«المتحدة» تعيد روائع الأدب إلى الساحة الدرامية في رمضان

«المتحدة» تعيد روائع الأدب إلى الساحة الدرامية في رمضان
عوالم مليئة بالشخصيات والتفاصيل ينغمس معها القارئ فى الحكاية ويعيش تفاصيلها التى يرسم ملامحها فى خياله، بناء سردى قوى وفكرة أصيلة وضعها كاتب القصة وغزل فصولها بعناية شديدة حتى أصبحت قطعة فنية فريدة شديدة الخصوصية، وفى الوقت نفسه مادة دسمة تصلح لتقديمها إلى الجمهور من خلال وسائط أخرى لا تقتصر حدودها على أوراق الكتب، فهى علاقة وثيقة جمعت الدراما والأدب على مدار التاريخ، لتفتح أبواب الإبداع على عالم واسع من روائع الأدب، وتطلق العنان للإبداع واللمسة العصرية وليصبح المشاهدون أمام تجارب فنية مختلفة.
تحرص الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على تعزيز روابط الوصل بين الأدب والدراما، وهو ما خلق حالة من الثراء فى المشهد الدرامى بشكل كبير، إذ يشهد موسم الدراما الرمضانية حالة من التنوع بين الأعمال الفنية حتى المأخوذة عن أصل أدبى بداية من مسلسل «شباب امرأة» عن رواية بنفس العنوان للكاتب أمين يوسف غراب، أو مسلسل «النُّص» المستوحى من كتاب «مذكرات نشال للمعلم عبدالعزيز النص» الذى نشر عام 1930، وأعاد الباحث أيمن عثمان التدقيق والبحث فيه وأعاد نشره فى عام 2024، أو من خلال الجزء الثانى من مسلسل «جودر» المستوحى أيضاً من عوالم كتاب التراث «ألف ليلة وليلة».
يتابع جمهور الدراما الرمضانية مسلسل «شباب امرأة» للمخرج أحمد حسن وبطولة الفنانة غادة عبدالرازق، ولا يعتبر المسلسل إعادة إنتاج للفيلم الذى حمل توقيع الكاتب صلاح أبوسيف عام 1956، وجاء ترتيبه فى المركز السادس ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، ولكنه يقدم معالجة عصرية لرواية الكاتب أمين يوسف غراب تولى تقديمها الكاتب والسيناريست محمد سليمان عبدالملك، والذى يعتبر صاحب خبرة فى تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال درامية كان من بينها القصة القصيرة «إمبراطورية ميم» للكاتب إحسان عبدالقدوس، التى تم تقديمها فى مسلسل بنفس العنوان، العام الماضى، للمخرج محمد سلامة وبطولة خالد النبوى، وكتاب «مذكرات زوج» للكاتب الساخر أحمد رجب الذى تم إعادة صياغته فى مسلسل بنفس العنوان أيضاً للمخرج تامر نادى ومن بطولة طاق لطفى.
مخرج «شباب امرأة»: المسلسل مختلف عن الرواية والفيلم والكاتب قدّم معالجة عصرية.. ومؤلف «النُّص»: حافظنا على روح القصة الأصلية فى «مذكرات نشال» وأضفنا شخصيات وأحداثاً جديدة
وقال أحمد حسن، مخرج مسلسل «شباب امرأة»، إن العمل الدرامى مختلف عن الأصل الروائى والفيلم، فهو يعتمد على الخط الرئيسى فقط للقصة، ولكن تمت إضافة خطوط وشخصيات مختلفة، خاصة أن العمل له معالجة درامية عصرية للكاتب محمد سليمان عبدالملك. وتابع «حسن»، فى تصريحات لـ«الوطن»: «نعلم من البداية أنه ستكون هناك مقارنات بين الفيلم والمسلسل، وفريق العمل اجتهد لتقديم توليفة فنية مختلفة عن الأعمال السابقة سواء السينمائى أو الروائى».
وعن المقارنات العفوية بين فيلم «شباب امرأة» والمسلسل التى تشكل تحدياً لصُنّاعه، قال الفنان عمرو وهبة المشارك فى بطولة المسلسل، إن فريق عمل المسلسل ممثلون من العيار الثقيل، وعلى رأسهم غادة عبدالرازق، وهى فنانة عملاقة وبنت تاريخها على الشاشة على مدار سنوات طويلة على حد تعبيره، والفنان محمد محمود وهو ممثل قوى وصاحب أداء تمثيلى مميز، ويوسف عمر صاحب الخطوات الثابتة والمميزة، وتابع: «المقارنة ظالمة بالطبع، الأسماء القديمة تحية كاريوكا وعبدالوارث عسر وشكرى سرحان نجوم عظام، وأيضاً فريق المسلسل يضم ممثلين على قدر عالٍ من الحرفية لا يقلون عنهم».
وعن تقديم رواية «شباب امرأة» فى عمل درامى بعد ما يقرب من 70 عاماً على إنتاج الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، قال الناقد طارق الشناوى، إنها ليست المرة الأولى التى يتم إعادة تقديم أعمال سينمائية أو درامية أخرى خاصة المأخوذة مع أصل روائى، لأن مع الوقت تكون هناك معالجة مختلفة وأكثر عصرية للعمل، على حد تعبيره، موضحاً: «المجتمع تمر عليه تغيرات عديدة ومقاييسه وأحكامه تختلف وبالتالى يمكن تغير العصر الذى تدور الرواية فى أحداثه، وعلى الرغم من شرعية إعادة تقديم العمل مرة أخرى إلا أن المقارنة ستحدث لا محالة».
من جانبه، قال الناقد محمود قاسم إن رواية «شباب امرأة» كتبها أمين يوسف غراب ولكن بعد عرض الفيلم، موضحاً: «الفيلم هو الذى تحول إلى رواية وليس العكس كالمعتاد، ولكن الرواية جاءت بشكل مختلف عن القصة، حيث يدور جزء كبير منها عن حياة الشاب إمام فى القرية والسنوات الأولى من حياته».
وأشاد «قاسم»، لـ«الوطن»، بالاتجاه الذى عاد فى الفترة الأخيرة بالاعتماد على الأعمال الروائية فى الدراما وهو ما يضمن لصناع المسلسلات نسبة من النجاح لأنهم يرتكزون على أعمال ناجحة فى المقام الأول، ولكن تكون عليهم مسئولية تقديم معالجة خاصة وبناء وتناول درامى للقصة يناسب الوسيط المرئى، متابعاً: «من المهم أن يلتفت صناع الدراما إلى الأعمال الروائية للكتاب الشباب التى نشرت فى الفترة الأخيرة وحصلت على العديد من الجوائز التشجيعية».
فى الوقت الذى اختار صناع مسلسل «شباب امرأة» أن تكون أحداث المسلسل معاصرة، احتفظ صناع مسلسل «النُّص» بالعصر الأصلى للقصة التى تدور فى عشرينات القرن الماضى حول «شيخ النشالين» الذى يدعى بـ«عبدالعزيز النص»، وهو كما جاء فى المذكرات الأصلية التى نشرت فى عام 1930، واحد من أشهر النشالين فى مصر وامتلك موهبة وذكاء وخفة فى الحركة مكّنته من أن يُكوِّن ثروة كبيرة، ولكن أدخل صناع المسلسل خطاً درامياً جديداً على القصة الأصلية، إذ يُكوّن «النُّص» ضمن أحداث المسلسل عصابة يبدأ من خلالهم القيام بعمليات ضد الاحتلال الإنجليزى ليكون مطلوباً من قبلهم مما يجعل منه بطلاً.
وعن التغييرات ما بين كتاب «مذكرات نشال» والمسلسل المستوحى منه، أوضح الكاتب وجيه صبرى، الذى تعاون فى كتابة المسلسل مع شريف عبدالفتاح وعبدالرحمن جاويش، أن العمل مختلف عن الكتاب، رغم الحفاظ على روح القصة الأصلية والعصر الذى تدور فيه، ولكن تم إدخال العديد من الأحداث والشخصيات الجديدة ليكون التناول مختلفاً لإضافة مساحات جديدة بشكل يخدم العمل الإبداعى فى شكله الدرامى وليس القصصى.
الأمر نفسه أكده الكاتب أيمن عثمان، الذى أعاد تقديم مذكرات نشال، قائلاً إن العمل الدرامى لا يجب أن يلتزم بكل ما جاء فى الكتاب سواء من أحداث أو شخصيات، بل لدى صناعه الحرية فى اختيار ما يناسبهم لأنه عمل إبداعى وليس وثائقياً.
«خطوة مهمة تؤكد الريادة المصرية وقوتها الناعمة»، هكذا وصف الكاتب أيمن عثمان فى تصريحات لـ«الوطن»، تحويل الأعمال الأدبية إلى الدراما أنه من أسس القوة الناعمة المصرية، وتحديداً الأعمال الأدبية المصرية التى تقدم حكايات مصرية خالصة من واقع المجتمع وتعبر عنه، متابعاً: «هي خطوة مهمة تساعد فى اكتشاف العديد من الكتاب والموهوبين الشباب، كما تواجه تمصير أو تعريب الأدب أو الدراما الغربية، حتى أصبحنا نرى أعمالاً بعيدة تماماً عن المجتمع المصري ولا تعبر عنه وفى ذلك الوقت يكون من المهم تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال درامية حتى تكون الدراما معبرة عن الشعبين المصري والعربي».
وأشاد الناقد أحمد سعد الدين باتجاه صناع الدراما إلى الأدب فى الفترة الأخيرة، قائلاً: «السينما والدراما منذ بدايتهما اعتمدا على الأدب بشكل كبير، فالعمل الأدبي يضمن بنية روائية ثرية يمكن من خلالها تقديم أحداث وصراعات ومواقف تنتج عملاً فنياً جيداً».
وأشار إلى أن الروايات يمكن تقديمها أكثر من مرة بشكل مختلف، ولكن الفيصل فى الأمر هو الكاتب، الذى يأخذ روح الرواية ويبنى عليها أحداثاً بشكل مختلف ونجاح العمل فى ذلك الوقت يتوقف على نوعية التناول للقضايا والأفكار التي اختار الكاتب طرحها من خلال المسلسل، فنجاح العمل من عدمه يعتمد على التناول الدرامي للقصة، سواء كانت نصاً أصلياً أو عملاً مأخوذاً عن رواية.