"الطائرات تقصف العاشقين بالياسمين".. قصص حب المحاربين على جبهة النصر

"الطائرات تقصف العاشقين بالياسمين".. قصص حب المحاربين على جبهة النصر
في الساعات الأولى من صباح السادس من أكتوبر عام 1973 استيقظ العروسان "جلال وعزيزة" مبكرًا لاغتنام اليوم من أوله في التجوال بين محال منطقة وسط البلد العريقة، بحثًا عن بدلة أنيقة وفستان يجذب الناظرين إليه لحفل خطبتهما، لتُكلل قصة حبهما أمام الجميع، ساعات النهار مضت سريعا لم يشعرا بها إلا حين باغتهما الإرهاق من أثر الصيام فجلسا يستريحان قليلًا، واضعين حولهما أكياسا مُحملة بمستلزمات اليوم المنتظر، ارتفع صوت المذياع الصادر من أحد المقاهي المجاورة لهم معلنًا "هنا القاهرة.. جاءنا الآن البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة".
لحظات صمت فرضت نفسها على الشوارع المكتظة بالمارة زادت شدتها بخبر انطلاق الحرب على الجبهة، الكل يستمع بدهشة بينما شرد الطيار المقاتل بذهنه، لم يتوقع اندلاع الحرب خلال إجازته المرضية التي تطلبت بقاءه بالمستشفى تحت العلاج، بقي صامتا وداخله مشتعل بالغيرة على وطنه، "مفروض أكون دلوقتي على الجبهة مكاني مش هنا"، هكذا كان يردد داخله حينها عميد طيار دكتور جلال عبدالوهاب حافظ، أحد أبطال حرب أكتوبر.
لهفة للقتال وحبًا في الوطن تملكت "العريس" الذي لم يتبقَ على موعد خطبته إلا أياما معدودة غلبت مشاعر حبه لخطيبته طالبة السنة الأولى بكلية الفنون التطبيقية، حينها، أودعها بسيارة أجرة إلى محل إقامتها، واستقل هو سيارة أخرى متوجهًا إلى بيته لارتداء البدلة الميري ومنه إلى مستشفى القوات الجوية بالعباسية لاستخراج تصريح اللياقة بعد تعافيه فور إتمام علاجه، وبحسب رواية الطيار لـ"الوطن" عندما تم وضع خطة الحرب على الجبهة لم يضعه قائده في الحسبان لتلقيه العلاج في تلك الفترة، إلا أنه تمكن من الحصول على جواب اللياقة البدنية الذي توجه به على الفور إلى قيادة القوات الجوية للانضمام إلى التشكيل الجوي في الحرب.
جلال: علمت باندلاع الحرب وكنت مع خطيبتي في وسط البلد لاختيار بدلة الخطوبة
تحققت الرغبة الملحة التي تملكت مشاعر الطيار جلال، الذي كان برتبة نقيب طيار ساعتها، وانضم إلى قاعدة طنطا الجوية، تاركًا بدلة الفرح وعروسه التي لم تملك إلا الانتظار والدعاء له بالسلامة "في أثناء الحرب والدي راح لأهلها بالبيت في زيارة عائلية قالهم ابننا في الحرب ومش ضامنين حاجة عشان لو عايزين ينهوا مشروع الخطوبة لكن خطيبتي أصابتها حالة غضب شديدة ورفضت الفكرة".
أيام طوال مضت كل ساعة فيها كالدهر على العروس "عزيزة عدلي" التي أجلت الحرب موعد خطبتها، تنتظر أخبارا كل حين وآخر ليطمئن قلبها على حبيبها، أصيب البطل في العمود الفقري أثناء المواجهات على الجبهة وفور تعافيه كانت أول من اتصل بها هاتفيا "طمنتها عليا وقولتلها أول معاد هقدر أنزل فيه هنعمل خطوبتنا"، فابتسمت الفتاة فرحًا وخجلا وعادت من جديد لتعد الدقائق في انتظار لحظة ارتدائها "الدبلة" في إصبعها.
حصل "جلال" على إجازة وتمت الخطوبة في حفل عائلي يوم 28 أكتوبر وعاد في اليوم التالي للجبهة
نحو ثلاثة أسابيع مضت دون أن يرى الطيار الشاب أهله وخطيبته، وحين علم قائده بتأجيل خطبته بسبب الحرب أصر على منحه إجازة قصيرة بعد انتهاء الحرب وخلال وقف إطلاق النار، "قالي لازم تنزل أجازة ونزل بعض زمايلي يحتفلوا معايا"، وفي حفل عائلي بسيط تمت خطبة "جلال وعزيزة" وسط الأهل والأصدقاء المقربين في يوم الـ28 من أكتوبر وعاد في اليوم التالي إلى التشكيل الخاص به لاستكمال حربه على الجبهة.
"براءةُ عينيكِ الطفلتين تقول لي إن ما حولي من خرابٍ صار جنة، وأن كل المحاربين أبدلوا أسلحتهم أزهارًا، وأن الطائرات بدأت تقصف العاشقين بالياسمين".. عبارات شعر كُتبت في وصف الحب بزمن الحرب، وكأنها خلقت لتحاكي حال "جلال" وخطيبته "عزيزة"، مضت الأشهر الطوال سريعا ولم يهون على الطيار الشاب صعوبتها سوى مشاعر حبه لخطيبته التي باتت بعد الحرب زوجته وأم ابنه وابنته "كانت شريكتي في كل حاجة في الفترة الصعبة دي ودلوقتي عندنا 5 أحفاد".
المجند السيد عبدالعزيز، كان يقضي خدمته في الجيش المصري من عام 1972 وحتى عام 1975، كانت تنتظره خطيبته وحب عمره عائشة، التي زاملته في الجامعة، وقرر عقد خطبتهما قبل الحرب بيومين، وكان حينها في إجازة مدتها 16 يوما، مع حلول اليوم السادس من أكتوبر، وخروج أنباء بدء الحرب، ظن في البداية أنها مجرد مناوشات بين الجيشين.
المجند السيد ترك منزل خطيبته متجها للقطار بعد سماع بيان الحرب
مع إذاعة بيان العبور، ترك "السيد"، منزل خطيبته متوجها إلى محطة القطار للتواجد للعودة إلى مقر الكتيبة التي التحق بها في محافظة السويس، لمساندة زملائه في ميدان المعركة "قدرت أني أوصل لزملائي في يوم 8 أكتوبر" ليسعى معهم إلى مسيرة النصر.
"أكتب إليكِ وأنا بين زملائي في الجبهة، رغم أنني أرى صورتك في كل مكان حولي، وأحلم بك يوميًا، إلا أنني اشتاق للقائك".. تلك هي بعض من الكلمات التي كان يكتبها المجند العشريني لحبيبته، ليصف لها مشاعره تجاهها، والتي كانت تحتفظ بها وتقرأها كلما كانت تشتاق إليه.
انتهت الحرب بالانتصار المصري، وتزوج "السيد"، من حبيبته فور إنهاء خدمته العسكرية في عام 1975، وأنجب منها ولدين، وما زالا يعيشان على ذكرى تلك الأيام.