يتضح من خلال سير العمليات الإرهابية خلال الشهور الفائتة فى دولة الصومال أن حركة شباب الإسلام (ذراع تنظيم القاعدة) فى القرن الأفريقى تمكنت من السيطرة على مساحات شاسعة من الدولة الصومالية الممزقة، حتى إنها أعلنت عن إقامة إمارة ومحاكم شرعية وهيئة دينية.
وأعتقد أن هذه الحركة الإرهابية تستفيد من التناقضات الإقليمية، ومن التدخل السافر لبعض الدول المجاورة فى شئون الصومال، وتعتبر أن ذلك يعطيها شرعية فى أن تحمل السلاح فى وجه الشعب الصومالى، الذى تتهمه بالردة والكفر.ومن خلال الرصد لإعلام هذه الحركة يتبين تمكّنها من الاستمرارية والسيطرة على ولايات متعددة، وانتقالها إلى مواطن جديدة.
وأنها لا تزال تركز حربها وفق استراتيجيات «حرب الاستنزاف» و«الحرب الاقتصادية» التى تهدف إلى إضعاف الحكومة الصومالية من خلال استراتيجية تشمل: هجمات بارزة ضد رجال أو مؤسسات حكومية أو رمزية، بما فى ذلك الخلايا النائمة التى تقوم بهجمات قليلة ولكنها تستهدف المؤسسات، الكمائن، نقاط التفتيش المؤقتة، عمليات الخطف، العبوات الناسفة، الهجمات الصغيرة على الجنود ورجال القبائل.
كما اتضح ازدياد قدرات حركة الشباب، وأن ذلك سيؤثر على استقطاب عناصر جديدة، وتنفيذ عمليات إرهابية تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الحملات المتوالية لكبح جماحها، بل وأفشلت بعضها، سواء من حيث توسيع مناطق السيطرة الجغرافية، أو من خلال تصعيد العمليات الإرهابية، خاصة فى الجنوب الشرقى، التى تعد إحدى مناطق ارتكاز التنظيم التقليدية.
دللت الحركة على ذلك بما نشرته مؤسسة الكتائب (الجناح الإعلامى لها) بإصدار بعنوان «ولو كره الكافرون»، الذى يعرض تفاصيل معركة جلعد التى حقق فيها مقاتلو الحركة انتصاراً على القوات الخاصة الصومالية فى الجنوب.
بدا فى منتصف عام 2022 أن الحركة تركّز إعلامياً على إثبات أنها إمارة ممكنة، وأنها تجاوزت مفهوم الحركة الضيق إلى الإمارة بالمفهوم الأوسع، لكنها رغم التمكين لم تتجاوز مربع التمكّن، بسبب الحملات العسكرية ضدها.
وفى صفحة (ناشر الإعلامية) وهى الصفحة الرسمية للحركة بموقع التواصل (تليجرام) نشرت مقالاً حول المحاكم الشرعية التى أنشأتها فى مناطق التمكين.
وقالت: أنشأت حركة الشباب شبكة من المحاكم التى تحكم بالشريعة الإسلامية فى جميع أنحاء البلاد.
تتعامل «محاكم الظل» هذه مع مجموعة واسعة من النزاعات بحسب المقال. ونقلت عن الباحث الصومالى حسين يوسف على أن حركة الشباب تستجيب لمجموعة متنوعة من احتياجات العدالة، لا سيما الجدل حول الموارد الطبيعية، والخلافات التجارية، والاتهامات بالتمييز العشائرى.
وكثيراً ما تتعامل مع النزاعات على الأراضى: يقدر أحد سكان بايدو أن «80% من النزاعات على الأراضى تنقل إلى حركة الشباب وربما يذهب 20% إلى المحاكم الرسمية».
حتى إن محاكم الشباب تتعامل مع قضايا الابتزاز والتمييز العشائرى والفساد والاعتقالات غير القانونية، ما يعنى أن حركة الشباب قد تقاضى الحكومة ووكلاء إنفاذ القانون وكذلك المدنيين.
يتضح مما سبق تأكيد كل الإصدارات على أنهم إمارة ممكّنة، وأن زعيم الحركة يحكم ولايات إسلامية، أى إنهم ممكنون من الأرض الصومالية.
وبنفس الأيديولوجية تم الحكم بالردة على المتعاونين مع الحكومة الصومالية، أى إن مسألة تكفير الأعوان قد توغلت تماماً فى فكر الحركة، بما يشير إلى القرب أكثر من التيار الأكثر تشدداً فى بنية تنظيم القاعدة، وهم الشوام.
كما يشار إلى أن الحركة وفق تلك الإصدارات بدت وكأن لديها حرية فى التنقل ما بين حدود الصومال مع كينيا وإثيوبيا دون وجود رقابة حقيقية.
فيما يخص البنية الداخلية لحركة الشباب، فقد حاولت عن طريق الإصدارات السابق ذكرها تصدير صورة متماسكة عن طريق إظهار الإجماع وراء زعيم الحركة، وبدا هذا بوضوح فى مؤتمر مناقشة الجهاد بشرق أفريقيا، لكن هناك معطيات من ناحية الاستراتيجيات والتكتيكات أثّرت على مجريات الأحداث بشكل كبير، ومنها:
1- عدد الضحايا الذين ازدادوا فى شرق أفريقيا نتيجة الإرهاب.
2- سعت الحركة لتأسيس «دويلة إرهابية»، ويشير ذلك إلى تراجع الإرهاب المعولم إلى إرهاب بطابع محلى لإقامة إمارات.
3- حرصت الحركة على السيطرة على الموانئ من أجل تأمين عمليات نقل المقاتلين والأسلحة، خاصة مع اليمن.
كل ما سبق هو إنذار مبكر لكل صانعى القرار فى القارة الأفريقية أن احذروا وانتبهوا ولا تنشغلوا، فـ«القاعدة» الآن يحكم فى الصومال، ويسيطر على موانئ فى المحيط الهندى، فأين أنتم؟.