التحرير ومحمد محمود وقصر العيني..شوارع علي خط النار

كتب: سارة نور الدين:

التحرير ومحمد محمود وقصر العيني..شوارع علي خط النار

التحرير ومحمد محمود وقصر العيني..شوارع علي خط النار

فى قلب المدينة، وسط ضوضائها وأصوات سياراتها المتعالية، تجمعت أصوات الحرية باتجاه الميدان، وتوالت الأحداث، واجتازت مراحل كثيرة عبر ثلاث سنوات مضت كلمح البصر، أسقط مبارك فى أولها، وأسقط الحاكم العسكرى فى ثانيها، بينما شهدت الثالثة احتفالاً ونكبات متتالية. «محمد محمود» كان الغائب الحاضر، فى حديثنا مع «محمد»، تذكره لأول وهلة عندما سألناه عن وسط المدينة الثائر من بين شوارع الدماء التى تحيط بميدان التحرير، الشارع الذى كان الاتجاه فيه إجبارياً بالهتاف العريض: «يسقط يسقط حكم العسكر»، بين ليلة وضحاها حوّل هدوء الميدان إلى موجة ثورية عاتية، فأصبح مفترق طرق بالنسبة للسلطة، فإما البقاء أو التسليم. يقص لنا «محمد مجدى» كيف بدأت الأحداث ليعود بذاكرة الثورة إلى أحداث 18 نوفمبر 2011، التى كانت الأكثر دموية منذ تنحى مبارك، قائلاً: «علمت خبر فض اعتصام التحرير بالقوة ظهر يوم السبت 19 نوفمبر، وأنا أقطن فى منطقة ميت عقبة، فقررت مع أصدقائى التوجه للميدان، وهناك حاولنا منع الصدام مع قوات الشرطة، كنا نعى أننا لا نملك سوى أحجار بينما تمتلك المدرعات والعساكر البنادق والرصاص، لكننا فشلنا فى إيقاف المواجهة». زادت حدة الاشتباكات ورفضت الشرطة التوقف عن تلك المواجهة مما ألهب صدور الجميع، كما يقول «مجدى»، مضيفاً: «كنت فى صفوف المتظاهرين الأولى، كنت شاهداً على ممارسات الداخلية التى لم ترد إيقاف استهدافها، فكان الصدام يزداد حدة يوماً بعد يوم». بين الشوارع المتفرعة من محمد محمود، كان «مجدى» وأصدقاؤه يهربون بعيداً عن مدرعات الشرطة وقنابل الغازات الشديدة التى كانت تلقى عليهم بغزارة، آلاف المتظاهرين كانوا يواصلون هتافهم من حوله، وكان هو يساعد غيره فى حمل من أصيبوا إلى المستشفى الميدانى. لم يعلم «محمد مجدى» أن أحد أقاربه الذين كانوا ضمن صفوف المتظاهرين أصيب وتم نقله إلى مستشفى الهلال، فيقول: «عندما علمت أن أحمد عبدالعليم دعبس، أحد أقاربى كان من بين المصابين الذين تم نقلهم للهلال، توجهت إلى هناك، حيث وجدتهم قد زوروا تقريراً طبياً بوفاته نتيجة انخفاض حاد فى الدورة الدموية على الرغم من إصابته بطلق نارى فى الساق، ونقله لمشرحة زينهم». فى المشرحة، استطاع أحد أقارب الشهيد وهو طبيب شرعى، أن يحصل على التقرير الطبى الصحيح للوفاة، وعما حدث هناك يستكمل «محمد» ذكرياته قائلاً: «كثير من الجثث كانت فى هذه المشرحة، كلهم قتلى محمد محمود، رائحة الموت كانت هى المسيطرة على المشهد، قمنا بتصوير تلك الجثث متناسين آلامنا، فالحدث لم يكن يحتمل الاستسلام». كانت تلك جثث يوم واحد من أحداث محمد محمود كما يقول، مضيفاً أنه انصرف من المشرحة إلى العزاء ليعود مرة أخرى إلى الصفوف الأولى للاشتباكات، متابعاً: «كانت رائحة الجثث والقتل تطاردنى ليل نهار، لم يكن مشهد الدماء سهل النسيان، لكننى كنت أصر على مواصلة ما بدأته، لأن شعور الانتصار هو الآخر كان يجذبنى». وصلنا إلى نهاية الشارع، وسط ابتسامة عابرة، هل كانت لتلك الأحداث أهمية فى مسار ثورتنا؟، كانت الإجابة الأكيدة التى سارعت بالحضور: «بالتأكيد، هذه الأحداث أجبرت المجلس العسكرى على تسليم السلطة وإجراء انتخابات رئاسية، كما أجبرت أحداث التحرير مبارك على التخلى عن الحكم، فقد كان من الواضح أننا ماضون تحت حكم العسكر، ولولا دماء شهداء محمد محمود، ما أعلن المشير طنطاوى العد التنازلى لإنهاء حكم دام 60 عاماً». يستكمل حديثه قائلاً: «هذه الأحداث بالذات، غيرت كثيراً من صورة الثورة بداخلى، وداخل كثيرين، وكذلك ما تلاها من صدامات، فأحداث مجلس الوزراء، كانت آخر السطور فى كتاب الحكم العسكرى لمصر، هنا تجسدت الصورة واتضحت بشكل كبير، كانت بمثابة فرز للسياسيين والشخصيات العامة ومن يدعى الثورية، ولم أكن أريد مزيداً من هذه الصدامات، فقد أصبحت مجرد تكرار لا يؤتى بأية نتائج سوى شهداء يسقطون، وتحولنا لصورة على جدران هذه الأماكن». أضاف: «كانت الفكرة التى سعيت لتحقيقها مع أصدقائى، هى أن ننقل هذه الثورة من الميدان إلى كل الميادين والشوارع، أسست رابطة جديدة باسم اللجان الشعبية فى ميت عقبة، لنقدم خدمات للناس، لكيلا يكرهوا الثورة، كان يجب على الثورة أن تصل للبيوت، كانت فكرتنا هى أن يرى المواطن الثورة أمامه تبنى ولا تهدم». أخبار متعلقة: "وسط البلد" الذي وهب الحياة لجسد الوطن "التحرير"..ثكنة عسكرية..تحولت إلي "رمز الحرية والكرامة" مقهي "زهرة البستان".."استراحة محارب"للمصابين جرافيتى «جنزير» والذين معه.. الثورة هتفضل حية «سيمون بوليفار».. قاعدة حجرية منزوعة الملامح مسجد عمر مكرم..من هنا تخرج الجنازات.."قاتل" و "مقتول"وبينهما "ثورة" «تاون هاوس».. مكتبة ومسرح ومعرض دائم فى قلب القاهرة شباب وفتيات علي كورنيش النيل وداخل البواخر..أما الثورة فلها رب يحميها