شهود الحرب من القنطرة.. يا بخت اللي الرصاص في جيبه والبطولة على لسانه

كتب: كريم عثمان

شهود الحرب من القنطرة.. يا بخت اللي الرصاص في جيبه والبطولة على لسانه

شهود الحرب من القنطرة.. يا بخت اللي الرصاص في جيبه والبطولة على لسانه

أطفال صغار لا يعون ما يحدث حولهم، صوت الرصاص والدانات يقلقهم ولا يعرفون ما مصدره، والدتهم أبلغتهم أن العيد سيأتي بعد نحو 20 يومًا فلماذا يسمعون أصوات الصواريخ الآن؟، هل خانهم رفاقهم ولعبوا من دونهم، أم أن الأمر ليس كما يعتقدون، ولم يدركوا حينها أن ذلك اليوم 6 أكتوبر عام 1973 هو عيد بالفعل، ويوم قومي ستظل تحتفل به مصر أبد الدهر.

أسرة متواضعة مثّل غيرها من مئات الأسر التي سكنت القنطرة غرب، التابعة لمحافظة الإسماعيلية، والمقابل لها على الجهة الأخرى معركة رد الكرامة والأرض، وكان أكبر الإخوة هو محمد عبداللطيف، صاحب الـ59 عاما، الذي مر بخياله ما حدث حوله في تلك الآونة دون تفسير يستوعبه ابن الـ13 ربيعا، وأسئلة طرحها لم تسمح له سنه بفهم إجابتها، ما معنى أن بلدًا تحارب مصر، ومن يا ترى الفائز، ولما هذه الفرحة التي يراها في عيون والديه، قبل أن يدرك قيمة نصر السادس من أكتوبر، الذي استرد فيه جيش مصر أرضه المسلوبة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن دمر خط بارليف المنيع.

يتذكر "عبداللطيف"، وقت الحرب حينما انتقل رفقة أسرته من القنطرة غرب، الجهة المقابلة للمعركة، ليبتعدوا قليلًا ويقيموا تلك الأيام في مكان قريب من القنطرة حتى يقوا أنفسهم شر الحرب، "كنت بشوف أهلي بيسمعوا راديو وفرحان معاهم من غير ما أفهم وقتها إني بشهد على لحظة عظيمة في تاريخ مصر".

منذ صغره دائمًا كان "محمد" 13 عاما، يأمل في نزول المياه التي تطل عليها منطقته، أو على الأقل الاقتراب منها، ولكنها كانت من ضمن الأشياء الممنوعة من قبل والده، "كان دايما أبويا يقولي العدو واقف ورا الميه دي مينفعش تروح هناك، ادعي نخلص منه ونروح براحتنا".

ظلت الدعوة عالقة في أذهان الإخوة الثلاثة، وفقًا لحديث "هشام" الأخ الأوسط صاحب الـ11 عاما آنذاك لـ"الوطن"، خاصة بعدما علموا أن التخلص من العدو لن يأتي إلا بالحرب، وبعد نحو شهر من المعركة عادت الأسرة لمنزلها مستمتعة بنشوة النصر الغالي.

مرت سنوات طويلة على ذكرى أكتوبر، ذهب بعدها الشقيقان إلى شاطئ القناة، ومعهما شقيقتهما الأصغر أماني، التي حكى لها والدها الذي كان يعمل بائع خضراوات، عن أهوال المعركة وكيف كان حال تلك المياه قبل استرداد الأرض، وهو ما ترويه في ذكرى النصر دائمًا لأبنائها.

قبل وفاته، جرت عادة "أماني" أن تلتصق بجلباب والدها في ذكرى نصر أكتوبر، لتطلب منه أن يحكي لها حكاية الجندي البطل، فيبدأ المعلم "عبداللطيف" في سردها لصغيرته بعد إلحاح منها، قائلًا: "أنا وعيت لعسكري بطل، كان شايل دانته وبيضرب بيها العدو ويموت منهم ياما، ولما شافه الإسرائيليين اصطادوه من على بعد، وقتها حس إن نهايته جت فطلع من جيبه قنبلة ودخل بيها مخبأ لجنود العدو وفجر نفسه فيهم وهو بيصرخ بعلو صوته (الله أكبر)".

مرت الأيام وظلت الحكاية قائمة تحكيها أماني لأبنائها وتوصيهم أن يملونها على أبنائهم فيما بعد، مدعمة إياها بكواليس فترة ضيق رزق الجد بعد كساد بضاعته بسبب الحرب، وكيف صبر حتى عاد للمكسب من جديد، "الأطفال بيتوهموا بالأبطال الخارقين اللي بيصدرهم ليهم الكارتون وأفلام الخيال العلمي، وأنا بحب أعرفهم إن بلدهم فيها أبطال خارقين بس بجد، لولاهم مكانوش هما عاشوا في القنطرة بأمان".

في مياه القناة لطالما وجد الأطفال الثلاثة "فارغ رصاصات" تعود لسنوات ماضية، كانوا يعتبرونها كنزا حقيقيا لهم، "كان اللي يلاقي فينا طلقة يبقى يا بخته يفضل شايلها ويألف قصة عنها لغيره بأن عسكري مصري موّت بيها عدو إسرائيلي".


مواضيع متعلقة