بروفايل| شكري القوتلي.. المتنازل للحلم العربي

بروفايل| شكري القوتلي.. المتنازل للحلم العربي
تنحى جانبًا عن مجدٍ يُفني لأجله الكثيرون أعمارهم ومبادءهم، تاركًا كرسيًا تزغ عليه أعين المشتاقين أسفله، منصهرًا داخل حُلم الوطن الواحد في جميع مرافقه وشؤونه بلا تفريق ولا تمييز وبلا تحديد وتحفز، مُصححًا أوضاعًا مالت بإعادتها إلى أصولها، في سبيل انسجام خصائص الوجود العربي، وظل "المواطن العربي الأول" اللقب المُصاغ لأجله لتنازله عن العرش لأجل الأُلفة والالتحام والحرية العربية.
"أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام"، لأجل المشهد الموصوف بصوت الفنان محمد قنديل "للجزأين العربيين الغاليين" طل الزعيم شكري القوتلي على الشعب السوري بخطابه الذي استأنفه بصوت جهوري تغلف الحماسة أحرفه الناطق بها "يا أخوة العرب هذا يوم مشهود من أيام العمر، هذا يوم عظيم في تاريخ أمة العرب، وتحول كبير في مجرى الأحداث العالمية في هذا العصر، في هذا المكان، من هذه المدينة العربية العظيمة نعلن على الملأ باسم الشعب العربي في كل من الجزأين العربيين الغاليين مولد الجمهورية العربية المتحدة".
تنازل عن رئاسته لسوريا إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حتى يعلن في 22 فبراير 1958 قيام الجمهورية العربية المتحدة باتحاد بين سوريا ومصر.
نذر نفسه لخدمة القضية العربية، منذ فجر الشباب، ينعم لأجل هذا النضال "بفرحة عمر ونعمة من السعادة تهز كياني وتغمر وجداني وتفيض عليَّ رضا من الله وضميري وأُمتي"، منذ أن كافح ضد الوجود العثماني في سوريا، ثم ضد الاحتلال الفرنسي واعتُقل عدة مرات، وبلغ مجمل أحكام الإعدام الصادرة بحقه 3 أحكام استطاع الإفلات منها جميعًا، وانتقل للمنفى في السعودية، تولى وزارة الدفاع في سوريا عام 1936 ثم رئيسًا عام 1943، وعلى إثر دخول الفرنسيين سوريا في الحرب العالمية الثانية، كان القوتلي السياسي الأكثر شعبية، وبعد وفاة تاج الدين الحسني، رئيس الجمهورية بالتعيين، قاد القوتلي معركة الانتخابات بقائمة موحدة في سائر البلاد، وبالتئام مجلس النواب انتخب رئيسًا للجمهورية في 17 أغسطس 1943، فهو أول زعيم وطني تولى رئاسة الجمهورية السورية، سب أحد الأفلام التسجيلية وتقارير المراكز السياسية التي روت سيرته النضالية.
في عام 1949 أطاح حسني الزعيم به في انقلاب عسكري، واعتقل ثم أطلق سراحه بعد فترة لينتقل إلى العيش في مدينة الإسكندرية، توالت الانقلابات في سوريا بعد ذلك، حتى عاد القوتلي لسوريا عام 1954 في وجود حكومة هاشم الأتاسي؛ ليشارك في انتخابات 1955، والتي جاءت به رئيسًا للمرة الثانية.
وفي عام 1957 طُرحت فكرة الوحدة المصرية السورية، وطرحت للاستفتاء في نهاية العام؛ ليوافق الشعبين السوري والمصري على الوحدة بأغلبية كاسحة؛ ليتنازل القوتلي عن الرئاسة للرئيس جمال عبدالناصر؛ ليصبح رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة عام 1958، ونال اللقب الذي تفرَّد به نتيجة تفانيه في تحقيق الوحدة العربية بالفعل وليس الشعارات.
مرت 3 سنوات على حلمٍ لم يكتمل لأسباب سردها التاريخ في مجلداته، وانفصل الحلم العربي المشترك في 28 سبتمبر 1961 وقت وجوده في جنيف، نتيجة انقلاب عسكري، فعاد إلى دمشق بطلب من حكومة الانفصال، وبقي في دمشق حتى انقلاب 8 مارس 1963، لتصادر أملاك القوتلي في سوريا فغادرها إلى جنيف، وبعد عام انتقل إلى بيروت واستقر بها.
وبعد أيام من هزيمة مصر وسوريا في حرب 1967، اشتدت عليه القرحة التي كان مصابًا بها إلى أن توفي في 30 يونيو 1967 عن عمر ناهز 76 عامًا، فنقل جثمانه إلى دمشق حيث دفن في مقبرة الباب الصغير.