نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار يجيب فى حوار لـ«الوطن» عن سؤال المرحلة: كيف يمكن تخفيض سعر العملة الأمريكية؟

كتب: إسماعيل حماد

نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار يجيب فى حوار لـ«الوطن» عن سؤال المرحلة: كيف يمكن تخفيض سعر العملة الأمريكية؟

نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار يجيب فى حوار لـ«الوطن» عن سؤال المرحلة: كيف يمكن تخفيض سعر العملة الأمريكية؟

قال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن مشكلة النقد الأجنبى التى تواجه الاقتصاد المصرى تتمثل فى عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده من العملة، وارتفاع الاستيراد.

ووضع «عادل»، فى حوار خاص لـ«الوطن»، استراتيجية متكاملة لحل أزمة الدولار تشمل 3 محاور أساسية تتمثل فى تنمية الصادرات، والتعامل مع الدين العام المتنامى، وتنمية الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادى، بالإضافة إلى طرح 10 إجراءات عاجلة لتحقيق إصلاح اقتصادى قوى يضمن تحقيق تنمية مستدامة وتوسيع برامج حماية المواطن البسيط. {left_qoute_1}

■ كيف تصف تطورات مشكلة النقد الأجنبى فى الوقت الحالى؟

- الأساس فى الأزمة الحالية سواء على المستوى النقدى أو الاقتصادى هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع إيرادات الصادرات وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء مما يضطر الدولة لاستيرادها وأيضاً اعتماد الكثير من الصناعات القائمة على المدخلات المستوردة وضعف المكون المحلى بنسب متفاوتة تصل فى بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة.

■ من وجهة نظرك، كيف يمكن علاج هذه المشكلات؟

- يستلزم علاج هذه المشكلات إقامة تنمية صناعية مستدامة فى ظل هيكلة اقتصادية قد يمتد تنفيذها لعدة سنوات لإقامة صناعات للإحلال محل الواردات من ناحية وتنمية التصدير من ناحية أخرى، وتظهر بوادر هذه الاستراتيجية حالياً فى استراتيجية تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإقامة تجمعات زراعية تصنيعية متكاملة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان.

ولتعظيم النتائج، سيكون من المفيد اتباع استراتيجية لسياسة نقدية مرنة تساهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى قدرتها على تجميع فائض المدخرات من القطاعات الاقتصادية المختلفة لإعادة توظيف هذه المدخرات فى تمويل عمليات الاستثمار والتبادل التجارى مع ربط معدلات التوسع النقدى بمعدلات لنمو الدخل المحلى الإجمالى وتحقيق التوازن الداخلى والخارجى على السواء والمحافظة على استقرار سعر صرف حقيقى وأن تتواءم وتتفاعل ديناميكياً السياسة النقدية مع باقى السياسات الاقتصادية وتحقيق أهدافها بأقل اختلافات ممكنه وتحقيق أقصى ما يمكن من استفادة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية من خلال إطار مؤسَّسى للدولة.

■ ما التحديات التى تواجه الإجراءات الاقتصادية الأخيرة؟

- الإجراءات الاقتصادية الأخيرة تواجه معضلة أنه ما زال الطلب المحلى هو المحفز الأساسى للنمو الاقتصادى فى مصر منذ سنوات طويلة وفقاً لوزارة التخطيط وهو ما يتماشى مع الاتجاه العالمى الذى بدأت دول مثل الصين والولايات المتحدة فى اتباعه نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، مما يدفع الدول للاعتماد على الطلب المحلى لزيادة معدلات النمو بعد أن تراجعت الاستثمارات الخارجية وحجم الصادرات فى هذه الدول. {left_qoute_2}

لكن الوضع المصرى يعكس طبيعة مختلفة تماماً اقتصادياً فمعدل الاستهلاك قد تجاوز 94% خلال العام المالى 2015/2016 وهو ما أدى إلى بلوغ الفجوة الادخارية 9.2% حيث بلغ معدل الادخار 5.8% فقط مقابل 15% معدل الاستثمار، ويستدعى هذا الوضع التوجه الاستراتيجى لتقليل الاعتماد على الاستهلاك كمحفز شبه كلى للنمو والاعتماد على محركات أخرى للنمو مثل الاستثمار والصادرات كمحفزات.

■ إذن، إجراءات البنك المركزى وحدها لن تكون كافية لحل المشكلات الاقتصادية؟

- أؤكد أن إجراءات البنك المركزى لن تكفى وحدها لمعالجة الأزمة الاقتصادية ولا بد من وجود سياسة مالية واستثمارية رشيدة ومحفزة لمساعدة المتضررين من محدودى الدخل، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح اختلال هيكل ميزان المدفوعات الناجم عن خلل الميزان التجارى، وإعادة النظر فى سياسة التصدير وتنافسية الصادرات المصرية.

{long_qoute_1}

■ يبقى السؤال الحالى هو كيف نعالج ارتفاع أسعار الصرف للعملات الأجنبية أمام الجنيه؟

- الإجابة عن هذا السؤال تتركز فى العمل على ثلاثة محاور رئيسية هى: تنمية الصادرات، والتعامل مع الدين العام المتنامى، وتنمية الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادى.

■ إذن، ما رؤيتك لتنمية الصادرات بصورة فعالة؟

- إن تنشيط الصادرات بصورة فعلية يجب أن يتم من خلال صورة متكاملة لمنظومة التصدير تبدأ من تحديد المستهدفات التصديرية والعمل على فتح أسواق جديدة بصورة متكاملة وتسهيل خطوات نقل البضائع عن طريق إنشاء شبكة طرق برية ونهرية وتدشين خطوط ملاحية وجوية منتظمة وإقامة مراكز لوجيستية تمثل المحور الرئيسى لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بالإضافة إلى وضع برنامج يحمل شعار «التصدير أولاً» يشمل منظومة متكاملة لدعم الصادرات، ومعالجة المشكلات الموجودة فى عمليات الرد الضريبى وتحسين المواصفات القياسية المصرية فى أسواق الصادرات مع السعى لزيادة الصادرات من الخدمات و«السلعية». {left_qoute_3}

ويجب تحديد القطاعات التى ستطبق عليها المنظومة الجديدة من خلال تحديد الفرص الاستثمارية فى كل قطاع ومدى إمكانية رفع حجم صادراته من خلال هذه المنظومة فقطاعات مثل الأسمدة يمكن أن تدرج ضمن المنظومة لفترة مؤقتة بهدف فتح أسواق جديدة فقط خاصة أنها لا تحتاج لمساندة تصديرية يمكن توجيهها إلى قطاعات أخرى.

■ بالانتقال إلى المحور الثانى فكيف يمكن التعامل مع ملف الدين العام الذى تزايد مؤخراً؟

- لن يتوقف الدين العام عن النمو مع وجود عجز فى الموازنة، وسيستمر ذلك العجز إلا إذا زادت المتحصلات الضريبية عن الإنفاق العام بقيمة أكبر من مدفوعات الفائدة على الدين القائم، وبصورة عامة كلما ارتفع الدين العام زادت مدفوعات الفائدة، ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها، يرتفع عجز الموازنة.

وبهذا المنطق يتبين لنا أن الدين العام يغذى نفسه بنفسه، وكلما زاد حجمه كان تخفيض حجم الإنفاق العام وزيادة المتحصلات الضريبية المطلوبة لضبط وإيقاف نمو هذا الدين أمراً صعباً ومؤلماً، حتى يصل الأمر إلى نمو متسارع فى الدين العام بصورة لا يمكن معها ضبطه أو التحكم فيه.

وتمثل أدوات الدين المحلى نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفى، فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل، وهو الدور الرئيسى المعنى به البنوك كوسيط مالى لتوظيف ودائعها فى مشروعات تحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد، وعلى الرغم من استمرار وزارة المالية فى زيادة السندات ذات الآجال المتوسطة فى مقابل أذون الخزانة ذات الآجال القصيرة وبناء منحنى عائد لإصدارات الحكومة، من خلال إصدارات منتظمة لآجال مرجعية (1.5، 3، 5، 7، 10 سنوات) وإعادة فتحها لخلق سيولة فى جانب المعروض من السندات؛ إلا أن نشاط السوق الثانوية لسندات الخزانة ما زال ضعيفاً حيث يبلغ النشاط نسبة 1.1% من إجمالى الإصدار، وذلك حتى فى ظل زيادة المعروض من الإصدارات بالإضافة إلى تركز المستثمرين على سندات الخزانة.

ومن أهم المشكلات فى عملية إعداد الموازنة أنها لا تتضمن وضع سقوف للإنفاق للقطاعات المختلفة التى تقدم موازناتها لوزارة المالية، وهو ما يتسبب فى عدم تحديد أوجه الإنفاق وأولوياته، ونشير إلى أن منشور الموازنة الذى يتم توزيعه لا يتضمن أى قواعد مالية لوضع حد أقصى للإنفاق، وعجز الموازنة، أو الاقتراض الحكومى، وهو ما ينتج عنه اعتماد عملية إعداد الموازنة على تفاوض الجهات الموازنية مع وزارة المالية لتحديد مخصصاتها والموازنات المقترحة من الجهات المختلفة.

■ وماذا عن المحور الثالث الذى يتعلق بملف تنمية الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادى؟

- إن المنظومة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار والمرتبطة بإجراءاته تحتاج إلى عملية مراجعة شاملة بدءاً من ضرورة العمل على التأسيس الإلكترونى للشركات وخفض فترة التأسيس وضغط إجراءاته مروراً بتعديل فى تشريعات تأسيس الشركات وإجراءاتها وضوابط حوكمتها وخطوات إنجاز التعاقدات معها وآلية تخصيص الأراضى وتوصيل المرافق وصولاً إلى تصحيح المنظومة الضريبية وإعادة ضبط منظومة التخارج من السوق وقوانين الإفلاس ووضع آلية ناجزة لفض المنازعات الاستثمارية ويظل أبرز تعديل تشريعى مطلوب مراجعته هو قانون الاستثمار الحالى بحيث يعكس رؤية الدولة المستقبلية للاستثمار ويتلافى العيوب التى ظهرت فى التطبيق بعد التعديلات التى جرت عليه فى مارس 2015 ولم تنتج الآثار المتوقعة منها حتى الآن خاصة فى ظل عدم إطلاق خريطة واضحة للاستثمار فى مصر.

ويجب الأخذ فى الاعتبار أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة أو للأزمة المالية العالمية التى تلوح فى الأفق فحسب بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار ومعالجة معوقاته والقضاء على التشابكات الإدارية وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات رغم الجهود الإصلاحية التى تتم على هذا المستوى لاحقاً.

■ كيف يمكن أن تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى النمو الاقتصادى؟

- إن منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المسئولة عن رفع مستهدفات النمو الاقتصادى فى الأساس تحتاج إلى معالجة جذرية تضمن تنمية الاستثمارات فى هذا القطاع ورفع درجة فعاليته من خلال إنشاء كيان مؤسسى متكامل وفقاً لأفضل الممارسات الدولية ويمثل أول نموذج فى الشرق الأوسط لتبنى ريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يمكن من تعظيم دورها فى التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات وهى الخطوات التى أعلنت الحكومة عن السعى لوضعها فى قانون لتنظيم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن حزمة تعديلات تتضمن منظومة التراخيص وتخصيص الأراضى والمحفزات لتلك المشروعات مع إنشاء منظومة متكاملة للبنية التكنولوجية لتأسيس وإدارة تلك المشروعات الجارى إعدادها حالياً بعد مبادرة رئيس الجمهورية لتمويل هذا القطاع بنحو 200 مليار جنيه على مدار 4 أعوام.

■ من وجهة نظرك، ما أهم الإجراءات التى يمكن أن يعتمد عليها الإصلاح الاقتصادى؟

- من منطلق ذلك يمكن البدء فى إصلاح اقتصادى يعتمد على حزمة من الإجراءات المتكاملة والمترابطة، تشمل 10 محاور أساسية، الأول يتضمن البدء فى تدشين سياسات فعالة وحقيقية لترشيد استهلاك الطاقة بغرض توفير فاتورة واردات استهلاك الطاقة المرشحة للتصاعد مع وضع ضوابط فورية لعمليات الاستيراد والتصنيع المحلى لأى منتجات ذات استهلاك للطاقة لتخفيض معدلات الاستهلاك خاصة بالنسبة للسيارات والأجهزة الكهربائية مثل التكييف وهو الاتجاه المطبق فى أغلب دول العالم حالياً، والثانى يقتضى ضرورة إعادة هيكلة منظومة الاستيراد وما يتبعها من إعادة تنظيم لعمل هيئة الرقابة على الصادرات والواردات والتى تحتاج إلى تعديل تشريعى عاجل لمنحها حق الضبطية القضائية فى أعمالها بالنسبة للتهريب للمنتجات الخاضعة لرقابة الهيئة. والثالث يتمثل فى تدشين برنامج لطرح سندات دولية بالعملة الأجنبية أسوة بما قامت به الأرجنتين، والرابع يشمل طرح عدد من الشركات الكبرى الرابحة فى البورصة المصرية على أن يشمل الطرح فى أسواق مالية دولية أيضاً لاجتذاب سيولة بالعملات الأجنبية تتراوح بين 2 و5 مليارات دولار خلال 3 أعوام.

وأرى أن المحور الخامس يمكن أن يتمثل فى ضرورة تعديل آليات العمل فى الموازنة العامة للدولة لإحكام الرقابة عليها مع وضع سقف واضح لعملية الإنفاق والبدء فى ترشيد حقيقى له بنسبة لا تقل عن 5-10% سنوياً من معدلات الإنفاق خاصة فى البنود التى يمكن تحقيق ذلك بها مثل الإنفاق على السلع والخدمات، فيما يتمثل المحور السادس فى السيطرة بصورة أكبر على المنافذ الجمركية للحد من عمليات التهريب، والسابع، يقتضى العمل بجدية وبالاستعانة بجهات متخصصة عالمية للترويج للسياحة فى مصر، فهناك ضرورة للترويج غير التقليدى للسياحة المصرية سواء من خلال الإنترنت أو الوجود فى أماكن ترويج غير تقليدية بدول العالم كالمتاحف المتخصصة خاصة بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية مع ضرورة إعادة النظر فى أسلوب الإدارة والخدمات اللوجيستية للمناطق السياحية خاصة الأثرية لإبراز الشكل والمضمون الحضارى المصرى مع تنظيم حزم تشجيعية لليابان والصين ودول أمريكا الجنوبية (الأرجنتين والبرازيل) من خلال رحلات طيران عارض طويلة مباشرة بعد نجاح تجربة الصين فى فبراير 2015 مع التركيز على أنواع جديدة مثل سياحة المؤتمرات والسياحة البيئية وسياحة الحوافز كما يجب أن يتم تنويع المنتج السياحى وتنمية القطاعات الترفيهية والشواطئ مع تشديد التأمين على المنشآت السياحية وتأكيد ذلك إعلامياً مما يشجع السائحين الأجانب على السفر لمصر.

ويشمل المحور الثامن، العمل على إعداد استراتيجية مبنية على بيانات حقيقية لتحفيز الفلاح على زراعة الحبوب ودعمه وتعويضه عن فارق زراعة المحاصيل الأخرى الأكثر ربحية بالإضافة إلى تحديد سعر توريد المحصول قبل زراعته وتوفير الأسمدة الكيماوية والتقاوى عالية الجودة للتشجيع على زراعة المنتجات محلياً بدلاً من استيرادها من الخارج، ويتمثل المحور التاسع فى ضرورة الاستمرار فى سياسة الإحلال محل الواردات خاصة أن هناك العديد من البنود السلعية المستوردة التى يمكن إحلالها محلياً بهدف توفير العملة الأجنبية وتعظيم القيمة المضافة للاقتصاد المحلى. ويتمثل العنصر الأخير فى إعادة النظر فى الأصول غير المستغلة لدى بعض الجهات الحكومية مثل الأراضى والمبانى والمخازن والجراجات وإتاحة استخدامها لجهات حكومية أو قطاع خاص أخرى فى حاجة إليها، والعمل على سرعة استكمال جميع مشروعات الميكنة لإحكام الرقابة على مالية الدولة.


مواضيع متعلقة