساد الأمر ليس بيد الحكومة وإنما الأطراف الأخرى.
فى نهاية المطاف، ظهر جلياً أن النزاع حول العمليات العسكرية فى رفح، أو إنهاء الحرب، أو إبرام صفقة، سيعرض الحكومة الإسرائيلية للانهيار، ومع قرب نجاح مصر فى إبرام اتفاقية لوقف الحرب، استطاعت فيها ممارسة ضغوط حقيقية على «نتنياهو» لإبرام التوقيع وفق الصيغة المصرية، وهو ما قد حدث، ثم ممارسة دورها مع الفصائل لإقناعهم بقبول التوقيع.
بدا أن «نتنياهو» فى مأزق شديد، فكان لا بد أن يكون هناك سيناريو مزعوم، تتم صياغته فى «تل أبيب»، وهو أن مصر بدّلت فى بنود الصياغة، وأنّها عدّلت عليها، فى محاولة رخيصة للتحلل من الاستمرار فى الالتزامات المنصوص عليها فى الصيغة المصرية، بعدما وضعت الفصائل الفلسطينية إسرائيل فى مأزق، لمّا وافقت على الصيغة المصرية لوقف إطلاق النار.
الأمر على النحو السابق تسبب فى مزيد من توتر العلاقات بين إسرائيل ومصر، حتى إن مصر هددت فى تصريح هو الأخطر من نوعه منذ 7 أكتوبر قالت فيه: «إن مصر لن يمنعها احترامها لاتفاقية كامب ديفيد من استخدام جميع السيناريوهات الممكنة للحفاظ على أمنها القومى والحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى».
هذا الموقف أظهر براعة الدور المصرى، الذى لم يكن أمام الإسرائيليين فى مواجهته إلا اختلاق قصص وهمية ومزعومة نشرتها «سى إن إن» نيابة عن الحكومة الإسرائيلية للإفلات من تعهداتها.