رحلة "الوطن" للبحث عن جنود منسيين في الحرب العالمية الثانية

كتب: محمد علي حسن

رحلة "الوطن" للبحث عن جنود منسيين في الحرب العالمية الثانية

رحلة "الوطن" للبحث عن جنود منسيين في الحرب العالمية الثانية

2194 يوما لم يخلو فيها العالم من الدمار والقصف والتخريب والتهجير، ومعارك أدت لتغيير خارطة العالم، بداية من الغزو النازي لبولندا في الأول من سبتمبر عام 1939، لتمتد الحرب المندلعة قبلها بعامين في قارة آسيا بين الإمبراطورية اليابانية والصين إلى القارة العجوز، حيث إن شعور أدولف هتلر بالوهن جراء هزيمة بلاده في الحرب العالمية الأولى والشروط التي اعتبرها مجحفة لمعاهدة فرساي إلى جانب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي حاصر ألمانيا، قام الجيش الألماني بغزو بولندا لتندلع الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية، وتشهد البشرية النزاع الأكثر مرارة في تاريخها.

رغم تركيز التاريخ على الأحداث الكبرى في الحرب، مثل إنزال نورماندي في السادس من يونيو 1944، والذي يعد أكبر إنزال عسكري في القرن العشرين، ومعركة العلمين التي صنفت على أنها أهم معارك الدبابات على مدار التاريخ، ومعركة ستالينجراد التي لقبها القادة والخبراء العسكريون بـ"أم معارك الحرب العالمية الثانية" نظرا لضراوتها وملايين القتلى المدنيين الذين لقوا حتفهم بسبب الطقس والقصف، وإلقاء الولايات المتحدة الأمريكية أول قنبلتين ذريتين تم استخدامهما في التاريخ العسكري على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما، إلا أن الحرب العالمية الثانية خرج من رحمها الكثير من القصص الإنسانية التي كان أبطالها أشخاص عاديين ليسوا قادة فيها لكن من بينهم من أثر على مسارها.

14 شهرا قضتها "الوطن" في البحث والتواصل مع أبطال الحرب العالمية الثانية وذويهم، من أبناء وأحفاد، وأصحاب القصص الإنسانية الأخرى التي تضمنها الملف، التي لم تكن مجرد روايات شفهية أو حكايات دون أسانيد، فالقصص المسرودة مدعومة بالصور والوثائق المؤرخة والأدلة، ومقارنتها بالسياق التاريخي الذي تزامنت معه معارك الحرب، ومن أكثر من مصدر لتحري الدقة والأمانة في العرض على القارئ مع الاحتفاظ بحقوق كل مصدر في الملكية الفكرية ونسب المواد المعروضة لمصادرها الأصلية داخل الموضوعات.

البداية كانت مع الألماني "جون رابي"، الذي أنقذ أكثر من 200 ألف صيني من مجازر اليابانيين في مقاطعة نانكينج، حيث استغرق البحث والتفاوض مع حفيده توماس 8 أشهر وأرسلت إليه رسالة عبر حسابه الشخصي بموقع "فيس بوك" إلا أنه لم يرد إلا بعد 5 أشهر عبر رسالة بها رقم هاتفه، وبعد 5 مكالمات وافق على الحديث بشرط إرسال الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، وبالفعل أرسلت الإجابات في الميعاد المحدد، وحين طُلب منه صور خاصة لجده، لم يتردد لكنه اشترط أن الإشارة تكون إلى مؤسسة نانكينج للإغاثة.

أما شارلي هيوود، الذي خدم في الجيش الأسترالي وفقد 4 من الأصدقاء الذين تعرف عليهم خلال فترة التدريب، استغرق البحث عنه ثلاثة أشهر، حيث تم التواصل مع هاني عادل، عضو مجلس الأعمال المصري الأسترالي بسيدني، في أبريل 2019 وبعد بحث استمر شهرا كاملا، ساعد في الوصول إلى عدد من التجمعات الخاصة بالجنود والضباط السابقين بالجيش الأسترالي، وعند التواصل مع عدة جنود متقاعدين أرشدوا إلى شارلي، الذي رفض الحديث في البداية، لكن بعد محاولات يومية لمدة شهر لإقناعه بالحديث عن الحرب التي كان يبغض الحديث عنها، وافق بشرط عدم الخوض في تفاصيل أكثر من تلك التي يرويها.

ويظل الجندي الياباني هيرو أونودا، إحدى القصص الأكثر غرابة في تاريخ الحرب العالمية الثانية، والذي ظل غير مقتنعا بانتهاء الحرب طيلة 29 عاما، واستغرقت رحلة البحث عن أي فرد من عائلة أونودا، أو شخص لديه ذكريات معه لـ 10 أشهر، حتى تم قبول الانضمام إلى مجموعة تهتم بالحروب والأسلحة في اليابان، وبالتواصل مع مشرف المجموعة وسؤاله عن أي شخص يتحدث اللغة الإنجليزية ولديه علاقة بأونودا، سمح بكتابة منشور للسؤال وترجمه للغة اليابانية، ليتفاعل الأمريكي "كين كروكيت"، ويروي ذكريات اللقاء مع الجندي الياباني.

بين مجموع الفنانين التشكليين وثقوا الحرب العالمية الثانية في لوحات وأعمال فنية، وقع الاختيار على الرسام البريطاني أندرو ستارك، الذي حوًل سيرة "جده البطل" من ساحة الحرب إلى لوحات تجسد بطولاته في المعارك، وذلك بعد شهر كامل من المفاضلة بينهم ليكون هو صاحب القصة الأبرز، نظرا للدافع خلف لوحاته.

رحلة البحث عن جندي من قوات المستعمرات الفرنسية استغرقت 10 أشهر، وبعد التواصل مع أشخاص في المغرب والجزائر وتونس الذين ساعدوا في الوصول إلى عدد من المحاربين القدامى أو عائلاتهم، رفضوا معظمهم الحديث إما لأسباب شخصية أو نفسية، حتى توسط صديق مغربي يدعى عبدالسلام المساتي لدى الشيخ الفقيه سي حسن، من أجل التواصل مع حفيد الحسين بن محمد، الجندي الوحيد الذي ظل على قيد الحياة في طنجة حتى عام 2017.

الرحلة الأولى على الإطلاق في البحث والتواصل مع أحد أبناء ديسموند دوس استغرقت 13 شهرا، بداية من شهر يوليو 2018 حيث تحقق الوصول إلى الحساب الشخصي لنجله "جونيور" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" في أربعة أسابيع فقط، ولم ينتبه للرسائل مطلقا، حتى تغير مجرى البحث لموقع التغريدات القصيرة "تويتر" وتم إرسال العديد من الرسائل، ولم ينتبه أيضًا، في يوليو 2019، وصلنا لحساب "جيني آلان"، مديرة العلاقات العامة بمؤسسة خيرية لتخليد ذكرى "ديسموند"، وتحمست للفكرة وأرسلت إليها الأسئلة التي بدورها وجهتها لنجله، وتم الرد عليها في أغسطس نظرا لظروف سفره، حيث كان يحضر فعالية للمحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، وأوصى باستخدام الصور الخاصة بوالده من موقع دشنه خصيصا لتخليد ذكراه.

واحة سيوة التي كان لها نصيب من تاريخ الحرب العالمية الثانية، سطره الشيخ علي حيدة بحمايته أهل الواحة من جيوش دول المحور أثناء معركة العلمين، حيث استغرق الوصول لنجل الشيخ علي، 3 أشهر، عن طريق الشيخ عمر راجح، شيخ قبيلة أولاد موسى بواحة سيوة، والذي رشح أكثر من شاهد عيان على معركة العلمين وفترة الحرب العالمية الثانية بالواحات.

دونالد بلاتا، مهندس الطيران الأمريكي الذي هجر مهنته وسافر عبر 3 قارات لإخراج فيلم عن "الجنود المنسيون" في الحرب العالمية الثانية، بدأت محاولات الوصول إليه منذ شهر مارس 2019، رد على الرسائل في شهر مايو 2019، وأرسل لـ"الوطن" نسخة أصلية من فيلمه "جنود منسيون" عبر إحدى شركات الشحن الجوي، بعد تحمسه للفكرة.

خمسة أشهر كانت كافية للوصول إلى هارلد كاري جونيور، أحد أفراد قبيلة النافاجو، التي لعبت دورا تاريخيا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قامت بابتكار شفرة النافاجو، غير المكتوبة، التي رجحت كفة الولايات المتحدة الأمريكية في معاركها ضد الجيش الإمبراطوري الياباني، وتوصلنا إليه عن طريق "فيس بوك"، ويدير صفحة عن تراث قبيلته، وصرح لنا باستخدام صور من أرشيفه الخاص تعود لمقاتلي قبيلته أثناء الحرب.

ستة أشهر كاملة كانت المدة التي بحثت "الوطن" فيها عن بيتر نجل روبرت لويس، وتم الوصول إليه عن طريق سيدة أمريكية والدها رافق والده في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الفرنسية، وبعد التفاوض معه، أرسل نسخة ضوئية من المذكرات التي يدرسها للطلاب والتي تتحدث عن شجاعة والده في ميدان القتال، وسيرته الذاتية منذ أن كان طفلا صغيرا.

فيما استغرق التواصل مع متحف الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة الأمريكية شهر واحد عبر تبادل الرسائل بالبريد الإلكتروني، حيث تم التواصل في البداية مع مدير التسويق من خلال الصفحة الرسمية للمتحف على موقع "فيس بوك" وكان حلقة وصل مع مديرة المركز الإعلامي التي أرسلت إليها "الوطن" الأسئلة، وقامت بنقلها لمسؤولي المتحف.

كما تم التواصل مع مايك فان دي مارك، الذي تحولت دراسته للتاريخ إلى عشق توغل من خلاله في تفاصيل الأحداث، وأبحر في عالم خاص ربط به الإنسان بالزمان والمكان، تعامل مع الحرب العالمية الثانية كمجموعة من القصص المترابطة، ما جعله يؤسس مجموعة "الحرب العالمية الثانية والتاريخ العسكري"، التي أصبحت من أكبر المجموعات على "فيس بوك" من حيث عدد الأعضاء المنضمين، والأفضل لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مصداقية المعلومات عن المعارك والشخصيات المؤثرة في الحرب.


مواضيع متعلقة