يزخر التراث المصرى بعدد من الأمثال الشعبية البليغة والبديعة، ومنها «ابنى على كتفى وأروح أدور عليه»، ويعنى باختصار أنه أحياناً ما تحتاجه يكون بين يديك، لكنك تذهب بعيداً لتبحث عنه.. وللأسف مع مرور الوقت تحول هذا المثل الشهير إلى ثقافة تحكم معظم جهات العمل فى مصر.. ثقافة البحث عن الكفاءات فى كل مكان ما عدا أبناء مكان العمل نفسه.. وبصراحة لا أعلم لماذا تخشى بعض المؤسسات الاعتماد على أبنائها ومنحهم ما يحتاجونه من تدريب وإمكانات وثقة لتحمل المسئولية بدلاً من البحث عن بديل جاهز من شركة أو مؤسسة أخرى.. ابن الشركة يمتلك صفة يفتقدها غيره مهما وصلت به درجة العلم أو الكفاءة وهى الانتماء أو بالبلدى حب المكان الذى كبر فيه والمستعد أن يعمل من أجله أى شىء.
ماذا تنتظر من عاملك أو موظفك إذا لم يجد منك التقدير الذى يستحقه مادياً ومعنوياً؟.. ولماذا تغضب منه إذا تركك فى تلك الحالة وذهب للعمل فى مكان آخر؟.. ولماذا عندما ينجح فى المكان الآخر تهلث خلفه مرة أخرى ليعود للعمل معك وفقاً لشروطه؟
بنفس المنطق تجد صاحب ورشة يعمل عنده صبى صغير، المتعارف عليه فى الأوساط الشعبية بلقب «بلية».. الصبى بلية يعرف كل أسرار الورشة ومن الممكن يعمل بها يومين كاملين متواصلين بدون راحة ولا نوم لمجرد أنه يحب المكان الذى تبناه ورعاه وكبر فيه و«بياكل منه عيش»، ومع ذلك تجد صاحب الورشة فى أقرب فرصة تتاح له لزيادة حجم العمل، يستعين بصبى آخر من ورشة أخرى ويجعله أسطى ومعلماً على الصبى بلية ابن الورشة الأساسى، فى رسالة واضحة له أنك بلية وستظل طول عمرك بلية، الصبى الصغير الذى دخل الورشة ولم يكن يعلم عن المهنة أو الكار أى شىء.. وكأن بلية ليس من حقه أن يكبر ويترقى ويتدرج فى مناصب الورشة، وهو ما يغذى روح الدونية عند بلية فيما بعد ويجعله يعمل بدون نفس ويكره الورشة وصاحب الورشة ويحاول أن يبحث لنفسه عن فرصة فى مكان آخر.
كرة القدم هى الأخرى ليست بعيدة عن مبدأ «ابنى على كتفى وأروح أدور عليه»، ومن المؤكد أنك سمعت عن قرار مجلس إدارة الزمالك بإيقاف الثلاثى أحمد فتوح ومحمد صبحى ومصطفى الزنارى وإحالتهم للتحقيق وعرضهم للبيع، وقبل ما خيالك يروح لبعيد لست هنا بصدد الدفاع عن الخطأ، ولا تبرير موقف، ولا انتقاد قرار.. الموضوع شأن داخلى يخص نادى الزمالك ومجلس إدارته الجديد، ولكن تخيل ابنك أخطأ فى تصرف ما، ومهما كانت درجة بشاعته، فهل سيكون قرارك وقتها هو منعه وحرمانه من دخول البيت نهائياً، أم ترويضه ومعاقبته بشكل لا يسمح له بتكرار الخطأ مرة أخرى؟
أتمنى أن تنظر إدارة الزمالك للاعبين المعاقبين بعين الأب، وتمنحهم فرصة أخرى للتعبير عن حبهم وانتمائهم للنادى وإبداء أسفهم على الموقف الأخير.. أتمنى ألا يكرر أحمد فتوح نفس خطأ رمضان صبحى، ويستمر مع الفريق وألا يغالى فى طلباته وشروطه المادية ويبرهن عملياً أنه فعلاً ابن النادى، كما أتمنى أن تدرك إدارة الزمالك وإدارات باقى الأندية أن ابن النادى يجب أن يعامل بشكل مختلف عن أى لاعب آخر، ويجب أن تشعره بالتقدير الذى يستحقه، خاصة إن كان مستواه يفوق اللاعبين المحترفين الذين ندفع لهم ملايين الدولارات على الفاضى.
ختاماً أتمنى أن ندرك جميعاً أنه لا يوجد بيننا شخص معصوم من الخطأ.. الكل يخطئ ويصيب ولكن للأسف بدأت أشعر خلال الفترة الأخيرة أن هناك حالة تربص بأى شخص يخطئ فى كلمة أو تصرف، وكأننا بالعامية المصرية «واقفين له على الواحدة ومنتظرين اللحظة اللى هيغلط فيها».. أتمنى أن ندرك جميعاً أننا بشر ولسنا ملائكة.. لو لم نخطئ اليوم سنخطئ غداً، وبالتالى «اعمل حساب» دائماً لهذا اليوم الذى ستحتاج فيه عندما تخطئ لمن يدعمك ويساندك بدلاً من أن ينهش فى لحمك ويشهر بك ويعلق لك المشانق، كما تفعل أنت معه الآن.