جيش أكتوبر الأبيض.. حكايات النجاة بأيدي أطباء ضمدوا دماء الأبطال

جيش أكتوبر الأبيض.. حكايات النجاة بأيدي أطباء ضمدوا دماء الأبطال
معركة موازية كان النصر فيها متتاليا، فكل إنقاذ انتصار وكل تعافٍ وطن جديد، حين تحولت مستشفيات الجيش في حرب أكتوبر إلى جنان رحمة تنقذ الجنود وتبث فيهم الروح من جديد لمواصلة القتال من أجل الوطن، الجيش الأبيض في كل معركة هو بطل في ميدان الحياة والموت، ينتشل رصاصات الغدر ويداوي بروحه المقاتلين في سبيل الأرض والعرض.
سنوات طويلة مرت وما زالت ذكريات حرب أكتوبر حاضرة في ذهن الدكتور السيد عبدالعزيز نجم، أحد أفراد الجيش الأبيض في تلك الحرب، إذ التحق بالخدمة العسكرية في أبريل 1971 بعد 3 أشهر من تخرجه، ليقضي 4 سنوات في الخدمة العسكرية برتبة رقيب طبي، فكان يخدم في أحد مستشفيات محافظة السويس.
طول مدة خدمة "نجم"، في الجيش كانت كالمعتاد، حتى يوم السادس من أكتوبر، إذ انتبه لطائرات القوات الجوية التي تحلق فوق الرؤوس، أصوات المدافع تدك مواقع الاحتلال الإسرائيلي كانت تطرب آذانهم، "ساعتها قلنا الحرب بدأت، وبدأنا في الاستعداد لاستقبال أي حالات مصابة".
مع اليوم الثالث لمعركة حرب أكتوبر، بدأت أعداد المصابين في الزيادة، عاش خلالها الرقيب الطبي العديد من تضحيات الجنوب البواسل، فاستقبل مصابا ممسكا بقطعة من القماش، لا يرفض أن يتركها وبعد محاولات عدة للحصول عليها حتى يتلقى الإسعافات الأولية اتضح أنه قطعة من العلم الإسرائيلي نجح في الحصول عليه بعدما أسقطه من الدشمة.
اثنان من الجنود المصابين دخلا المستشفى معا في اليوم الخامس للحرب، كلهما كان ذات السرير في المستشفى الميداني، "كل ما اجي ادي واحد فيهم جرعة العلاج، كان يرفضها ويطلب أن يحصل عليها زمليه"، فكل منهما كان على استعداد أن يضحي بنفسه في سبيل حصول زمليه على الجرعة، حسب حديث نجم لـ"الوطن".
جندي آخر لا تفارق بطولته ذاكرة الرقيب الطبي، حيث استقبله في المستشفى وهو يعاني من إصابة في القدم، وتتطلب إصابته في أن ينقل إلى القاهرة، لكنه بعد دقائق من حصوله على الإسعافات الأولية، وجده يركض في اتجاه الطريق السريع، حاول نجم أن يلحق به ليسأله أين سيذهب، "قالي رايح لزملائي، هما على بعد 10 كيلو من خط القنال"، وفشلت كل محاولة إقناعه بالبقاء في المستشفى.
كانت اللافتات الإنسانية بين نجم وزملائه حاضرة في فترة خدمته بالجيش، ففي أوقات المعركة "لم تكن الحياة منتظمة وكنا نركز على القتال وتحرير سيناء، وأتذكر جيدا أن مع أذان المغرب يوميا كان معنا مجند طبيب أسنان اسمه بطرس ينادي علينا جميعا بالاسم للإفطار الذي كان يعده لنا وكان عبارة عن لبن مجفف وبسكويت يضعه في زجاجات الجلوكوز.
الدكتور محمد نوفل، طبيب آخر شارك في سلاح الخدمات الطبية خلال فترة حرب أكتوبر، يقول لـ"الوطن" إنه التحق في منتصف عام 1971 بالجيش الثالث الميداني.
الحركة لا تتوقف داخل المستشفى، تكاد تشعر بالألم الجنود المصابين حتى قبل أن تدخلها، ليتحرك "نوفل"، صوب غرفة تغير الملابس ليساعد زملاؤه في إسعاف المرضي، "فضلت شغال من يوم 8 أكتوبر مساء وحتى 9 أكتوبر عصرا دون توقف"، في محاولة منه لمساعدة المرضى الذين كانت أعدادهم في ازدياد خلال ذلك اليومين.
لم ينسَ "نوفل"، ذلك الجندي الذي جاء مصابا في عينيه ولا يستطيع الرؤية بها، إلا أنه كلما مر بجانب طبيب يخرج من جيبه حفنة من تراب سيناء يحتفظ بها، "يقولنا شوف رمل بلدنا جميل إزاي، أصفر وناعم ورائع"، فيتغزل فيه رغم عجزه عن رؤيته، وذلك الجندي الجريح الذي ترك فراشه وظل يساعد الأطباء في إسعاف المرضى حتى توفي فجأة بينهم، "وفضلنا كلنا نبكي عليه وإحنا بنسعف المرض".