رفعت رشاد يكتب: المقاطعة سلاحنا في مواجهة أمريكا

رفعت رشاد يكتب: المقاطعة سلاحنا في مواجهة أمريكا

رفعت رشاد يكتب: المقاطعة سلاحنا في مواجهة أمريكا

رفعت رشاد يكتب: المقاطعة سلاحنا في مواجهة أمريكا

منذ فترة كان هناك تساؤل مطروح: ماذا في اليوم التالي لحرب غزة؟ ويبدو أن هذا اليوم التالي لن يأتي بعدما قرر العدو تحطيم القواعد والاتفاقات لتدمير غزة تدميرا شاملا وتهجير مواطنيها وهي جريمة تتم أمام العالم.

في نفس الوقت لا تتخذ الدول العربية ما يلزم لوقف العدوان بشكل كاف ولم يعد أمامنا إلا المواقف الشعبية لمواجهة القوة الغاشمة التي تحتمي في أمريكا، بل إن أمريكا نفسها لا تخفي أطماعها في غزة. لذلك على الشعوب العربية أن تتدبر أمورها وأن تنظم حملات مقاطعة للسلع الأمريكية والإسرائيلية ولسلع الدول التي تناصرهما ضد الحق الفلسطيني.

لم تكن المقاطعة الاقتصادية يومًا مجرد رد فعل عابر، بل كانت ولا تزال أداةً فعالةً في يد الشعوب لمواجهة الهيمنة السياسية والاقتصادية التي تمارسها القوى الكبرى. في صراع الشعوب العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، لطالما كانت المقاطعة أحد أساليب المقاومة التي أثبتت فاعليتها عبر التاريخ.

إن مراجعة التاريخ تكشف لنا أن سلاح المقاطعة ليس بجديد على الأمة العربية. فخلال العقود الماضية، شنت الدول العربية حملات مقاطعة ضد الشركات التي تدعم إسرائيل، ونجحت هذه الحملات في إلحاق ضرر اقتصادي ملموس ببعض الشركات الكبرى، ما دفعها إلى إعادة النظر في تعاملها مع الكيان الصهيوني. وإذا كان الماضي قد شهد نجاحًا لهذه السياسات، فإن الواقع الحالي يطرح تساؤلًا جادًا: هل يمكن تكرار التجربة ولكن على نطاق أوسع يشمل المنتجات الأمريكية ذاتها؟

تكمن قوة المقاطعة في اعتمادها على وعي المستهلك وقدرته على التحكم في قراراته الشرائية. فإذا اجتمعت الجماهير العربية والإسلامية على قرار موحد بعدم شراء المنتجات الأمريكية، فإن هذا قد يُلحق ضررًا حقيقيًا بالاقتصاد الأمريكي، لا سيما أن المنطقة العربية تُعد سوقًا استهلاكية ضخمة للمنتجات الغربية. فلو انخفض الطلب على السلع الأمريكية، فإن الشركات ستواجه خسائر تدفعها إلى إعادة تقييم مواقفها السياسية أو ممارسة الضغط على حكومتها لتعديل سياساتها الخارجية.

يتطلب نجاح المقاطعة آلية منظمة تتجاوز ردود الفعل العاطفية العفوية. فمن الضروري إنشاء قوائم واضحة بالمنتجات والشركات المستهدفة، وتوفير بدائل محلية أو دولية للمستهلكين، بالإضافة إلى نشر الوعي بأهمية هذه الخطوة على المستوى الاقتصادي والسياسي. فالمقاطعة لا تعني مجرد الامتناع عن شراء منتج معين، بل هي حركة مدروسة تهدف إلى إحداث تغيير جذري في موازين القوى الاقتصادية.

أما عن تأثير المقاطعة على الاقتصاد الأمريكي، فإن النجاح يعتمد على مدى اتساع نطاقها واستمراريتها. فحينما تعرضت بعض الشركات لحملات مقاطعة في السابق، اضطرت إلى تغيير سياساتها الدعائية في بعض الدول العربية. وإذا ما تكررت هذه الضغوط على نطاق أوسع، فإن الشركات الأمريكية قد تجد نفسها في مواجهة أزمة تتطلب حلولًا سياسية، ما قد ينعكس على مواقف واشنطن ذاتها.

من ناحية أخرى، ينبغي إدراك أن المقاطعة لا تخلو من تحديات. فالعولمة جعلت من الصعب فصل الاقتصاديات عن بعضها البعض، وهناك العديد من الشركات متعددة الجنسيات التي قد يكون من الصعب استهدافها بشكل فعال. كما أن الأنظمة الحاكمة في بعض الدول قد لا تتبنى رسميًا هذا التوجه، ما يجعل نجاح المقاطعة مرهونًا بمدى تجاوب الشعوب وقدرتها على فرض إرادتها على الأسواق.

ورغم هذه العقبات، فإن المقاطعة تظل أداة تمتلكها الشعوب حين تفقد الحكومات خياراتها الدبلوماسية أو حين تصبح القرارات السياسية عاجزة عن إيقاف الجرائم بحق الأبرياء. إن الضغط الشعبي، حين يكون منظمًا وواسع النطاق، قادر على صنع معادلات جديدة في العلاقات الدولية، كما حدث مع جنوب إفريقيا في زمن التمييز العنصري، أو كما حدث مع الاحتلال البريطاني للهند حين استخدم المهاتما غاندي المقاطعة الاقتصادية كسلاح رئيسي في مقاومته.

إن الشعوب العربية والإسلامية وأعدادها بمئات الملايين، اليوم أمام فرصة تاريخية لإثبات أن إرادتها لا يمكن الاستهانة بها، وأن الأموال التي تضخها في الأسواق العالمية يمكن أن تكون أداة ضغط سياسي مؤثرة. فإذا ما تكاتفت الجهود، وتم اعتماد المقاطعة كوسيلة نضال حقيقية وليس مجرد رد فعل مؤقت، فإن الأثر سيكون واضحًا، وستجد القوى الكبرى نفسها مجبرة على إعادة النظر في مواقفها، وإلا فإنها ستدفع ثمن تجاهل إرادة الشعوب.

إن التاريخ يعلمنا أن كل قوة اقتصادية، مهما بلغت هيمنتها، تعتمد في النهاية على المستهلكين، فإذا قررت الشعوب أن تسحب دعمها المالي من تلك القوى، فإنها بذلك توجه رسالة لا يمكن إغفالها: أن الحقوق لا تُباع، وأن الدماء التي تُسفك لن تُمحى إلا بتحقيق العدالة، وأن إرادة الشعوب هي السلاح الذي لا يُهزم.


مواضيع متعلقة