شباب وفتيات علي كورنيش النيل وداخل البواخر..أما الثورة فلها رب يحميها

كتب: محمد على زيدان:

شباب وفتيات علي كورنيش النيل وداخل البواخر..أما الثورة فلها رب يحميها

شباب وفتيات علي كورنيش النيل وداخل البواخر..أما الثورة فلها رب يحميها

وتيرة الاشتباكات تتصاعد بين قوات الأمن والمتظاهرين فى محيط السفارة الأمريكية، على مقربة من الاشتباكات، بامتداد كورنيش النيل، تمتد صفحة المياه لامعة، شاهدة على تلاحق الأحداث، تحمل على سطحها السفن، وعلى كورنيشها الشباب، غير الآبه بشىء. يصيح بعض الشباب «مركب يا بيه، مركب يا آنسة». يستجيب البعض، ويفر داخل المركب، بينما يهرب الآخرون من تلك الدعوات ومحيط النيل المعبق بدخان قنابل الغاز المسيل للدموع. فى داخل مركب صغير، تصدح أصوات الأغانى الصاخبة وتلمع الأضواء المبهرجة، يجتمع الشباب والفتيات، يتراقصون على أنغام الأهازيج، يداعوبن بعضهم البعض، تعقد صداقات الساعة الواحدة داخل المركب، الذى تبلغ تذكرته ثلاثة جنيهات، مقابل رحلة قصيرة فى ضفاف نهر النيل. يتحول المركب إلى ما يشبه الملهى الليلى. يلوح فى الأفق رجل مسن يمسك بيد زوجته وابنته الشابة، يهبطون على سطح المركب طامحين فى دقائق ينفصلون بها عن زخم السياسة والمشاكل التى تؤرقهم، آخر يشبك بيديه زوجته المنتقبة، والبقية يجلسون شاخصين بأبصارهم ناحية الفتيات المتراقصات، على أغنية «العنب» الشعبية لـ«سعد الصغير». محمد عباس، رجل خمسينى بشارب كث ووجه أسمر بلحية خفيفة، جعلت زملاءه فى العمل يطلقون عليه «محمد السنى»، الرجل الذى يعمل فى الصباح «نجار مسلح»، وفى المساء يعمل على مجموعة من المراكب النيلية، بين شباب لا يتجاوز أكبرهم 30 سنة، ليصير وقتها «الريس محمد». يقول الرجل الذى يقطن منطقة بولاق أبوالعلا، ولديه 3 أولاد وبنتان، أحدهم يعمل معه فى المراكب، إنه يعمل فى هذه المهنة منذ أربعين عاماً، حيث يجىء للمكوث أمام النيل، الذى يشعر فى حضرته أن الدنيا لا تساوى مقدار بعوضة، يشعره النيل بمقدار عظمة الخالق، يدفع بدفقات إيمانية لروحه. «ساعات كتير أسيب البيت وآجى أنام هنا فى المركب بالأيام، وآخد ابنى حسن فى حضنى، بحس ساعتها براحة بال وأنا بعيد عن دوشة الناس». يحكى «الريس محمد» أنه عمل فى السعودية لمدة عشر سنوات، لكنه لم يطِق البعد عن نهر النيل، ليعود «مراكبياً». المركب يمثل مصر السفلى، الراغبون فى الاستمتاع من ذوى الدخل المحدود، جنيهات معدودات تقيض لهم التسلية، وتزيح عن كاهلهم صعوبة الحياة. يقول الريس محمد: «ناس كتير بتيجى هنا شباب وبنات، وستات ورجالة، بيجوا يقضوا وقت حلو وينبسطوا».[Image_2] أثناء حديث رب المركب، تمر فتاة، تلقى عليه التحية بحرارة، يردف حديثه قائلاً: «البنت دى زبونة عادية، فيه بنات هنا بتيجى علشان ترقص وده مزاجها، لكن إحنا هنا مش بنشغل بنات على المركب، فيه مراكب تانية بتعمل كدا، بس البنت اللى بتكون شغالة على مركب، دايماً تكون واقفة على طرف المركب، علشان تجذب نظر كل اللى موجودين». فى الماضى كان الريس محمد لا يشغله قوت غده، يفكر فقط فى القرش الذى يقبضه آنياً، ليستمتع به، لكنه مع اضطراب الأحوال على مقربة منه، ورؤيته للاشتباكات كل يوم، صار حرصه على النقود أكثر من ذى قبل، يصف الدنيا بالضيقة، التى تجعله يحرص على كل مليم يدخل إلى جيبه، ويخزن للمستقبل، خوفاً من أى ظرف لا يحسب وقوعه. الناظر من عل، من فوق كورنيش النيل، يجد رجلاً يرفل فى جلباب كالح، على رأسه عمامة بيضاء. عبدالفتاح رشيد، رجل خمسينى ذو بشرة سمراء وصوت جهورى، قادم من محافظة قنا بحثاً عن عمل، فى مهنة المراكبى منذ كان فى السادسة، عمله كان فى محافظة الأقصر، لكن بعد الثورة نضب العمل فاضطر إلى القدوم إلى القاهرة، يوميته فى المركب النيلى عشرون جنيهاً، ينام ليله على سطح المركب، حيث لم يستطِع امتلاك سكن فى القاهرة. يستعيد الفائت من ماضٍ عاصره، خاصة فترة الستينات من حكم الراحل جمال عبدالناصر، وقتذاك يرى «عبدالفتاح» أن الأيام كانت «حلوة» وكان هناك إحساس بالفقير والفقراء، كان النيل يضحك، ولم يتسلل إليه العبوس مثلما يحدث الآن، يركز بصره على ماء النيل، يتوحد معه، يحدثه ككائن بشرى قائلاً: «مصر دى بلد حلوة أوى، لكن الشعب مش كله إيد واحدة، كل واحد عامل حزب لوحده، إحنا لو حطينا إيدينا فى إيد بعض مصر هتبقى أحسن بلد». أخبار متعلقة: "وسط البلد" الذي وهب الحياة لجسد الوطن "التحرير"..ثكنة عسكرية..تحولت إلي "رمز الحرية والكرامة" مقهي "زهرة البستان".."استراحة محارب"للمصابين جرافيتى «جنزير» والذين معه.. الثورة هتفضل حية «سيمون بوليفار».. قاعدة حجرية منزوعة الملامح مسجد عمر مكرم..من هنا تخرج الجنازات.."قاتل" و "مقتول"وبينهما "ثورة" التحرير ومحمد محمود وقصر العيني..شوارع علي خط النار «تاون هاوس».. مكتبة ومسرح ومعرض دائم فى قلب القاهرة