لا يزعجنى فى شهر رمضان الحالى أكثر من جملة «بعد إذن المجتمع، المسلسل أو النجم الفلانى حلو».. وبصراحة لا أفهم لماذا تستأذن المجتمع قبل الإدلاء برأيك فى مسلسل أو برنامج أو إعلان معين.. أنت حر ما لم تضر.. المجتمع من حقه أن يحترم رأيك، كما تحترم أنت آراء الآخرين، ومن وجهة نظرى أن البعض يستخدم هذه الجملة كإجراء احترازى قبل نشر رأيه فى عمل لا يحظى برضا وقبول جماهيرى كبير، وكأنه يعطى لنفسه مبرراً مسبقاً على سيل الانتقادات والتعليقات السلبية التى ستنال منه بمجرد نشر «البوست أو التويتة».
المشكلة الأكبر التى أعانى منها مع أصحاب جملة «بعد إذن المجتمع» أن رأيهم فى معظم الوقت يكون مجرداً من الشرح والتوضيح، يقتصر على كلمات من نوعية «حلو، جميل، عاجبنى، عظمة».. دون أن يوضح لنا أسباب هذه العظمة أو الشىء المتميز فى العمل أو النجم الذى يمدحه، وفى أغلب الظن أن أصحاب مقولة «بعد إذن المجتمع» لا يشاهدون التليفزيون والمسلسلات أساساً، والإدلاء برأيهم فى الأعمال الرمضانية يكون من قبيل المشاركة الوجدانية أو المجاملة طمعاً فى تعليق حلو من بطل المسلسل أو أحد صناعه، والدليل على ذلك أن رأيه يكون مصحوباً بـ«تاج أو منشن» لأبطال وصناع العمل، وكأنه يقول لهم: «بصوا أنا كاتب عنكم إيه؟».
أتمنى أن ندرك جميعاً أننا نعيش فى مجتمع قوامه ١٠٠ مليون نسمة، لكل فرد ثقافته وعاداته وتقاليده وطقوسه، ولذلك من الطبيعى أن يحظى عمل بإعجاب فئة من الناس ولا ينال رضا واستحسان فئة أخرى، هناك مسلسلات فى رأيك دون المستوى وغير ذات قيمة فنية، وهى فى الوقت نفسه مسلسلات واقعية وجميلة ومسلية عند شريحة وطبقة اجتماعية أخرى.. هناك من يرى الممثل الفلانى نجمه المفضل، وهناك من لا يتحمل مشاهدة الممثل نفسه على الشاشة ولو حتى فى مشهد صامت.. إن أدركنا هذه القاعدة جيداً سنرتاح جميعاً ولن نكون فى حاجة للجان إلكترونية تمجد فى عمل وتخسف الأرض بعمل آخر، ولن نصرف الملايين على شراء تريندات مزيفة، ولن يتهافت النجوم كل يوم بعد الإفطار على نشر «سكرين شوت» من تصدرهم لقائمة التريند على مواقع التواصل الاجتماعى.
وبالمناسبة أتمنى أن تفكر الحكومة المصرية فى المستقبل القريب بتطبيق نظام «الراتينج» المعمول به فى عدد من دول العالم ومنها تركيا، وذلك للحصول على تقدير دقيق لقياس نسب المشاهدة على الأعمال التليفزيونية، ويتم حساب «الراتينج» عن طريق وضع أجهزة قياس على أجهزة التليفزيون، عددها نحو 2200 جهار يتم وضعها عشوائياً فى منازل طبقات اجتماعية مختلفة، وهذه الأجهزة تعطى إشارات عند فتح التليفزيون وهو ما يمكن الجهة المسئولة عن «الراتينج» من معرفة المواد التليفزيونية الأكثر مشاهدة على القنوات المختلفة.
ختاماً.. قال تعالى فى كتابه الكريم فى الآية 118 من سورة هود «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، ولذلك من فضلك إن كنت واثقاً من رأيك بخصوص نجم أو عمل معين، لا تتردد فى التصريح به علانية دون أن تستأذن أحداً، لسبب بسيط وهو أننا نعيش فى مجتمع لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب.. وعلى رأى المثل «ربنا لما وزع الأرزاق محدش عجبه رزقه.. ولما وزع العقول كل واحد عجبه عقله ودماغه وتفكيره وبالتالى رأيه».