يقود الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بلاده بخطوات سريعة نحو الانهيار، بعد أن أدخلتها سياساته العدائية داخلياً وتدخلاته العسكرية خارجياً نفقاً مظلماً ربما لن تخرج منه دون ثمن غالٍ يدفعه شعبها، الذى يبدو أنه على شفا ثورة جياع بسبب الأوضاع الاقتصادية التى تواصل تدنيها يوماً بعد يوم، الأمر الذى أدى إلى تراجع شعبيته وشعبية حزبه بشكل غير مسبوق، وباتت أيام حكمه تبدو معدودة وفقاً لكثير من استطلاعات الرأى التى أشارت آخرها إلى أن مكانة حزبه انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ 19 عاماً، وباتت تحوم حول 30% فقط، وهو ما يشير إلى أن تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية سوف يفشل فى تأمين حصول أردوغان على نسبة 50% من الأصوات اللازمة للفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023. خاصة أن استطلاع رأى آخر أظهرت نتائجه أن غالبية مؤيدى أردوغان و63% من المستطلعين بشكل عام يعتقدون أن تركيا تمضى قدماً فى اتجاه أسوأ وليس أفضل، خاصة أن هذه الأزمات تأتى فى الوقت الذى يوشك فيه أردوغان على خسارة حليف قوى وهو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ظل توقعات بأن تكون إدارة بايدن أكثر صرامة معه ومع سياساته.
هذا ليس رأيى ولا تقديرى وإنما خلاصة ما ذهبت إليه جريدة نيويورك تايمز الأمريكية العريقة فى تقرير مطول نُشر الأسبوع الماضى لمراسلتها ومديرة مكتبها فى إسطنبول «كارلوتا جال» التى قالت فى تقريرها إن التدهور الاقتصادى فى تركيا جاء بعد أن شدد أردوغان قبضته على البلاد، بما فى ذلك الاقتصاد من خلال الحصول على سلطات جديدة غير مسبوقة فى ظل نظام رئاسى جديد تم تدشينه فى عام 2018، معتبرة أن الوضع يمثل اختباراً حقيقياً للرئيس التركى نظراً لأن الاقتصاد متهالك بشدة بالأساس، مشيرة إلى أن الشعب التركى أصبح يجد صعوبة فى شراء المواد الغذائية وأنهم قد بدأوا فى الاستياء من زعيمهم بعد كثرة الدلائل التى تشير إلى أن جزءاً كبيراً من السكان طغت عليه الديون ويزداد جوعاً وفقراً يوماً بعد يوم.
ما ذكرته «نيويورك تايمز» ليس جديداً من نوعه وليس مفاجئاً أو مستغرباً، فبالعودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً فى فبراير 2017 كان المجلس الأوروبى، أعلى هيئة أوروبية تهتم بحقوق الإنسان، قد حذر من أن تركيا تمضى بخطوات ثابتة «فى مسار خطير» فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، وقتها أصدر المجلس تقريراً ضخماً قبل أيام من الاستفتاء على تغيير النظام السياسى فى تركيا إلى نظام رئاسى يؤدى إلى فقدان حرية وسائل الإعلام وحرية التعبير فى تركيا التى وصفها التقرير بأنها بلغت «حداً خطيراً» بعد إعلان الدولة حالة الطوارئ، عقب محاولة الانقلاب المسرحى الفاشل. وحتى اللحظة لا يزال سجل حقوق الإنسان فى تركيا فى هبوط مستمر يكاد أن يصل إلى أدنى المراتب الدولية، بعد أن قبع فى قاع المراتب الإقليمية، فى ظل استمرار الانتهاكات الممنهجة لجميع حقوق المواطن التركى على أيدى السلطات التركية، فلا يكاد يخلو تقرير واحد من تقارير المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية برصد حالة حقوق الإنسان فى العالم من إدانة واضحة للممارسات القمعية التى تقوم بها السلطات التركية فى حق مواطنيها، وكذلك الحال فيما يتعلق بالإنتاج البحثى لمراكز الدراسات والبحوث المعنية بالحقوق والحريات التى تطرقت فى كثير من دراساتها إلى الوضع غير المسبوق الذى وصلت إليه تركيا تحت حكم أردوغان، الذى حوّلها إلى أكبر سجن مفتوح فى العالم.
من آخر هذه التقارير كان ما أصدرته «مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان» بالقاهرة قبل أيام حول تصاعد حوادث العنف ضد المرأة فى تركيا، والذى كشف عن ارتفاع كبير فى عدد ضحايا العنف الأسرى، وفقاً للأرقام المعلنة من وزارة الداخلية التركية التى أكدت أن أكثر من مليون حادث عنف ضد المرأة قد وقعت بين عامَى 2014 و2019، مما أدى إلى وفاة 1890 امرأة، وأرجع التقرير ارتفاع ضحايا العنف الأسرى فى تركيا لأسباب عدة أبرزها التغاضى عن الخطابات المعادية للمرأة والتى تكرس لمزيد من العنف ضدها.
والخلاصة هنا أن تركيا التى ظلت تنتظر لأكثر من عقد من الزمن لكى تنتمى إلى الأسرة الأوروبية ويمارس فيها المواطنون حقوقهم الديمقراطية والسياسية والإعلامية بكل حرية باتت اليوم أكبر سجن للحريات فى العالم، وهذا ما أكدته كل التقارير الحقوقية الصادرة عن أكبر المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية التى أكدت فى آخر تقاريرها أن انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال مستمرة بشكل منهجى فى تركيا، حيث تُقمع المعارضة بلا هوادة، وكان من بين المستهدفين صحفيون وناشطون سياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، كما استمر الإبلاغ عن وقوع حالات تعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، كما ظلت العيوب تشوب تنفيذ «اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة»، بعد أكثر من سبعة أعوام من تصديق تركيا عليها، وظلت البلاغات عن وقوع حالات عنف ضد النساء فى تزايد مطرد.
هذا التردى فى الحقوق والحريات وضع تركيا فى أدنى مرتبة بالنسبة لحقوق المرأة، فوفقاً لمؤشر معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن (GIWPS) للعام 2019-2020 فإن تركيا جاءت فى مرتبة متدنية للغاية فى مجال حقوق المرأة، بعد أن احتلت المرتبة 114 من بين 167 دولة تضمنها التقرير، بعد أن كانت تحتل المرتبة 105 فى تقرير عام 2017-2018، وهذا ما يعنى أن مقولة أردوغان الشهيرة «لا يمكنكم المساواة بين الرجل والمرأة، هذا مخالف للفطرة البشرية» تحولت من رأى شخص لا يؤمن بالمساواة بين الجنسين إلى سياسة دولة فى عهده تحتقر المرأة ولا تحترمها ولا تسعى لضمان حقوقها.