كنت تحدثت في حديثي السابق عن رحلة مراكش وملابسات الرحلة من مهرجان التحكيم الذي دعيت إليه، ورحلة مراكش، وظهور شخصية ما أثرت في بشكل كبير، وحركت في مشاعر الحب من أول نظرة، وعودتي إلى كازابلانكا استعدادا للسفر إلى القاهرة، ثم جاءت المفاجاة، وهي مجيئها خلفي لقضاء اليوم الأخير معي قبل عودتنا، كل منا إلى بلده.
وها أنا ذا أنظر في ساعة يدي، وإلى الساعة الفخمة المعلقة ببهو الفندق.. هذة المرة أنا من انتظر في البهو بعد اتصال الشخصية بي، حيث أخبرتني بأنها في انتظاري بالفندق في كازابلانكا.
استيقظت مبكرا، فاليوم هو اليوم الأخير لي، وغدا أرحل إلى القاهرة في الصباح الباكر، ذهبت والسعادة في عيني لأني سأرى الشخصية مرة أخرى.. ونزلت للبهو بزي أسود منقوش بالأبيض وقصة شعر جديدة كالعادة، ومعها سيدة عجوز أدركت لاحقاً أنها الأم، تتحدث العربية بصعوبة لكونها فرنسية، وألقت علي تحية الصباح وطلبت منا العودة مبكرا للتحضير للعوده إلى الجزائر مثلي في الصباح، وانطلقنا لا ندري أين سنذهب ولا أين تأخذنا أرجلنا.. ذهبنا متشابكي الأيدي إلى سوق يقال له السوق القديم بكازابلانكا، ولم نمضي إلا القليل، فأذن المؤذن لصلاة الجمعة، وهناك يصلي الجميع سويا في الطرقات بالمدينة القديمة وسط الملابس الملونة وقطع النحاس الأثرية، والمآذن المبهرة، وشربنا القليل من الشاي المغربي ثم انطلقنا.
أخبرتها أني أريد رؤية مسجد الحسن الثاني، فإذا بها تقول "الوقت ضيق هيا.. تاكسي"، وركبنا وانطلقنا لنزور المسجد الأروع في شمال إفريقيا، حيث بني على لسان داخل البحر، تضربه الأمواج من كل الجوانب لتصعد على الجدران والزجاج الملون، في مشهد يمزج بين جمال الطبيعة، وعظمه الله، وفن البنيان، وأخبرتني الشخصية أن كل مغربي شارك في هذا البناء، لأنه فتح التبرع له، وكل متبرع يحصل على شهادة أنه شارك في بناء المسجد، يعلقها في منزله، وهو أمر لا يوجد ما هو أروع منه.
خرجنا بعد ذلك للتوجه إلى مول المغرب على ساحل المحيط للغذاء سويا، وأثناء تحدثنا اكتشفنا أننا مشينا مسافة طويلة، لم نشعر بشيء، وأثناء سيرنا مررنا بحزيرة في المحيط، وقالت لي وقد انتابتها نظرة حزن غريبة إنها تعرف هذة الجزيرة جيدا، فقلت لها "ما هذه الجزيرة؟"، قالت إنها جزيرة للسحرة، بها مقام كبير ويسكنها السحرة منذ قديم الأزل، ولا يذهب إليها شخص إلا لو كان مدعوا منهم، قلت لها "كيف.. أنا لست مدعوا ولكني أريد الذهاب"، قالت لي الشخصية "إذا تيسر الذهاب إذن نحن مدعوان"، واتجهنا إلى هناك وهي تقول لي إنها جاءت منذ سنة بسبب ضعف شديد انتابها ولم يستطع الطب إيجاد علاج لها، وعرفت فيما بعد أنه نفر من الجن أحبها، وتم تدبير سحر لها بهذة الجزيرة، ولا بد من الذهاب إليها لفك السحر، وقد تم، وظلت تخرج من أحشائها سائلا أسود بكميات كبيرة، وبعدها أحست بتغيير وتحسن، ولكن تظل الأعراض تلاحقها، الهزال والمرض والحرارة كلما قررت الخوض في قصة حب جديدة، نظرت في عيني ومنها للأرض، ووصلنا إلى داخل الجزيرة والنظرات تلاحقنا، متوجهين للمقام لقراءة الفاتحة على ضريح الشيخ الغريب "سيدي عبدالرحمن"، وهناك.. ظهرت سيدة عمياء في أواخر السبعينات وقالت "أهلا بالممتل" وليس الممثل.. نظرنا حولنا للتأكد وقالت "أجل أنت.. تعالى أنا ستيتة.. أسموني هكذا لأني ولدت بستة أصابع"، وأظهرت كفها لنا وقالت "ولا أريد منك شيئا غير قراءة البشعة لك"، وهنا تحدث معها الشخصية بلغه غريبة أقرب للأمازيجية، وقالت لها "أنتِ تعرفينه؟"، قالت "أنا دعوته"، وأدخلتنا بيتها الذي هو عبارة عن عش من الخوص والقماش على شاطيء البحر، وطلبت مني إحضار القليل من ماء البحر، وهو ما فعلته، وألقت به ما يشبه القصدير السائل وهي تقرأ القرآن متمتة، ثم تحول القصدير إلى شيء صلب له أشواك عديدة، وأمسكت به وبيدي، وقالت بصوت أجش "حافظ علي أخواتك البنات.. هم منك.. وستذهب بأمك للحج"، ثم قالت بصوت مرتفع "تم فمك"، بمعني أغلقه، وقلت "كيف؟"، قالت "الخير يأتيك كثير.. وينصرف عنك بسبب حكيك عنه للناس التي لا تتمنى الخير لك".. ثم أخبرتها الشخصية بما حدث معها منذ سنة، فقالت لها ستيته "اذهبي للجنوب.. إلى مدينة أغادير.. علاجك هناك"، لأن الأمر الذي حدث معها أكبر من سلطانها، وخرجنا ناظرين حولنا وستيتة تقول للناس وتحدث القطط الجالسة بجوارها "إنه الممثل الذي صور فيلماً كاملا في البحر.. ها هو قد أتى"، وهنا أدركت أنها تتحدث عن فيلم أمير البحار، قلت لها "لقد انتهيت من هذا الفيلم منذ 7 سنوات"، فقالت "ولقد دعوتك منذ ذلك الحين".
خرجنا مسرعين أنا والشخصية ناظرين حولنا وقلبي يخفق بشدة، وهي تقول لي "الحمد لله أننا خرجنا سالمين"، وتوجها مسرعين إلى منزل النجمة سميرة سعيد قبل توجهها للحفلة المقامة بمازاجان، ورحبت جدا بي وبالشخصية التي أعجبت بأسلوبها، وقالت لي سميرة باللفظ إنها "ماتتفوتش"، حكيت لها ما حدث بالجزيرة لكنها نبهتني ألا أفعل ذلك مرة أخرة، لأن القرآن علاج لأي سحر أو حسد أو مس، وقالت إن الله لا يخلق الداء إلا ومعه الدواء، ونصحتني باستخدام ملح البحر في المنزل لأثره القوي على إحداث حالة من السلام والطاقة الإيجابية والطمائنينة، وشكرناها وتوجهنا جميعا إلى الحفل بصحبة حكمت صديقتي وصديقة سميرة المقربة، وكان الحفل أكثر من رائع، ولكننا نظرنا لبعضنا البعض وتسللنا إلى الخارج، ثم لشاطيء المحيط المطل على مزاجان، ياه.. ما أجمل منظره.. ما أجمل رائحته.
ركضنا على الشاطيء بعد خلع الأحذية، وظللنا نلملم الحجارة الملونة الغريبة وقطع الملح الكبيرة ووضعناها في جيوبنا ونحن نضحك، على أمل أنها تبطل أي أثر للسحر المحيط بها، وتجمعنا سويا مره أخرى، وتشابكت الأيدي على غروب الشمس، مع أنغام أغنية (أنا مش إلك) لجوليا بطرس، والأمواج ترتطم بأرجلنا ونحن ندرك أن الأغنية رسالة موجهة لكلينا، وأن القصة لا بد أن تنتهي.. وانتهت.
toute à l'heure
يمكنكم التواصل مع الكاتب من هنا
https://www.facebook.com/hossam.dagher.1