د. حسن أبوطالب يرصد القصة الكاملة: الفشل الأمريكى من «الكبير» إلى «الموسع الإسلامى»

د. حسن أبوطالب يرصد القصة الكاملة: الفشل الأمريكى من «الكبير» إلى «الموسع الإسلامى»
يمثل الشرق الأوسط، كمنطقة جغرافية وحضارية وذات موارد اقتصادية معتبرة، همَّاً ثقيلاً لكل القوى الكبرى فى العالم، وعبر التاريخ الإنسانى يظهر الشرق الأوسط، لاسيما المنطقة الممتدة من ليبيا غرباً إلى الخليج العربى شرقاً إضافة إلى المشرق العربى المعروف تاريخياً بالشام وبلاد الرافدين، باعتباره مركز الأحداث الدولية والصراعات والمُحدد الأكثر أهمية للقوى المنتصرة عالمياً.
بيد أن المنطقة بشعوبها وحضارتها وتاريخها كانت وما زالت عصية على الخطط والمؤامرات بكل أشكالها، وما زالت تدفع ثمناً باهظاً للدفاع عن نفسها واستقلالها وعن أسلوبها فى الحياة وعن هويتها التى ارتضتها لنفسها طواعية. والمؤكد أن الخطط الدولية للهيمنة على المنطقة وتوجيه دفتها بما يخدم مصالح القوى الكبرى ستظل مستمرة، وفى القلب من هذه الخطط أمران متكاملان؛ الأول أن يشيع التشرذم والتفتت بين شعوب الإقليم على نحو يستنزف قدراتها ويجعلها دائماً بحاجة إلى المساندة والدعم من القوى المهيمنة على النظام الدولى وحلفائها الأساسيين فى الإقليم، والثانى ألا تخرج قوة إقليمية من رحم المنطقة يمكنها أن تقودها باستقلالية وتجانس ذاتى نحو الوحدة وبحيث تصبح رقماً أساسياً فى النظام الدولى، وبما يربك خطط القوى الكبرى.
وإذا كانت خطط الغرب المُعلنة تنطلق أساساً من الحفاظ على مصالحهم، وهو أمر مفهوم، فإن المثير للشفقة والاستياء أن يوجد بين شعوب المنطقة، من الجماعات والفصائل والمنظمات سواء دينية أو غير دينية، من يقومون بالمشاركة فى تنفيذ هذه الخطط الغربية على حساب شعوبهم وتاريخهم وهويتهم، رغم أن التاريخ يؤكد أن ذكر هؤلاء يأتى دائماً مُكللاً بالعار والإدانة.
بوش الابن والشرق الأوسط الموسع
أخذ مصطلح الشرق الأوسط يمثل بؤرة مركزية فى سياسات الرئيس الجمهورى الأسبق بوش الابن، حين طُرح للمرة الأولى كاستراتيجية للرد على ما اعتبرته الدوائر الأمريكية محفزات وأسباب الهجوم الإرهابى الكبير الذى تعرضت له الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001.
كان هجوم القاعدة فى سبتمبر 2001 على كل من نيويورك وواشنطن، حافزاً لإثارة تساؤل كبير داخل مراكز صنع القرار والسياسة والإعلام الأمريكية، وهو: لماذا يكرهوننا ومن ثم يقومون بأعمال إرهابية ضدنا؟ وقد فسّر الكثيرون هذا التساؤل باعتباره يطرح إشكالية كراهية المسلمين والعرب للحضارة الأمريكية والغربية. وبالرغم من الخطأ المنهجى الجسيم فى طرح هذا التساؤل، لكنه أصبح الهاجس المسيطر على عقول صانعى القرار الأمريكيين خاصة والغربيين عامة بعد 11/9. وجاءت الإجابات فى صورة مبسطة وسطحية، تمثلت فى أن المسلمين يكرهون الولايات المتحدة لأنها الأفضل والأكثر تقدماً والأكثر نفوذاً، ولما كان المسلمون وفقاً لتلك الإجابة السطحية أكثر تخلفاً وأكثر سوءاً، ولا يستطيعون مجاراة الحضارة الغربية وتقدمها العلمى ونفوذها العالمى، فلم يجدوا سوى الإرهاب والقتل والترويع. ثم تطورت الإجابة إلى أن أسباب هذا الإرهاب مرتبطة بعوامل هيكلية فى بنية الفكر والمجتمعات الإسلامية ذاتها، ومن ثم فإن حماية الحضارة الغربية تتطلب اتخاذ وتطبيق سياسات واستراتيجيات لتغيير البنيات الهيكلية فى المجتمعات العربية والإسلامية، تحت مسمى الإصلاح السياسى والاقتصادى وتغيير التعليم وتمكين المرأة. وهى المجالات الأربعة التى ركزت عليها خطة الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا.
افتراض صحيح وإجابة خاطئة
وبالرغم من صحة الافتراض بأن العالم الإسلامى وفى قلبه العالم العربى بحاجة إلى إصلاحات كبرى فى مجالات السياسة والاقتصاد والمرأة والتعليم، إلا أن الإجابة الأمريكية والغربية لم تخرج عن كونها إجابة سطحية وهامشية لأنها لم تشمل المسئولية الغربية عن الانتهاكات الجسيمة التى قام بها الغرب إجمالاً ضد شعوب المنطقة، ولم تعبّر عن أى نقد ذاتى نتيجة السياسات التى طبقها الغرب ومعاييره المزدوجة وانحيازاته الشريرة والتى مثّلت وما زالت أساس الغضب العربى والإسلامى تجاه الولايات المتحدة.
وفى ضوء النتائج المتواضعة لخطة الشرق الأوسط الكبير فى أعوامها الثلاثة الأولى، اتخذت إدارة بوش خطوة أكثر هجومية، تمثلت فى المفهوم الذى طرحته كوندليزا رايس وهو الفوضى الخلاقة، الذى بررت به العدوان الإسرائيلى على لبنان صيف 2006. ومرة ثانية قاد فشل العدوان الإسرائيلى على لبنان إلى ارتداد نتائج الفوضى الخلاقة على التخطيط الاستراتيجى الأمريكى نفسه.
التمهيد للشرق الأوسط الإسلامى
وفى ضوء كل هذه الملابسات والتحولات، اهتمت مراكز التخطيط الاستراتيجى فى الولايات المتحدة بقضية اكتشاف وفهم ديناميات العمل السياسى والدينى فى مجتمعات الشرق الأوسط، والتعرف على خريطة القوى الإسلامية وتصنيفها، وبيان كيف يمكن أن تلعب بعض هذه القوى أدواراً رئيسية فى تنفيذ مخططات الهيمنة الأمريكية على المديين القصير والطويل معاً.
ومن أهم الدراسات فى هذا الشأن، والتى مهدت إلى ما يسمى بالشرق الأوسط الإسلامى وفقاً للمنظور الأمريكى، تلك الدراسة التى أعدها مركز راند للأبحاث، بطلب خاص من القوات الجوية الأمريكية، لدراسة الاتجاهات التى من المحتمل أن تؤثر على المصالح والأمن الأمريكى فى العالم الإسلامى. واستناداً إلى هذه الدراسة، وفى مارس 2004، نشر مركز راند دراسة بعنوان «إسلام الديمقراطية المدنية: الشركاء، الموارد، والاستراتيجيات» والذى دعا إلى دعم ومساندة من وصفهم بالمسلمين المعتدلين فى مواجهة الأصوليين والتقليديين، ودفع الصوفية لتشكل ما سمى بصيغة إسلام اقتصاد السوق.
تطورت هذه الأفكار لاحقاً، وعبر دراسة ثانية نُشرت فى 2007 ركزت على رسم خريطة معرفية وسياسية وحركية للقوى الرئيسة فى العالم الإسلامى، بغرض تحديد أى القوى الإسلامية التى يمكن للولايات المتحدة أن تتحالف معها، ضد القوى الأخرى، وهى الدراسة التى قامت على فكرة أن العالم الإسلامى ينقسم بين معتدلين ومتطرفين، وللولايات المتحدة أن تتحالف مع المعتدلين من أجل محاصرة وتقليل نفوذ المتطرفين.
ولبناء هذه الشراكات تم التعاقد مع عدد من المنظمات الأمريكية غير الهادفة للربح لكى تقوم بمهمة بناء الشراكات فى العالم الإسلامى. وهى المؤسسات التى قامت بدور فعال فى الحوار مع المنظمات والقوى الإسلامية بهدف اكتشاف أى منها يصلح لخدمة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى بناء شرق أوسط إسلامى. ووقع الاختيار بالفعل على جماعة الإخوان المسلمين، خاصة فى مصر، لكى تلعب دوراً رئيسياً فى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.
ظلت المشكلة، من وجهة نظر مخططى الاستراتيجيات الأمريكية، كامنة فى طبيعة القوى الإسلامية نفسها والتى ليست لديها أية مسوغات ديمقراطية، وإلى أى مدى يمكن الوثوق فيها والتعاون معها فى بناء التحالفات والشبكات لردع ثم محاصرة القوى الراديكالية. ومن هنا حدث التركيز على فكرة تقديم نموذج ديمقراطى فى بلد مسلم، على أن يتم تسويقه فى الشرق الأوسط الإسلامى، وتعطى له القيادة لجذب الحالات الأخرى. ورئى أن تركيا فى ظل حكم العدالة والتنمية يمكنها أن تكون هذا الطرف القائد الإقليمى. وبالفعل أثلج هذا الاختيار رئيس الوزراء أردوغان، الذى كان يحلم بقيادة الشرق الأوسط كله واستعادة المجد العثمانى فى ظل بيئة دولية مختلفة، وتحت رعاية أمريكية وغربية غير مسبوقة. وبالتالى اجتمع النموذج التركى مع حكم الإخوان فى مصر، وجزئياً فى تونس، فيما رأى البيت الأبيض أنه يقترب بالفعل من الشرق الأوسط الإسلامى المصنوع أمريكياً.
أسباب الفشل والخسارة
وكما كان الفشل من نصيب الشرق الأوسط الكبير ثم الموسع، فشل أيضاً مشروع الشرق الأوسط الإسلامى. فقد سقط حكم الإخوان بثورة شعبية مصرية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، وظهرت حقيقة النموذج التركى الذى لم يعد نموذجاً قابلاً للمجاراة أو القيادة الإقليمية. وبات على الأمريكيين استيعاب الدروس الكبرى.
وهكذا كانت المقاومة الشعبية المصرية لحكم الإخوان الساعى لجعل مصر دولة تابعة بصورة مزدوجة، للوسيط التركى الإقليمى والراعى الأمريكى الدولى، السبب الرئيس فى إجهاض مشروع الشرق الأوسط الإسلامى، الذى عوّل عليه أوباما كثيراً لتشكيل تحالفات جديدة وغير مسبوقة، تضرب فى الصميم التحالفات التاريخية للغرب فى الشرق الأوسط ككل، وتحقق هيمنة أمريكية بشعارات إسلامية.
الأخبار المتعلقة:
د. عمار على حسن يتساءل: «الفوضى الخلاقة».. هل هى قابلة للتطبيق فى مصر؟
مصطفى كامل السيد: «الشرق الأوسط الكبير».. أكذوبة
«رالف بيترز»: حدود أفريقيا والشرق الأوسط هى الأكثر عشوائية وتشوهاً فى العالم
الفنان صلاح السعدنى: تكاتف لصد العدوان
عبدالله السناوى: ارتباك ضياع الحلم
الدكتور أحمد بهاء الدين شعبان : خلق نظم استبدادية
جمال طه يكتب: «ديفيد ساترفيلد» واستكمال الدور التخريبى للسفارة الأمريكية فى القاهرة
برنارد لويس.. محو الحدود الحالية بـ«أستيكة» وتقسيم المنطقة إلى 52 دولة
جهاد الخازن: أمريكا وإسرائيل كانتا تخططان بدعم الإخوان لتحويل مصر إلى أفغانستان جديدة
الدكتور حسن نافعة: مشروع متناقض
مظهر شاهين : الهدف: دويلات متحاربة
محمد العدل: المصريون أسقطوا المخطط
سياسة «أوباما» فى سوريا كما صاغها «دانيال بايبس»: لا تحسم المعركة وادعم الخاسر لإطالة أمد الصراع
سعيد السريحى: ثورة 30 يونيو أربكت مشروع «الشرق الأوسط الجديد»
«جيورا إيلاند».. حل أزمة «حق العودة» على حساب الأرض المصرية
فاطمة ناعوت: التفتيت الطائفى
يوسف القعيد: مصيرهم الفشل
عماد جاد: الهدف.. فوضى
«لاءات» مصر والسعودية فى وجه «واشنطن»: «لا» لهيمنة إيران وتركيا.. «لا» لتدمير الجيش المصرى.. و«لا» للقضاء على «السنة»
أحمد أبوالغيط: مصر تخوض معركة كبرى ضد الغرب.. وستنتصر
«سايكس - بيكو»: «حدود» على عجل.. وبالقلم الرصاص
معتز بالله عبدالفتاح يجيب عن السؤال: الغرب والإخوان: لماذا التقيا ولماذا سيفترقان؟
مكرم محمد أحمد: 30 يونيو مفاجأة مزدوجة
محمد صبحى: مخطط استعمارى
عبدالرحمن الأبنودى: المؤامرات لن تنتهى
المؤامرة.. هكذا يريدون «الشرق الأوسط الجديد»