فلوباتير جميل.. كاهن المواجهة

كتب: أحمد منعم

فلوباتير جميل.. كاهن المواجهة

فلوباتير جميل.. كاهن المواجهة

بصلبانهم الموشومة على أياديهم يتبعونه مغمضى الأعين، رافعين كفوفهم إلى السماء عساها تتغمدهم ببركاتها، يرددون صلوات الرحمة الأرثوذكسية «كيريالايسون»، وبأسود الثياب قاد المسيرة، زيه الكنسى وسلسلة الصليب لم يمنعاه من التلويح مناشداً الجموع «تقدموا إلى هنا واسمعوا كلام الرب إلهكم!». ساد الارتجال الموقف، اشتبك الجميع، جنودا ومدنيين، دارت عجلات المدرعات كأنها فرشاة لرسام تجريدى، لم تعرف لنفسها طريقا معلوما، فردت رؤوس المتظاهرين كما يفرد الطهاة العجين، ووزعت اللون الأحمر، لون دمائهم، على اللوحة الأسفلتية السوداء، فسالت دماؤهم. دعواته للتقدم أكثر نحو مبنى الإذاعة أصابت المشهد بالارتباك، مشهد ليلى كسرت أضواء الشارع الصفراء عتمته، لم يأبه البعض لتحرك المدرعات، أو ربما لم ينتبهوا لذلك، فقط طالبوا قائدهم القس فلوباتير بأن يباركهم «كل ما أمرتنا به نعمله، وحيثما ترسلنا نذهب». إشارات القائد الكنسى للمتظاهرين أعمتهم عن أى هدف آخر، كواحد من بين المئات راح يجرى بين الصفوف يزيد من حماسهم، توجيهات الأب فلوباتير زادت المعركة اشتعالاً، لا مجال للتراجع.. الطريق، بعد تعليمات القس، صار ذا اتجاه واحد ينتهى تحت جنازير المدرعات، أو السقوط نتيجة رصاصة تنخر أجساد المتظاهرين العزل. القس فلوباتير جميل، كاهن كنيسة فيصل، ذو طبيعة معارضة، ظهرت بوضوح فى حروبه ضد مشايخ السلفية، الذين يراهم سبباً لكل تطرف، وبنفس الطبيعة المعارضة يوجه انتقاداته لنظام الكنيسة القبطية التى ينتمى هو شخصياً لها، فظهورهم مع رموز جماعة الإخوان سبب فى دعم الجماعة التى لا تمثل الإسلام المعتدل، وتراخيهم مع مشكلات الأقباط سبب فى تفاقمها. نتيجة الإصرار على التقدم أكثر استمر القتال، الكاهن المحرك للتظاهرات لم ينتبه لما حلّ بالمتظاهرين العزل إلا متأخراً، وصلت تعزيزات من الشرطة العسكرية، مئات الجنود من أصحاب الـ«كابات» الحمراء كنسوا المتظاهرين، عشرات الرصاصات شقت الهواء لتثقب صدور المسيحيين، وبعض المسلمين المؤازرين، وقتها اختفى الكاهن القائد عن ساحة القتال. انتهت المعركة التى تمنى فلوباتير لها نتيجة مغايرة، انطلقت أجراس الإنذار لتدفع فلول المتظاهرين للانصراف أخيراً، لم يبق منهم إلا لترات من الدم مسكوبة فى الشارع، وبعض من أمخاخهم التى هرستها عجلات مدرعات الشرطة العسكرية. توارى القس الأرثوذكسى يومين، أو ما يزيد على اليومين، عن وسائل الإعلام ليخرج بعدها معلنا «لم أكن أقصد أبداً التسبب فى وقوع مثل هذه المذبحة، لكن الجيش تعامل مع المتظاهرين الأقباط بقوة مفرطة»، هكذا حاول جميل تبرئة نفسه. بعد ماسبيرو، لم يغب جميل عن المسيرات، فشارك فى تشييع جثمان الشيخ الشهيد عماد عفت، من الجامع الأزهر إلى مثواه فى مقابر السيدة عائشة ليصرح حينها: «لا يزال الجيش ينتهج الأسلوب القمعى ذاته فى التعامل مع التظاهرات»، مشيراً إلى أحداث المذبحة التى شارك فى تدوير عجلاتها. أخبار متعلقة : تقرير تقصى حقائق «القومى لحقوق الإنسان»: قناص «أكتوبر» ومجموعة مجهولة أطلقوا الرصاص على الأقباط والجيش أسر الشهداء: الرب يعزينا.. و«مرسى» يضعنا خارج حساباته.. والقتلة «معززين مكرمين» القس متياس نصر لـ«الوطن»: أحدهم: صرخ «هاتوا الكافر».. فبدأ القتل فيفيان مجدى خطيبة الشهيد مايكل مسعد تكتب: فى انتظار أن نغنى معاً لانتصار الثورة «الله أكبر بسم الله» والدة الشهيد جرجس راوى: اليد التى حرمت «ديفيد» من حضن والده دون رحمة لابد أن تُقطع حمدى بدين.. أشداء على الثوار مشهد رأسى من العمارة 1211: هنا جرت أحداث المجزرة والأهالى يروون تفاصيل «القتل والرعب والجنون» مينا دانيال.. ثورة ثورة حتى الموت رشا مجدى.. ومن الإعلام ما قتل «ماسبيرو».. عام على الدم والغضب