والدة الشهيد جرجس راوى: اليد التى حرمت «ديفيد» من حضن والده دون رحمة لابد أن تُقطع

كتب: أحمد منعم

والدة الشهيد جرجس راوى: اليد التى حرمت «ديفيد» من حضن والده دون رحمة لابد أن تُقطع

والدة الشهيد جرجس راوى: اليد التى حرمت «ديفيد» من حضن والده دون رحمة لابد أن تُقطع

يصعد درجات السلم مسرعاً إلى حيث توجد «الحضّانة»، يلتقط ابن أخيه الصغير «ديفيد»، كما أراد له الأب أن يكون، ينزل العم «سامح» به إلى جدته، بينما ينهمر من عينيه الدمع: «خدى جرجس الصغير يا أمى، جرجس مامتش». قبل اثنى عشر يوماً من ميلاد ديفيد، كانت جثة الأب جرجس راوى تعتلى مدرعة الشرطة العسكرية، التى دهست جسده النحيل، وكسرت عظام صدره عن آخرها، فأطبقت على رئتيه وكبده حتى تهتّكت، ليموت الأب قبل أن يرى ابنه الأول، الذى انتظره منذ زفافه على «جيهان» قبل ثمانية أشهر. المكان: كنيسة فى السادس من أكتوبر، الوقت: أيام بعد مذبحة ماسبيرو فى شهر أكتوبر، تقف الزوجة الأرملة بين عشرات المتشحات بالسواد، يقف أحد الكهنة ليتلو صلوات الجنازة قبل الدفن: «اذكر يا رب آباءنا وإخوتنا الذين سبق رقادهم فى الإيمان الأرثوذكسى، نيِّحهم جميعهم مع قديسيك، مع هؤلاء الذين نذكر أسماءهم». استيقظ جرجس صباح الأحد فى موعد عمله رغم أنها إجازته الأسبوعية، حرمت الشركة التى يعمل بها زوجته من قضاء يومه الأخير معها، بمجرد انتهائه من العمل، انتقل مسرعاً إلى مبنى الإذاعة، لم يخبر زوجته أنه عضو فى اتحاد شباب ماسبيرو، فلا يحدثها فى السياسة. لا تذكر جيهان من ذلك اليوم إلا كلماته القليلة فى كل مكالمة، فى الأولى أخبرنى أنه عند ماسبيرو وسيعود سريعاً، وتضيف: «فى الثانية بعدما بدأت الاشتباكات، أخبرنى أنه بعيد عن موقع الرصاص الحى»، وفى المكالمة الأخيرة قال لى: «إحنا ربنا معانا»، بعدها أصبح هاتفه «غير متاح»، ثم قرأت اسمه على التليفزيون بين الشهداء. أخوه الأكبر سامح متذكرا: «لم يكن يتحدث إلا بآيات الإنجيل، فعندما كنت أقص له عن ظلم وقع علىّ أو عن شخص تطاول علىّ، كان يرد فى سكينة وهدوء بقوله: «الإنجيل يقول: أعطوا مكاناً لغضب الله ليقوم هو بالانتقام من الأشرار. الرب يدافع عنكم وأنتم صامتون». قبل شهور من استشهاده، كان جرجس وزوجته فى زيارة إلى أحد مراكز التحليل، علم أن زوجته «حامل»، كانت كل صفات الفرح أقل من أن تصف شعوره حينها، ضربات قلبه الراقصة لم تمنعه من إخراج هاتفه من جيبه وإجراء مكالمة بأمه كانت قصيرة: «جيهان حامل يا أمى، حامل فى ولد»، استقبلت الجدة خبر الحمل بفرح غامر، سيكون ديفيد أول أحفادها الذكور، ويبقى اسم العائلة بلا انقطاع. يحتفظ سامح راوى، أخو الشهيد جرجس، بصور لجثة أخيه «المهروسة»، كلما أحس بضيق يخرج هاتفه ويفتح هذه الصور ليبكى متذكراً ذلك اليوم: «أخبرنى عمى على الهاتف أن جرجس قد مات، وأن جثته فى المستشفى القبطى، انطلقت إلى هناك مع صديقى، وأخى الصغير صموائيل، ظللت على أمل أن يكون جرجس ضمن المصابين، فلم يهنأ أخى بزواجه بعد، ولم يرَ ابنه الذى لا يزال فى حشا أمه، ظللت أمنى النفس حتى وجدت جثة جرجس وكأنها مغموسة فى الدم». «عندما وَلدت ديفيد كان جرجس قد مات قبل ذلك باثنى عشر يوماً، فكرت فى ولدى من سيربيه، ويداعبه.. كانت فكرة الموت أبعد ما تكون عن خيالى، كنت أرسم فى فترة حمله حياة ديفيد فى حضن أبيه، وها قد انتقل أبوه إلى حضن التراب، فمن يعوضنى؟» تقول أم ديفيد بقلب مفطور. يخرج سامح شهادة تأدية الخدمة العسكرية الخاصة بأبيه راوى راضى، قائلاً: «منذ 39 سنة شارك أبى فى حرب أكتوبر، شارك الجيش المصرى فى النصر، فهل يكون الجزاء فيما بعد أن يقتل الجيش ابنه بعد هذه الخدمة؟»، تقول جيهان: «سأعلم ديفيد كيف كان أبوه عطوفاً، وكيف كان حليماً لا يغضب، وكيف أنه قتل بلا ذنب، وسأعلمه أن ما أخذناه من مال مهما كان مقداره لا يعوضنا عن ضياع حضن رب الأسرة، وأن تلك اليد التى حرمته من أبيه لا بد لها أن تقطع». لا تهتم أسرة الشهيد جرجس راوى بالاحتفاظ بثيابه التى استشهد فيها، ولا حتى بصور له من الحجم الكبير، فقد ترك الشاب الشهيد للأسرة ما هو أغلى لديهم من ثياب أو ملامح مطبوعة على صورة فوتوغرافية، ترك لهم لحماً ودماً، ترك لهم قطعة منه قبل الرحيل، ترك لهم «ديفيد» الصغير. أخبار متعلقة : تقرير تقصى حقائق «القومى لحقوق الإنسان»: قناص «أكتوبر» ومجموعة مجهولة أطلقوا الرصاص على الأقباط والجيش أسر الشهداء: الرب يعزينا.. و«مرسى» يضعنا خارج حساباته.. والقتلة «معززين مكرمين» القس متياس نصر لـ«الوطن»: أحدهم: صرخ «هاتوا الكافر».. فبدأ القتل فيفيان مجدى خطيبة الشهيد مايكل مسعد تكتب: فى انتظار أن نغنى معاً لانتصار الثورة «الله أكبر بسم الله» فلوباتير جميل.. كاهن المواجهة حمدى بدين.. أشداء على الثوار مشهد رأسى من العمارة 1211: هنا جرت أحداث المجزرة والأهالى يروون تفاصيل «القتل والرعب والجنون» مينا دانيال.. ثورة ثورة حتى الموت رشا مجدى.. ومن الإعلام ما قتل «ماسبيرو».. عام على الدم والغضب