معتز بالله عبدالفتاح يجيب عن السؤال: الغرب والإخوان: لماذا التقيا ولماذا سيفترقان؟

معتز بالله عبدالفتاح يجيب عن السؤال: الغرب والإخوان: لماذا التقيا ولماذا سيفترقان؟
قصة الدعم الغربى لحكم الإخوان غير مستساغة للعقل العربى الذى ظل طويلاً أسيراً لفكرة أن الغرب يكره الإسلام، واكتوى بنار «إرهاب» الإسلاميين، وهو جزء من نسق تاريخى معقّد تقف فيه العلمانية الغربية فى مواجهة الأصولية الدينية، إذن هو بالضرورة معاد للإسلام والإسلاميين. ولكن لغز الدعم الغربى للإخوان يحتاج أن نعود إلى الوراء قليلاً كى نفهم الأسباب الخمسة لدعم الأمريكان، ومعهم الغرب للإخوان.
أولاً: فشل المحافظين الجدد فى تحقيق «الأمن عن طريق الغزو، والإرهاب عن طريق الإرهاب»، وهى الصيغة التى تبنتها إدارة بوش على مدى ثمانى سنوات بغزو كل من أفغانستان والعراق، وشن حرب على الإرهاب فى كل بقاع العالم هى بذاتها خلقت نوعاً من الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان تحت اسم «الحرب على الإرهاب». حين جاءت إدارة كانت بحاجة لاستراتيجية جديدة تتبناها لمواجهة الدول التى ظنت أن الإرهاب فيها وليد التطرف والتطرف فيها وليد التسلط، وعلى رأسها المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، اجتهدت مراكز الأفكار الأمريكية الأكثر ليبرالية مثل ودرو ويلسون وكارنيجى للسلام الدولى والمركز الدولى للدراسات السياسية والاستراتيجية ومؤسسة السلام وعدد من الباحثين النشطين الذين حاولوا تقديم رؤية استراتيجية قائمة على أن الإسلاميين ليسوا سواء: «هناك إسلاميون معتدلون يمكن أن نعمل معهم بيزنس، وهناك إسلاميون متطرفون مكانهم الطبيعى إما السجن أو القبر». وأن أفضل من يمكن أن يقمع المتطرف هو المعتدل، وأن الديمقراطية لها تأثير اعتدالى يجعل المتطرف أكثر تسامحاً ورغبة فى البحث عن حلول وسط مع خصومه داخلياً وخارجياً؛ وأفضل ما يمكن أن يحقق مصالح المركز الغربى فى الهامش الإسلامى هو أن يسيطر على الهامش الإسلامى مركز إسلامى له علاقات طيبة مع المركز الغربى. ومن هنا افترض الأمريكان ما افترضه الكثير من الباحثين حسنى النية من العرب والمسلمين بأن الإخوان يمكن أن يكونوا «الوكيل المحلى المعتمد دولياً» لتحقيق المصالحة بين الإسلام (كهوية) والديمقراطية (كنظام حكم) والتحالف الاستراتيجى مع الغرب (كشبكة مصالح دولية). وما كانت تركيا تحت حكم أردوغان بعيدة على الإطلاق عن الأذهان الغربية وهى تخطط لمستقبل المنطقة. ومن هنا بدأ الباحثون الغربيون يزورون مصر فى مطلع الثورة ثم أعقبهم عدد من أهم موظفى الخارجية الأمريكية ومعهم أعضاء مجلس شيوخ بارزون مع جهد نشط للسفارة الأمريكية فى القاهرة، ونفس الكلام على مستوى الاتحاد الأوروبى للقاء قيادات الإخوان للتأكد من أن هذا التحالف الاستراتيجى ممكن. وحين عادوا إلى بلدانهم كانوا بالفعل مطمئنين بأن الإخوان هم رجالهم فى المنطقة بالاتفاق على عدة نقاط ورغبة فى تجنب عدة مزالق.[FirstQuote]
ثانياً: هناك «عُقدة إيران» و«عُقدة شيلى» و«عُقدة الفلبين».. هذه العُقد الثلاث أصبحت علامات فاصلة فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية؛ حيث تحول التدخل الأمريكى على عكس إرادة الناخبين فيها إلى رد فعلى عكسى ولَّد عداءً دامَ عقوداً لما نمَّ عنه من احتقار الإدارة الأمريكية لإرادة شعوب هذه الدول. لذا فأوباما قرر ألا يكون نيكسون الذى فقد شيلى أو كارتر الذى فقد إيران أو ريجان الذى فقد الفلبين بأن اختاروا أن يكونوا على الجانب الخاطئ من التاريخ، وفقاً للتعبير الأمريكى. ومن هنا تحولت المعادلة التى كانت تتبناها الولايات المتحدة فى عهود ما قبل أوباما والتى كانت تدعم أى نظام عربى يحقق هذه الخماسية:
“To keep Americans in٫ Israelis up٫ Islamists down٫ Iranians out٫ oil on”
وكانت تحديداً هذه هى طبيعة علاقة التحالف بين مبارك والإدارات السابقة على أوباما بأن يفعل كل ما فى جهده كى يظل للأمريكان موضع قدم فى المنطقة، ولإسرائيل علوُّ كعبها على جيرانها، والإسلاميون يظلون قابعين فى السجون، والإيرانيون بعيدون عن مناطق نفوذهم قدر الإمكان، ويظل النفط يتدفق. وحين خرجت تفاهمات «الشاطر - ماكين» لتؤكد نفس المعنى تحولت السياسة الخارجية الأمريكية فى اتجاه دعم الإخوان كشركاء جدد فى المنطقة. وهو ما رصدته أجهزة أمنية عليا فى مصر، ولهذا كان السبب فى أن الفريق عبدالفتاح السيسى قالها صراحة، إنه «لم ينسق» مع أحد خارجياً فى قراره فى الثالث من يوليو، لأنه يعلم أن علاقات التحالف بين الإخوان والغرب قد وصلت نقطة لا يمكن معها أن يقبل الغرب بخلعهم من السلطة.
ثالثاً: البراجماتية الغربية المعهودة قادت الغرب لأن يفكر بمنطق أن رقم اثنين يحل محل رقم واحد حال غياب هذا الأخير. الفريق الأول فى الدورى السياسى المصرى والعربى (الحكم العسكرتارى الاستبدادى) لآخر عدة عقود غاب عن الساحة بسبب الثورات والانتفاضات العربية، فمن المنطقى أن يحل محله الثانى. وهو ما يفهمه الأمريكيون جيداً. الإخوان فازوا فى كل الانتخابات التى دخلوها منذ اندلاع الثورة سواء كانت الاستفتاء أو انتخابات مجلسى الشعب والشورى أو الرئاسة. بل إن مراكز الأبحاث الغربية كانت تذكر صراحة أن آخر انتخابات نزيهة فى مصر فى عهد مبارك (2005) تغلب فيها الإخوان على الحزب الوطنى، ففى حين فاز الحزب الوطنى بحوالى ثلث المقاعد، فاز الإخوان بـ 73٪ من المقاعد التى جرى عليها التنافس النزيه فى الجولتين الأولى والثانية (88 مقعداً من 120). إذن فوز الإخوان بالانتخابات، من وجهة النظر الأمريكية، من حقائق مصر ما بعد الثورة، وبالتالى الرهان عليهم أفضل من الرهان على غيرهم لا سيما إن التزموا بما تعهدوا به.
رابعاً: عند الغرب، العدو المستقر الذى يمكن احتواؤه، أفضل من الحليف غير المستقر، وقطعاً أفضل من العدو الذى لا يمكن احتواؤه. لا تريد الولايات المتحدة، ولا أى دولة فى العالم الغربى، أن تكون مصر مثل باكستان حيث تكون الولايات المتحدة حليفاً للحكومة وعدواً للشعب إن هى رفضت إرادة الناخبين. احتواء دولة مثل مصر وهى مستقرة (أى لها عنوان واحد يمكن مراسلتها عليه وهو الحكومة المصرية) سيضمن استقراراً للمنطقة كلها، شريطة أن يمكن احتواؤها. كيف؟ الولايات المتحدة تعرف ما الذى تريده من مصر، والإخوان أبدوا استعداداً للتلاقى مع الولايات المتحدة على هذه الأمور. الأمريكان مستعدون للتعاون مع أى حكومة تستوفى خمسة شروط: تحقق أمن إسرائيل، تقاوم القوى المناوئة للغرب فى المنطقة (وعلى رأسها إيران)، تضمن العبور الآمن فى قناة السويس، تلتزم بأى صيغة من صيغ اقتصاد السوق، تلتزم بالحقوق والحريات الأساسية للمرأة والأقليات ليس عن التزام حقيقى بهذه الحقوق من قبَل الولايات المتحدة ولكنها الأداة الأسهل لشيطنة نظم الحكم التى لا تلتزم بها.
خامساً: الأمريكان يعرفون المأزق الاقتصادى الذى تمر به مصر ويريدونه أن يستمر حتى يستمر اعتماد مصر على المعونات الخارجية: ناس كثيرة وموارد قليلة وسوء إدارة لكل منهما. إذن لا ينبغى أن تغرق مصر، لا بد أن تطفو فقط، ولكن لا بد ألا تسبح بسرعة عالية حتى لا تكون مركز قوة فى منطقة تبحث عن زعامة إقليمية؛ من وجهة نظر الغرب لا بد أن تظل رجل المنطقة المريض، لا تصح ولا تموت، لا بد أن يكون سكانها كثيرين وغير متعلمين وأن تتسول من الآخرين. وهذا مضمون من وجهة نظر الأمريكان، ولن يستطيع الإخوان تغييره لأنهم لا يملكون الكوادر لتحقيق نهضة حقيقية؛ فهم يحكمون مصر ولن ينهضوا بها، وهذا يتناسب مع المصالح الأمريكية.
يبقى الجزء الآخر من العنوان: لماذا سيفترقان؟ لأن الشعب المصرى الذى انتفض فى يونيو 2013 قرر أن يفض هذه الزيجة الإخوانية - الأمريكية المكتوبة على شهادة وفاة استقلال القرار الوطنى المصرى وأن يعيد الكرة إلى الشعب المصرى مرة أخرى كى يقرر مصيره بنفسه.
سيحمرّ وجه البيض الأبيض قليلاً، ثم سيهدأون ويبدأون فى البحث عن طريقة جديدة للتعامل معنا: وكما قال ونستون تشرشل: «الأمريكيون سيفعلون الصواب فى النهاية، لكن بعد أن يجربوا كل البدائل التعيسة».
الأخبار المتعلقة:
د. عمار على حسن يتساءل: «الفوضى الخلاقة».. هل هى قابلة للتطبيق فى مصر؟
مصطفى كامل السيد: «الشرق الأوسط الكبير».. أكذوبة
«رالف بيترز»: حدود أفريقيا والشرق الأوسط هى الأكثر عشوائية وتشوهاً فى العالم
الفنان صلاح السعدنى: تكاتف لصد العدوان
عبدالله السناوى: ارتباك ضياع الحلم
الدكتور أحمد بهاء الدين شعبان : خلق نظم استبدادية
جمال طه يكتب: «ديفيد ساترفيلد» واستكمال الدور التخريبى للسفارة الأمريكية فى القاهرة
برنارد لويس.. محو الحدود الحالية بـ«أستيكة» وتقسيم المنطقة إلى 52 دولة
جهاد الخازن: أمريكا وإسرائيل كانتا تخططان بدعم الإخوان لتحويل مصر إلى أفغانستان جديدة
الدكتور حسن نافعة: مشروع متناقض
مظهر شاهين : الهدف: دويلات متحاربة
محمد العدل: المصريون أسقطوا المخطط
سياسة «أوباما» فى سوريا كما صاغها «دانيال بايبس»: لا تحسم المعركة وادعم الخاسر لإطالة أمد الصراع
سعيد السريحى: ثورة 30 يونيو أربكت مشروع «الشرق الأوسط الجديد»
«جيورا إيلاند».. حل أزمة «حق العودة» على حساب الأرض المصرية
فاطمة ناعوت: التفتيت الطائفى
يوسف القعيد: مصيرهم الفشل
عماد جاد: الهدف.. فوضى
«لاءات» مصر والسعودية فى وجه «واشنطن»: «لا» لهيمنة إيران وتركيا.. «لا» لتدمير الجيش المصرى.. و«لا» للقضاء على «السنة»
أحمد أبوالغيط: مصر تخوض معركة كبرى ضد الغرب.. وستنتصر
«سايكس - بيكو»: «حدود» على عجل.. وبالقلم الرصاص
مكرم محمد أحمد: 30 يونيو مفاجأة مزدوجة
محمد صبحى: مخطط استعمارى
عبدالرحمن الأبنودى: المؤامرات لن تنتهى
د. حسن أبوطالب يرصد القصة الكاملة: الفشل الأمريكى من «الكبير» إلى «الموسع الإسلامى»
المؤامرة.. هكذا يريدون «الشرق الأوسط الجديد»