مع وجود مجلس النواب يتطلع المصريون إلى قدرته فى ممارسة الاختصاصات التى حددها الدستور فى المادة 101 فى مجالات التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
وفى ضوء ما شهده المصريون من صور أداء المجلس خلال ما يقرب من مائة وثلاثين يوماً منذ بداية دور انعقاده السنوى الأول فى العاشر من يناير الماضى، جعل الغالبية منهم لا يتوقعون أن يرتفع أداؤه إلى مستوى توقعاتهم، وأن يكون أداة حاسمة فى تفعيل الدستور وحمايته، وحصناً للحريات وحقوق الإنسان، وآلية حقيقية وقادرة على الرقابة على أداء السلطة التنفيذية!
إن المجلس خلال فترة ما يقرب من خمسة أشهر لم ينتج سوى تمرير القرارات بقوانين التى صدرت فى غيابه تنفيذاً للمادة 156 من الدستور، عدا القرار بقانون الخدمة المدنية، ثم انشغل المجلس قرابة الشهر ونصف فى إنجاز لائحته الداخلية وتوقف أعماله تقريباً خلال تلك الفترة، وتمتع أعضاء المجلس بإجازات تكاد تقترب من نصف فترة انعقاده التى بدأت فى العاشر من يناير 2016.
وبهذا الأداء لم يناقش المجلس تقرير لجنة تقصى الحقائق التى كان الرئيس السيسى قد شكلها لتحرى الحقيقة فى بيان المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، عن الفساد، حتى تمت إقالته من منصبه قبل أن يحدد مجلس النواب موعد مناقشة الموضوع، سواء تقرير جنينة عن الفساد، أو تقرير لجنة تقصى الحقائق الذى كان الرئيس السيسى قد أحاله إلى المجلس منذ عرضه على سيادته بعد أيام قليلة من بدء جلسات المجلس، اللذين اشتكى أعضاء فى المجلس أنهم لم يُمكنوا من الاطلاع على أى منهما!!
كما أن المجلس لم يناقش حتى الآن تقرير لجنة الرد على بيان الرئيس السيسى، الذى كان قد ألقاه فى الحادى عشر من فبراير الماضى! ولا ناقش المجلس فى حدود علمى ما تقدم به أعضاؤه من طلبات إحاطة وبيانات عاجلة وأسئلة كانوا يبغون أن ترد عليها الحكومة!
من جانب آخر، أثارت اتفاقية إعادة مصر لجزيرتى صنافير وتيران إلى المملكة العربية السعودية، التى وقعتها مصر فى وجود الملك سلمان فى القاهرة فى شهر أبريل الماضى، ردود فعل قوية وقامت مظاهرات سلمية تندد بها، وتؤكد أن الجزيرتين مصريتان، ورغم أن الرئيس السيسى قد أعلن أن مجلس النواب هو الفيصل فى حسم تلك القضية، فإن المجلس لم يشرع حتى الآن بمناقشة هذه الاتفاقية التى ذكرت صحيفة «الوطن» يوم السبت 14 مايو ما يلى «كشف مصدر حكومى لـ«الوطن» أن مجلس الوزراء سيبدأ الأسبوع الحالى تجهيز مستندات قضية «تيران وصنافير» تمهيداً لإرسالها إلى مجلس النواب قبل نهاية مايو الحالى»، فمتى ينظر المجلس تلك القضية الوطنية المهمة التى تحدث للمرة الأولى فى التاريخ المصرى، وما وضع المواطنين الذين تظاهروا دفاعاً عن ملكية مصر للجزيرتين وصدرت ضدهم أحكام بالحبس لمدد تراوحت بين عامين وخمسة أعوام؟
كذلك كان المراقبون لأداء مجلس النواب يتطلعون لأن يشرع المجلس فى استدعاء الوزراء لاستجلاء سياساتهم وتوضيح رؤاهم فيما جاء فى برنامج الحكومة ولم تتح للوزراء، خاصة الجدد الذين لم يسهموا فى إعداد ذلك البرنامج، الفرصة للحديث حتى الآن أمام المجلس، حيث اقتصر عرض البرنامج على بيان رئيس مجلس الوزراء! إن وزراء قطاع الأعمال العام، والسياحة، والاستثمار، والرى والموارد المائية، فضلاً عن وزير المالية يجب أن يعرضوا خططهم ورؤاهم حول قضايا مصيرية؛ فالمطلوب أن يوضح وزير قطاع الأعمال العام من خلال مجلس النواب إلى الشعب كافة ماذا كان يقصد بإعادة هيكلة القطاع وخططه لإحياء ذلك القطاع الحيوى، من ناحية أخرى، مطلوب أن نسمع خطة وزير الرى والموارد المائية الجديد حول التعامل فى مأساة سد النهضة الإثيوبى وإلى أى حد يتفق مع رؤية وزير الخارجية الذى صدرت عنه تصريحات فى الأيام الأخيرة بأن «مفاوضات سد النهضة تسير مع السودانيين والإثيوبيين بشفافية كاملة، فى إطار اللجنة الثلاثية بشكل يحافظ على مصالح الشعوب الثلاثة ويحقق التنمية التى يتطلعون إليها دون الإضرار بأى دولة، ولا يوجد لدى الوزارة ما تخفيه فى هذا الشأن» (المصرى اليوم 14 مايو).
وإذا كان دكتور مفيد شهاب قد حظى بقبول الدولة واعترافها بدوره المتميز فى قضية تحكيم طابا لما أكد أن جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان، فما قول وزيرى الخارجية والرى والموارد المائية فى تصريحاته بأن التصميمات الحالية لـ«سد النهضة» الإثيوبى تلحق ضرراً كبيراً بالأمن المائى والقومى لمصر، وخطورة عدم مراعاة دول المنبع فى حوض النيل لمصالح دولتى المصب مصر والسودان، مؤكداً أن استمرار تجاهل إثيوبيا لحقوق مصر التاريخية لمياه النيل، يزيد من واقع الفقر المائى الذى يعانى منه المواطن المصرى، الذى يصل نصيبه السنوى من مياه النيل حالياً إلى 650 متراً مكعباً، أى أقل من حد الفقر المائى المتعارف عليه عالمياً والمقدر بألف متر مكعب. فهل فى إمكان مجلس النواب استدعاء د. مفيد شهاب فى حضور الوزيرين، كى يتبين الشعب مدى خطورة الموقف وكيف يؤكد وزير الخارجية أن المفاوضات تراعى مصالح مصر كما تراعى مصالح السودان وإثيوبيا!!
وثمة أمر آخر يتعلق بصلاحيات مجلس النواب كما حددها الدستور، أنه يقر الموازنة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهل تعرض الحكومة خطة التنمية للعام 2016/ 2017 على المجلس؟ وهل تعرف المجلس على «رؤية 2030» قبل أن يشرع فى مناقشة الموازنة العامة للعام الجديد قبل أن ينتهى دور الانعقاد الحالى فى العاشر من سبتمبر المقبل على أقصى تقدير كما ينص على ذلك الدستور؟
إن التذكير بالمواد الخاصة بصلاحيات مجلس النواب فى دستور 2014 كفيل بإقناع أعضائه بمسئولياتهم الجسيمة نحو الوطن، إن الدستور ينص على ألا يسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو فى لجانه، كما يعطى الدستور لمجلس النواب سلطة تعديل النفقات الواردة فى مشروع الموازنة، بشروط، وأنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب، كما نص الدستور على أن لكل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، أسئلة أو استجوابات أو اقتراحاً برغبة أو أن يقدم طلب إحاطة أو بياناً عاجلاً، فى أى موضوع يدخل فى اختصاصاتهم، وأوجب الإجابة عن هذه الأسئلة فى دور الانعقاد ذاته، كذلك على أن لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم.
إن المصريين يتطلعون إلى أن يمارس مجلس النواب رقابة فاعلة وناجزة على السلطة التنفيذية، وأن يتم تفعيل الصلاحيات الممنوحة له فى الدستور، تفعيلاً يستهدف صالح الوطن والمواطنين.