اللهم إني صائم.. ميدان «العباسية»: امتحانات وفوانيس وقتال على ركوب الميكروباص.. «اللى يطول له رصيف يبقى نجا»
زحام لا ينقطع بالقرب من جامعة عين شمس
حركة لا تنقطع، وزحام فى كافة أرجاء ميدان العباسية لم يتأثر بارتفاع درجات الحرارة وأوقات الصيام، لما يضمه ذلك الميدان الحيوى من جامعة عين شمس وطلابها، والمصالح الحكومية، والأحوال المدنية، وموقف أوتوبيسات النقل العام، بالإضافة إلى المواقف العشوائية لسيارات الميكروباص، ليتشابه ميدان العباسية ظهراً خلال رمضان إلى حد كبير عما كان عليه قبل الشهر الكريم.
«الأسئلة كلها جت صعبة أوى ومش فاهمينها».. «والله يا بنتى أنا أول مرة أشوف الأسئلة دى».. «حرام يعملوا فينا كده فى رمضان».. «حليت كويس الحمد لله».. جمل ترددت كثيراً على ألسنة طلاب جامعة عين شمس بمختلف كلياتها عقب الانتهاء من أداء أحد امتحانات نهاية العام، اختلفت مشاعرهم؛ منهم الحزين بسبب صعوبة الامتحان، ومنهم الراضى عن مستواه، بعض من هؤلاء وقفوا على سور الجامعة من الخارج يُراجعون مع زملائهم الأسئلة بأجوبتها، وآخرون ظهرت عليهم ملامح الحزن وسارعوا إلى مغادرة الجامعة واستقلال أقرب وسيلة مواصلات تنقلهم إلى منزلهم، حاملين فى أيديهم الأقلام والملازم الورقية.
الطلاب يضعون الكتب والملازم فوق رؤوسهم لحمايتهم من حرارة الشمس.. وبائعو الساعات والشرابات والنظارات "تحت الشماسى"
وأسفل كوبرى المُشاة المقابل للجامعة بشارع الخليفة المأمون، وقفت إحدى الطالبات تستظل به من أشعة الشمس الحارة، لتتحدث إلى والدتها فى الهاتف لتطمئنها على ما فعلته فى الامتحان، قائلة: «اطمنى يا ماما الامتحان جه كويس، المهم اللى جاى»، فيما اكتفى طلاب آخرون بوضع الكتب والملازم فوق رؤوسهم تخفيفاً من حرارة الشمس، ليزدحم ميدان العباسية فى ذلك التوقيت، وتحديداً فى الثانية عشرة ظهراً، بطلاب الجامعة.
«مسكن يلا مسكن.. نفرين مسكن».. «روكسى ومصر الجديدة».. تتعالى أصوات التباعين وسائقى الميكروباصات الموجودين بميدان العباسية وتحديداً على ناصية شارع الخليفة المأمون، تلك الناصية التى أصبحت موقفاً عشوائياً بمرور السنوات، يتسارعون فيما بينهم من أجل تحميل أكبر عدد من الركاب قبل تحرك الميكروباص خوفاً من مجىء رجل المرور بالميدان، مُشادات كثيرة لا تنقطع بين السائقين وبعضهم بسبب الخلاف على الدور فى التحميل، على الرغم من كثرة المواطنين فى تلك الفترة من اليوم بالميدان، وهو توقيت مغادرة طلاب الجامعة، ذلك المشهد يكون سبباً من ضمن أسباب عديدة للتكدس المرورى الشديد فى ميدان العباسية، ووسط ذلك يبحث المواطنون عن الأماكن البعيدة عن أشعة الشمس للوقوف بها فى انتظار وصول الأوتوبيس أو الميكروباص الذى سينقلهم إلى منازلهم.
التكدس المرورى فى المنطقة يبدأ مع خروج طلاب جامعة عين شمس
وعلى بعد أمتار قليلة أسفل كوبرى العباسية هناك موقف لسيارات الميكروباص من نوع مختلف، وبسبب قلة سيارات الميكروباص بالموقف وقف العشرات من المواطنين فى طوابير انتظاراً لوصول الميكروباص، كشكل من أشكال التنظيم لتجنب نشوب مشادات بين المواطنين، بعض هؤلاء يظل واقفاً فى دوره وآخرون من كبار السن يحجزون دورهم ثم يجلسون بالقرب من الطابور، يتحول الوضع بشكل كبير عند سماع المواطنين لنداءات «مطرية» أو «السيدة عائشة»، حيث يقوم وقتها الجميع بالإسراع والهجوم على الميكروباص، مع تدافع شديد فيما بينهم على أمل اللحاق بكرسى داخله، وفى الموقف الخاص بأوتوبيسات النقل العام جلس المواطنون على المقاعد الأسمنتية المخصصة للانتظار.
وأمام أبراج الملتقى بميدان العباسية والتى بها مكتب التأمينات والمعاشات بالإضافة إلى السجل المدنى، كان هناك ازدحام من نوع آخر حيث العشرات من المواطنين من مختلف مناطق العاصمة، جاءوا من أجل إنهاء مصالحهم، منهم من يحمل فى يديه حافظة مستندات، وآخر يُسرع من أجل اللحاق بالموظفين قبل مغادرتهم للمكاتب، وسيدة تقف ضمن آخرين أمام مكاتب تصوير المستندات المنتشرة بالأبراج تحصل على نسخ من بطاقتها لتقديمها مرفقة مع أوراقها، فيما يقف البعض فى الأسفل منتظرين انتهاء ذويهم من مصالحهم، وأمام مكتب التأمينات والمعاشات جلس رجل مسن يستند بظهره إلى الحائط خلف فرشته التى يبيع فيها أقلاماً وأظرفاً وحافظات بلاستيكية وغيرهم من احتياجات المواطنين فى تلك المنطقة، يبدأ ذلك المسن يومياً فى تجهيز فرشته يومياً فى الثامنة صباحاً ويستمر حتى انصراف الموظفين من عملهم.
وأمام تلك الأبراج يقف الكثير من الباعة الجائلين من بائعى الساعات والشرابات ونظارات الشمس والأحزمة والملابس المختلفة، كل منهم يجلس أسفل شمسية تحميه من أشعة الشمس، لا ينتهون من فصال الزبائن التى تريد أن تشترى ما تحتاجه بأقل سعر، أحدهم يمسك بين يديه المصحف يقرأ آيات من القرآن الكريم، وآخر ينظف بضاعته من الأتربة، كما انتشرت فى الميدان السيارات المتنقلة المكيفة لعدد من شبكات الاتصالات الشهيرة لخدمة عملائهم والتسهيل عليهم.
وبالقرب من محطة العباسية لمترو الأنفاق، ترتفع أصوات بائعى الفاكهة على مدخل السوق هناك، مرددين: «تعالى هنا بـ8 جنيه الموز.. و7 جنيه ونص الخوخ يا ريس»، ينتظرون إقبال المواطنين والذى انخفض بشكل كبير نتيجة درجات الحرارة المرتفعة مع الصيام، وعلى بعد عدة أمتار منهم كانت مكبرات الصوت لأحد بائعى اللحوم المجمدة فى الشارع تُذيع عبارات مسجلة «كيلو اللحمة بـ70 جنيه، والكبدة بـ40 جنيه».
لم يخل ميدان العباسية من بائعى فوانيس رمضان، حيث كانت هناك فرشة كبيرة لبيع الفوانيس بمختلف أنواعها وأحجامها، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من أنواع الزينة، وكان الإقبال عليها قليلاً للغاية بطبيعة الحال فى النصف الثانى من الشهر الكريم، وبجوار تلك الفرشة كانت هناك مائدة رحمن كبيرة حصلت على حيز من الشارع، تنتظر اقتراب موعد الإفطار حتى يتم إعدادها.