الروائي التشادي روزي جدي: «التاريخ السري المعلن لآدم حواء» رحلة للبحث عن هوية

الروائي التشادي روزي جدي: «التاريخ السري المعلن لآدم حواء» رحلة للبحث عن هوية
فى زاوية بعيدة، حيث تلتقى رياح الصحراء بنهر الحياة، يجلس الكاتب التشادى روزى جدى حاملاً بين سطور روايته جراح مجتمع ممزق بين الشمال والجنوب، العربى والأفريقى، الذكر والأنثى، وفى «التاريخ السرى المعلن لآدم حواء»، لا يروى الحكايات فحسب، بل يحفر فى عمق النفس البشرية، كاشفاً تناقضات مجتمع يعيش على هامش الاهتمام العالمى، بينما يصارع أسئلة الجندر، والسلطة، والانتماء.
فى هذا الحوار، نغوص معه فى ثنايا نصه الجرىء، ونستكشف رؤيته لأدبٍ تشادى يبحث عن بصمته تحت ضوء القمر العربى، فكيف يُعيد تعريف الأدب كفعل ثورى؟
■ فى البداية.. أيمكن تعريف القارئ برواية «التاريخ السرى المعلن لآدم حواء»؟
- الرواية تتناول قضايا مسكوتاً عنها فى دول أفريقيا جنوب الصحراء وفى العالم العربى أيضاً، فهى تقوم على ثلاثة خطوط، قصة الهجرة الداخلية من القرى والأرياف إلى المدن وقصة آدم حواء الذى ولد خنثى وأيضاً قصة حمودى الذكر الذى قرر أن يتصرف كأنثى.
هذه ظواهر اجتماعية رأيتها وعشت معها فى أنجمينا على مدى سنوات ولم أجد شخصاً تناولها، هناك الكثير من الروايات عن المثلية، لكن قليلة جداً هى الأعمال التى تناولت حالة الخنثى! لذا تناولت هذه الحالة من منظور أدبى يدقق فى تفاعل المجتمع مع هذه الحالات، وأثر تعامل المجتمع على الضحية من الناحية النفسية، لكن هناك خط عن ثورة فرولينا أيضاً، وهى ثورة مهمة فى تاريخ بلادى تشاد.
■ الرواية تحمل عنواناً مثيراً للفضول.. هل العمل جزء من محاولاتك لفتح نقاشات حول الهوية والعلاقات الإنسانية فى سياق أدبى؟
- نعم.. لدينا مشكلة هوية فى تشاد، الأدب التشادى لم يناقش مشكلات الهوية الجندرية ولا الهوية بمفهومها العام فى تشاد، نحن لم نحسم حتى الآن ما إذا كنا نحن عرباً أم أفارقة؟ لدينا لغتان رسميتان هما الفرنسية والعربية، وعشرات اللغات المحلية والقبائل والكثير من التنوع دون حسم الأمور.
روزى جدي: المثقف العربي يعرف أدب أمريكا الجنوبية ويجهلنا
آمل أن تفتح الرواية نقاشاً حول قضية مهمة كالهوية، وفى هذا السياق تناولت ثورة فرولينا التى كانت مرحلة فارقة فى تاريخ البلاد، رغم أنها أيضاً عانت من مشكلات فى تحديد هويتها، فهى لم تحدد ما إذا كانت اشتراكية أم إسلامية أم قبلية.
■ كيف ترى دور الأدب فى تشاد حالياً؟.. هل يلقى الاهتمام الذى يستحقه على الساحة الأدبية العالمية؟
- لا يلقى الأدب التشادى المكتوب بالعربية ما يستحقه من اهتمام، نحن الدارسين بالعربية أقلية فى بلادنا رغم أنها لغة رسمية، فالدارسون بالفرنسية يشكلون قرابة 70% من المتعلمين، والعالم العربى لا يلتفت إلينا كثيراً. هناك أدب أفريقى يكتب باللغة العربية، ويعتبر أدباً عربياً ما دام يكتب بالعربية، بيد أن العالم العربى لا يهتم بهذا الأدب كما ينبغى، يجب على مصر والعالم العربى إعطاء اهتمام أكبر لهذا الأدب القادم من بيئة مختلفة ومناخ آخر، من أجل تقديم هذا الأدب للقارئ العربى، الذى يعرف أدب أمريكا الجنوبية ولا يعرف شيئاً عن أدب يكتب على بُعد كيلومترات منه، فى كل من تشاد والصومال والنيجر ومالى وغيرها.
■ ما الذى دفعك للاهتمام بمجال الكتابة الأدبية والقصصية تحديداً؟.. وكيف أثرت تجربتك الشخصية فى هذا المسار؟
- أعتقد أن رغبتى الكبيرة فى الحكى وقراءة الأدب دفعا بى إلى الكتابة، تجربتى الشخصية ليست ثرية جداً، لكن كأى إنسان عاش الحب والحزن والموت والأسى وجرّب العديد من المشاعر، استفدت من تجربتى فى الكتابة، فالكاتب يستند على مشاعره وتجربته حين يكتب، فالمشاعر البشرية واحدة.
■ فى أعمالك تتناول موضوعات سياسية واجتماعية مهمة تخص المجتمع.. كيف ترى العلاقة بين الأدب والسياسة فى تشاد؟
- لا يمكن كتابة الأدب فى تشاد دون الخوض فى السياسة، على الأقل بالنسبة لنا نحن رواد الرواية العربية، فتشاد معروفة بحروبها الأهلية الكثيرة وعنفها فى نقل السلطة، وهذه الأحداث السياسية تؤثر على المجتمع وعلى الفرد، والأدب يهتم بالفرد والمجتمع، ومن الصعب تجنب السياسة لما لها من تأثير علينا وعلى حياتنا، الأديب الذى يعيش فى بلد متخلف والسلطة فيها محتكرة، لا يملك رفاهية النأى عن السياسة.
■ كيف تسهم فى تسليط الضوء على التجارب الإنسانية فى تشاد من خلال سياقات ثقافية وتاريخية معينة؟
- أعتقد أن هذا يحدث لمجرد الكتابة عن المجتمع التشادى، كتبت عن الشباب وآمالهم وأنياب العطالة وصعوبة العيش بلا عمل أو أمل فى روايتى «زمن الملل»، وكتبت عن الشرخ بين الشمال والجنوب فى روايتى «قاربٌ يلاحق مرساه»، وكتبت عن مذبحة الكبكب وسقوط الممالك الإسلامية فى تشاد ودخول المستعمر الفرنسى، فى روايتى التاريخية «ارتدادات الذاكرة»، وعبر تلك الشخصيات سلطت الضوء على التجارب الإنسانية فى تشاد بالقرن الأخير.
الأديب يجب أن يعبر عما يحدث فى بلاده من خلال روايته
■ نلاحظ أنك تأثرت بالصراعات السياسية التى شهدتها بلادك فى أعمالك.. هل تجد أن الكتابة هى الطريقة الأمثل للتعبير عن مواقفك حول هذه الأحداث؟
- نعم، يجب على الأديب التعبير عن مواقفه مما يحدث فى بلاده بصفته مثقفاً، فعلت ذلك فى أعمالى الأدبية، وأجد أن الرواية هى الوسيلة المثلى لفعل ذلك، لما فيها من مساحة كافية ورمزية لا تلاحظها السلطة بسهولة.
■ ما الذى تعتقد أن يقدمه الكاتب التشادى للمثقفين العرب؟
- أعتقد أن الكاتب التشادى يمكن أن يقدم للمثقف العربى أدباً مغايراً، لغة مختلفة، أسلوباً جديداً، عوالم غير مألوفة، ما أكتبه لا يشبه ما يكتب فى العالم العربى، رغم أنه باللغة العربية؛ وهذه فرصة للمثقف العربى ليتعرف على آداب أخرى، ويذكر المثقف العربى بوجود بلاد اسمها تشاد، تكتب الرواية بالعربية وهى مجاورة للسودان وليبيا، أعتقد أننا نقدم تجربة فريدة ومثيرة وجديدة للمثقف العربى.
■ إلى أى مدى تعتقد أن الأدب التشادى له القدرة على تشكيل الوعى السياسى والاجتماعى فى المستقبل؟
- أؤمن بأن الأدب التشادى سيفعل ذلك كما فعلت الآداب فى أغلب الدول، ربما لن نحقق ذلك فى هذه الأيام، لكن على المدى البعيد سيحدث ذلك، لذا نكتب ونواصل الكتابة، فالرواية الأخيرة تتناول قضايا حساسة وربما تعتبر من التابوهات، وكأى عمل أدبى تتناول قصص هذه الشخصيات دون إدانة أحد، هذا سيقدم وعياً للقارئ التشادى ويغيّر من أحكامه، ويمنحه مساحة للتفكير فى الحالات والأسباب التى أدت إليها بدل تجريم صاحبها.
ما زلنا نبحث عن هويتنا.. ونعانى التمزق بين الأفريقية والعربية.. والرواية محاولة لفهم الظواهر الاجتماعية
■ ما رؤيتك المستقبلية للأدب التشادى.. وهل هناك مشروعات أدبية جديدة تعمل عليها فى الوقت الحالى؟
- أعتقد أن الأدب التشادى فى مرحلة ازدهار، روايتى تفوز بجائزة وتنشر فى مصر، وقبل أيام كان أحد التشاديين وصل إلى المراحل النهائية فى مسابقة أمير الشعراء فى الإمارات، لدينا مستقبل، وسنحقق فتوحات كبيرة. أما عن مشروعاتى الأدبية، فحالياً أكتب عملاً فى أدب الرحلة، وأعتقد أنه سيكتمل مع نهاية السنة، كما آمل أن أواصل نشر كتبى فى مصر.
■ فى روايتك «ارتدادات الذاكرة» تتناول تاريخ تشاد من زاوية معينة.. ما الذى جعل هذه اللحظات التاريخية مهمة بالنسبة لك لتوثيقها أدبياً؟
- أتناول فيها تاريخ تشاد الحديث، خاصة التاريخ السياسى، لأن الرواية تناولت الأحداث التى جرت بين 1892 و1960، هذه مرحلة مهمة جداً فى تاريخ تشاد، لأنه بداية من 1892 بدأت تتداعى آخر مملكة إسلامية، وهى مملكة ودّاى التى سقطت فى سنة 1911، وسيطرت فرنسا على الأراضى التى سمّتها لاحقاً «تشاد»، ففى هذه السنوات انهارت المملكة لأسباب داخلية، وقتلت فرنسا قرابة 400 عالم، أغلبهم تعلم فى الأزهر الشريف، وعلى رأسهم «عبدالحق السنوسى» الشاعر والعالم، وذلك من أجل القضاء على اللغة العربية وإضعافها مع موت العلماء، لتسيطر بسهولة على البلاد، وتفرض اللغة الفرنسية كبديل للعربية وهو ما تحقق.
■ تعتقد أن الأدب فى تشاد يعكس تنوع المجتمعات الثقافية واللغوية فى البلاد.. أم أن هناك تحديات فى نقل هذه التنوعات بشكل دقيق؟
- الرواية التشادية تعكس هذا التنوع، فنحن تناولنا قصصاً من الشمال والجنوب والشرق والغرب، مع الحفاظ على أسماء الناس فى مناطقها والإشارة إلى عادات الجماعات، هناك القليل من التحديات التى تقف بين الكاتب وبعض الحقائق، نظراً لعيشنا وسط مجتمع قبلى ومتشدد أحياناً.
■ كيف ترى التحديات التى يواجهها الكُتاب فى تشاد من حيث نشر أعمالهم وتوزيعها على مستوى العالم.. أهناك محاولات لزيادة الوصول إلى جمهور أوسع؟
- كانت التحديات كبيرة جداً، حين انتهيت من روايتى الأولى بقيت المسودة فى الأدراج لسنة كاملة دون الحصول على ناشر، اليوم التحديات قليلة بالنسبة لنا، يمكننا النشر فى العالم العربى، لكن ما ينقصنا هو ثقافة القراءة والاهتمام بالكتب، علينا القيام بنشر ثقافة القراءة، وتوعية مجتمعاتنا.
■ أيمكنك مشاركتنا بعض النصائح للأدباء الشباب فى تشاد؟.. ما العوامل التى تعتقد أنها ضرورية لكى ينجح الكاتب التشادى فى الساحة الأدبية الدولية؟
- لتكنْ لك تجارب، فالكتابة الجيدة تنبع من التجربة، لا تتعجل فى النشر، لا تخلط الحقيقة بالمثالية، قل الحقيقة دون أن تعظ، أنت أديب ولست واعظاً، لكى تكتب الأدب يجب أن تكون شجاعاً، هذا ما أقدمه كوصايا، أما العامل الضرورى لنجاح الكاتب فهو القراءة الجيدة ومواصلة العمل دون كلل ودون فقدان للأمل.
قضايا تناولها الأدب التشادى
هناك الكثير من القضايا التى لم يجرِ تناولها بعد فى الأدب التشادى، لأنه أدب صغير ولد قبل سنوات؛ الرواية التشادية المكتوبة بالعربية كلها لا تتجاوز العشرين رواية! المشكلة أنه لا يمكن أن تقرر الكتابة فى موضوع معين، ثم تبدأ كتابة رواية! الأمر معقد. الرواية ليست قصيدة، هى عمارة ويجب بناؤها ببطء وغالباً الموضوعات هى التى تختارك وليس الكاتب من يفعل، آمل معالجة قضايا السلطة وعنفها وتأثيرها على المجتمعات بشكل أوسع.