ميدان «الجيزة».. «ثكنة عشوائية» يحكمها الباعة والسائقون

ميدان «الجيزة».. «ثكنة عشوائية» يحكمها الباعة والسائقون
«ثكنة عشوائية».. هذا هو أكثر الأوصاف التى يمكن أن تُطلقها على هذا الميدان الحيوى، الذى بالكاد تجد لقدمك فيه موطئاً؛ بعد أن تفرق الميدان الفسيح بين الباعة الجائلين وسائقى الميكروباصات، الذين لا يأبهون بأى قواعد، ولا يلتفتون لإشارة مرور، ولا تثير انتباههم «صافرة» من عسكرى يقف تحت أشعة الشمس فى مهمة أصعب من مغامرات «رجل المستحيل»، وهى تنظيم حركة السير وعودة المظهر الحضارى للميدان.
ما إن تصل إلى «الجيزة»، حتى تضطرك الأوضاع إلى أن تحبس الأنفاس، وتكبح جماح غضب داخلك، أثناء محاولاتك السير على قدميك، متفادياً عشرات الباعة الجائلين، الذين احتلوا الأرصفة كلها، ليبدو شكلك وأنت تسير كأنك ثعبان «يتلوَّى»، أو مغامر يتفادى الجمر، أما إذا كنت من مالكى السيارات، فعليك التأكد من أن أوراق «التأمين» عليها منتهية.[secondImage]
«الكيت كات، وراق، دار السلام»، يصيح سائقو الميكروباصات بأعلى صوتهم، ويتنافس كل منهم فى وضع سيارته أمام الآخر ليفوز بالركاب، فيما يتسابق المواطنون هم الآخرون للفوز بمقعد فى أى منها، ويظل أصحاب السيارات الخاصة خلفهم واضعين أيديهم فوق الأبواق فى محاولة لإبعاد الميكروباصات عن الطريق، لكن غالباً ما تبوء محاولاتهم تلك بالفشل، إلى أن يطمئن قلب السائق إلى أن العدد فى ميكروباصه اكتمل.
تعود أهمية الميدان إلى أنه يصل القادمين من شوارع فيصل والهرم بكوبرى عباس وجامعة القاهرة ووسط البلد وصلاح سالم والسيدة عائشة، وهذا ما جعله محطة رئيسية للميكروباصات من وإلى تلك المناطق. وعلى الرغم من أن الميدان شهد أعمال تطوير قبل اندلاع ثورة يناير بأيام، تكلفت وقتها 110 ملايين جنيه، وشملت إنشاء نفق للمشاة بسلالم كهربائية مزود بكاميرات مراقبة إلكترونية لتأمين حركة مرور المشاة داخله، ثم إنشاء أسوار حديدية حول الميدان لمنع المشاة من العبور من نهر الطريق، وتعطيل الحركة المرورية، فإن تلك الأسوار تعرضت مؤخراً للنهب، فيما عاود المواطنون العبور من أماكن السور المفتوحة، الأمر الذى ضاعف الزحام، وكدس الميدان.
أمام أكوام من القمصان الرجالى، جلس العجوز فى جلبابه الفضفاض ينادى على الزبائن أسفل كوبرى الجيزة، وفجأة قاطعه صبى القهوة ووضع أمامه «الشيشة»، وأخذ «يرص» فى الحجر معتذراً عن التأخير، قال البائع المتجول العجوز: «كل مصيبة تحصل فى البلد يقولك البياعين هما السبب، وكأننا سوبر مان مثلاً، لكن الحقيقة إن إحنا الناس المطحونة اللى بتقعد على الرصيف فى الشمس، تستنى كام جنيه فى اليوم، عاوزينا كمان نتحرم منهم طب نأكّل عيالنا منين؟».
وقف سائق ميكروباص فى شارع الأهرام قادماً من ناحية كوبرى عباس، منادياً بأعلى صوته: «السيدة عيشة.. السيدة عيشة»، وفجأة خرج صاحب أحد المحلات التجارية فى الشارع مشيراً إليه ليبتعد من أمام محله، والوقوف فى أى مكان آخر، قال محمد، صاحب أحد المحلات التجارية: «الشارع ده الصبح بيبقى مشلول تماما والناس رايحة شغلها، بسبب الميكروباصات دى والبياعين اللى هنا، ومحدش يقدر يتكلم معاهم وإلا هيتلموا عليه ويضربوه»، وأشار إلى أحد الباعة الجائلين الجالس أسفل الرصيف، قائلاً: «أنا اتولدت هنا فى الجيزة وعمرى ما كنت بشوف الميدان فى الحال ده، لكن المشكلة إن بعد الثورة السواقين والبياعين مبقوش يخافوا من حد».
أسفل كوبرى الجيزة فى اتجاه كلية الزراعة، يقف أحد عساكر المرور فى الجهة المقابلة لوحدة المرور، يحاول الشاب التلويح لسائقى الميكروباصات بالوقوف انتظاراً لمرور السيارات المقبلة من الاتجاه الآخر، لكن لا حياة لمن تنادى، فيطل أحد أصحاب السيارات الملاكى برأسه من شباك سيارته ويشير إليه قائلاً: «ما تشوفوا حل فيهم دول، أنا بقالى ساعة واقف فى نفس الشارع»، فيوجه العسكرى رأسه بعيداً عنه وكأنه يقول فى نفسه: «ما أنا بقالى ساعات بحاول أمشى الشارع مش عارف».
«جراج ميدان الجيزة»، هنا تقبع علامات مكتوب عليها أسماء المناطق التى من المفترض أن ينتقل إليها المواطنون عبر الميكروباصات، وأتوبيسات النقل العام، لكن احتلال الميكروباصات كل أرجاء الميدان، جعل السائقين لا يفكرون فى التوجه إلى الجراج لاستخدامه كموقف لتحميل الزبائن، قال مصطفى، أحد السائقين: «الناس لو عليها عاوزانا نيجى ناخدها من البيت، عشان كده بنقف فى أماكن قريبة فى نص الميدان»، مضيفاً: «أستنى ليه دورى بالساعات لما أنا دلوقت بحمّل الميكروباص بتاعى فى ربع ساعة بالكتير؟ مش كفاية علينا السولار كمان عاوزين توقفونا طوابير تانية نستنى الزباين؟!».
أما عبدالرحمن حافظ، أحد الموظفين بالجراج، فقال: «الناس فهمت الثورة غلط، وافتكرت إن معناها فوضى مش أكتر من كده، وسواقين الميكروباصات بعد ما كانوا بيقفوا فى الخطوط اللى مخصصة ليهم هنا، والركاب ييجوا لحد عندهم مبقاش ولا واحد فيهم يقرب، وانتشروا فى الميدان لحد ما شلوه تماماً»، قاطعه سليم أنور قائلاً: «الناس بقت تحس إن أى مشوار هيعدوا فيه على ميدان الجيزة رحلة عذاب، وللأسف عشان بنضطر نروح شغلنا كل يوم فبقت رحلة عذاب يومية».
سيدة محمد، من أهالى الجيزة، قالت: «لما بانزل أروح شغلى فى السيدة عيشة بعمل حسابى على ساعة تعطيل فى الميدان، ومش عارفة ضباط المرافق والمرور مبيشفوش شغلهم ليه، بدل ما آلاف بيتعطلوا عشان واحد فارش على الأرض أو سواق واقف فى نص الشارع».
أخبار متعلقة:
إهمال بالألوان.. مصر «المخنوقة»
«رمسيس».. أكبر وأقدم شوارع الفوضى فى مصر
ميدان لبنان والمحور.. حيث لا مكان لموضع «إطار سيارة»
«العتبة» تحت الحصار.. مواقف عشوائية وسيارات البضائع وانفلات أمنى
«زنقة» نفق إمبابة.. «مستعمرة» الباعة الجائلين و«أكوام القمامة»
عروس البحر الأبيض.. جراج كبير فى الصيف.. وزحام «رايح جاي»
«المنصورة».. مدينة هادئة هزمتها الأزمات
«أسيوط».. مطبات وركن فى الممنوع وطوابير أمام «محطات الوقود»