بروفايل| صالح مرسي.. قلم المخابرات

كتب: سلوى الزغبي

بروفايل| صالح مرسي.. قلم المخابرات

بروفايل| صالح مرسي.. قلم المخابرات

يتشارك في ملامحه البسيطة مع الملايين من بني وطنه، مُتفردًا بعقل يُطلق منه لخياله العنان، يخلق فروعًا من أصل مقتطف بسيط، لا يتكون منه إلا بضعة أوراق، فينسج منه الإبداع مجلدات، بدأ بتسجيل قصص الأبطال حكيًّا، وخطى في خلق ملاحم أبطالها بسطاء بمقدورهم أن يكونوا عظماء إن أخلصوا، لم يكن يوما مغمورًا كرفاقه من المؤلفين، يضحك حينما يستقبله الجمهور كنجم "شباك السينما"، ولما لا؟، فهو أول مَن أدخل نوع الكتابة عن الجاسوسية في الأدب العربي، وأصبح صالح مرسي "قلم المخابرات".

رفض مرسي لقب "رائد أدب الجاسوسية" رغم استباقه بالكتابة فيها على مستوى الوطن العربي، معتبرًا "الأدب أدب" لا يمكن تصنيفه، فليست المشكلة مَن أول من كتب عنها لكن من يستطيع أن يصنع أدبًا بالمعني العلمي لكلمة أدب، بصرف النظر عن موضوعه.

"التجسس موجود في حياتنا من أول الخليقة، حينما بدأ الإنسان البدائي في البحث عن فريسته وتحديد مقومات الانقضاض عليها بداية من ضعفها وابتعادها عن القطيع"، قاعدة كاتب أدب الجاسوسية، وقناعة مرسي الخاصة، فاندهش حينما رأى البعض يعتقدون أن "جيمس بوند" حقيقيا وعملياته حدثت بالفعل، على الرغم من أنها جميعها من نسج خيال مؤلفها، لذا حملت كتاباته في الجاسوسية طوابع خاصة، وتفرّد حملته طيات كل منهما عن الأخرى.

البدايات لا تكون مكتملة في معظم الأحوال، ولم يخجل مؤلف الجاسوسية من الاعتراف بأن أولى كتاباته في هذا الأدب من خلال المسلسل الإذاعي "الصعود إلى الهاوية" حمل سذاجة البدايات قبل أن يتحول فيلما سينمائيا، حينما اعتمد في تفاصيله على الضرب وإطلاق النيران والمؤثرات الصوتية العنيفة المواكبة للأحداث، وهو ما أثار ضحك ضابط المخابرات الذي كان يجلس إلى جواره وهو يسجل تلك المشاهد، معترفًا له بأن عمل المخابرات ليس عملًا بوليسيًا ويختلف شكلًا وموضوعًا، لا مجال للعنف فيه، بل يرتكز على الذكاء وقاعدته الأساسية "استعمل مخك وتصرف في حدود ضيقة جدا"، وبعد تحويل التجربة إلى عمل سينمائي عام 1978 وصفه بـ"المتواضع"؛ لعدم درايته بأدب الجاسوسية بما يكفي، فلم يكن هناك فهما طبيعيًا للأشياء.

"الأدب التسجيلي"، القسم الأول الذي اعتمد عليه مرسي عند الكتابة في أدب الجاسوسية، ونتيجته اتضحت في مسلسله الإذاعي "دموع في عيون وقحة"، برصده لما حدث تفصيلًا دون زيادة أو نقصان، ذاكرًا الاسم الحقيقي للبطل، حتى زاد عليه "الخيال"، القسم الثاني في الكتابة؛ ليتناسب مع طبيعة الدراما عند طرحه تليفزيونيا عام 1980، وعلى الرغم من أن عادة شغل التجسس بالغ الصعوبة والتعقيد، فيحمل مساحة للخلق.

لكل عملية تجسس طبيعتها الخاصة، هناك (التجسس المضاد) و(الخدمة السرية)، وعند كتابته مسلسل "الحفار" 1996، واجهته قضية فنية جديدة "لماذا لا يوجد أديب مصري سبق على غيره، في خلق مساحات إبداع في الكتابة عن الجاسوسية"، وقرر تحويل الواقع الحي الموثق إلى عمل أدبي متكامل، يبدأه بالكتابة عن العملية التي وصفت بأنها من أهم عمليات القرن العشرين، وتحدثت مصر للعالم من خلال عمله، فصنع من 4 أسطر نشرت في جريدة "الأهرام" عن تدمير مصر حفارا إسرائيليا، كما تردد، مجلدًا تعترف فيه مصر للعالم بأنها من دمر ذاك "الحفار" الإسرائيلي في أبيدجان.

ليس البطل دائما هو مركز الروايات الجاسوسية عنده، فـ"العملية" نفسها البطل عند "صالح" حينما كتب "الحفار" وكان البطل نفسه ومن معه "كومبارس" جوار عملية تدمير الحفار، وتبلورت طريقته عند كتابة "رأفت الهجان"، التي أرادها أن تكون "ملحمة" توضح كيفية تحويل الرجل المصري البسيط إلى بطل عظيم، خاصة وأن صاحب شخصية المسلسل الحقيقة مكث في إسرائيل 20 عاما، والحد الأقصى لأي عميل مخابراتي 5 أعوام فقط، ولم يتركها إلا بعد انقضاء العشرين الأولى بخمسة أخرى، وبعد 5 أعوام أخرى بدأ "مرسي" في الكتابة عنه.

اعترف صالح بعد كتاباته عن الجاسوسية أن "المخابرات المصرية متعبة" تعطيك المعلومات بـ"القطارة"، على الرغم من محاولتهم المستمرة في التعامل معه برقة باعتباره "فنانا" لا يحتمل أسلوبهم الجاد، وكان "النصب" أحد طرقه للحصول على بعض قصص المخابرات، وهو على دراية كاملة بأنهم يعلمون ما يفعله ويتركونه "بمزاجهم"، وأخرى حصل عليها من لندن وقبرص، حتى يطلع على علم المخابرات الذي يتطور يوما بعد يوم حتى في أساليبه الإنسانية، خاصة وأن ضابط المخابرات 40% من شخصيته على الأقل "فنان" يبتكر ويعتمد على الخيال.


مواضيع متعلقة