تتردد كثيراً على الألسنة عبارة «القانون لا يحمى المغفلين». وهذه المقولة هى الترجمة الشعبية للمبدأ القانونى «عدم جواز الاعتذار بجهل القانون». وفى المقابل، وفى مناقشة مع أحد كبار رجال القضاء السابقين، أكد أن المواطن المتبصر فى جميع أموره قد لا يحتاج فى تصرفاته إلى الحماية القانونية وأن كثيراً من القوانين يكون الدافع إلى إصدارها هو حماية ما يمكن أن يطلق عليهم لفظ «المغفلين». وعلى هذا النحو، يسوغ القول بأن وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دوراً هاماً فى مجال التوعية القانونية. ومع ذلك، تمثل الأخطاء القانونية أمراً معتاداً، بل وتكاد تمثل ظاهرة فى الأعمال السينمائية والتليفزيونية. وتصدق ذات الملاحظة على الصحف الورقية والإلكترونية. ومن ذلك مثلاً: الخلط بين القرار أو الأمر وبين الحكم، وبحيث يحدث أحياناً أن يطلق البعض لفظ «الحكم» على أوامر الحبس الاحتياطى الصادرة عن النيابة العامة (يراجع على سبيل المثال: خالد فؤاد، اعتزال حسام حسن، جريدة الأهرام، قضايا وآراء، الجمعة 15 يوليو 2016م). والخلط بين عقوبة السجن باعتبارها إحدى عقوبات الجنايات وبين الحبس باعتباره عقوبة مقررة للجنح. والخلط بين الحبس الاحتياطى كأحد الإجراءات الجنائية القضائية وبين الاعتقال كقرار إدارى.
من ناحية أخرى، يلاحظ أن الصحافة تحرص على تغطية أخبار مجلس الوزراء والبرلمان. فنجد، على سبيل المثال، خبراً عن موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون ما، وعلى السير فى الإجراءات الدستورية لاستصداره. وقد نجد خبراً عن قيام رئيس الجمهورية بإحالة مشروع قانون إلى البرلمان بعد موافقة مجلس الوزراء على مواده. وعندما يصل المشروع تحت قبة البرلمان، نجد خبراً عن مناقشة مجلس النواب لمشروع القانون والموافقة عليه ورفعه. ولكن، لم يحدث أن قامت إحدى الصحف القومية بنشر نصوص القانون بعد صدوره وإقراره، وذلك على الرغم من الأهمية البالغة لبعض التشريعات، ووجود الرغبة الحثيثة لدى القراء فى العلم بأحكامها. ولا يكفى هنا التذرع بأن هذا النشر يتم فى الجريدة الرسمية. فالجريدة الرسمية لا يتسنى الاطلاع عليها والعلم بمضمونها إلا لنفر قليل من المتخصصين فى مجال القانون. قد يقول قائل بأن من المتعذر نشر نصوص القوانين كاملة فى الصحف اليومية، وأن ذلك قد يحتاج إلى صفحة كاملة. والجواب على ذلك أن بالإمكان نشرها فى ملحق مستقل، وتوزيعه على القراء، والنظر إلى ذلك باعتباره خدمة إضافية تقدم للقراء فى مناسبات معينة. ونود أن ننوه هنا إلى أن «الأهرام الاقتصادى» كثيراً ما تتبع هذا النهج، فيما يتعلق بالتشريعات ذات الطابع الاقتصادى. ولكن يبقى أن «الأهرام الاقتصادى» مجلة متخصصة، يقتصر توزيعها والاهتمام بها على عدد محدود من القراء، وذلك مقارنة بصحيفة الأهرام اليومية. والواقع أن ما نقول به هنا ليس ببدعة. فأثناء إقامتى ببلد النور (باريس)، حيث كنت مبتعثاً للحصول على درجة الدكتوراه، لاحظت أن صحيفة «اللوموند» تقوم بنشر بعض التشريعات الهامة على صفحاتها. بل ويحدث كثيراً أن تقوم بنشر ملخص لقرارات المجلس الدستورى الفرنسى. وفى دولة الإمارات العربية المتحدة، لاحظت أن الصحف الوطنية تقوم بنشر نصوص التشريعات الهامة على صفحاتها (راجع: جريدة الاتحاد، 12 أبريل 2016م، خبر تحت عنوان: رئيس الدولة يصدر قانون حقوق الطفل «وديمة»). بل إن وسائل الإعلام تقوم أحياناً بعرض أهم أحكام القانون بطريقة مبسطة، مستعينة بالصور التعبيرية والرسومات التوضيحية. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن بعض التشريعات الليبية لا تكتفى بالنص على نشر القانون فى الجريدة الرسمية، وإنما تقرر أيضاً النشر فى وسائل الإعلام المختلفة. ويتم النص عادة على ذلك فى التشريعات الجنائية، ولا سيما فى القوانين التى تتضمن تعديلاً لحكم قانونى سارٍ (المادة الرابعة من القانون رقم 13 لسنة 1423م بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 11 لسنة 1984ف بشأن المرور على الطرق العامة؛ المادة 59 من القانون رقم 7 لسنة 1990ف بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية).
وفى الختام، المأمول هو أن تقوم وسائل الإعلام بدورها فى التوعية القانونية، وأن تكون وسيلة لنشر المعلومة القانونية الصحيحة والارتقاء بمستوى الثقافة القانونية لدى القراء والمشاهدين والمستمعين، الأمر الذى يساعد فى تقليل مساحة الجهل بأحكام القانون، ويسهم بالتالى فى تحقيق معنى العدالة.