رفعت رشاد يكتب: حليم.. أغنية حب عابرة الأجيال
في سماء الطرب العربي، يظل عبد الحليم حافظ نجمًا لا يخبو، وصوتًا يسكن القلوب قبل الآذان. لم يكن مجرد مطرب يغني، كان عاشقًا صادقًا يعبر عن مكنونات العشق والحزن والفرح والحنين، فأصبحت أغانيه وسيلة المحبين للتعبير عن مشاعرهم، ورسائلهم التي تنبض بالحياة.
كان صوت العشق ورسائل القلوب، الحب عنده لحنًا ، لم يكن في أغانيه مجرد كلمة، بل حالة يعيشها بكل جوارحه.
حين غنى جانا الهوى، لم يكن يصف لقاءً عابرًا، بل كان يحكي قصة عشقٍ يحملها النسيم. وعندما صدح بصوته أهواك، جعل الحب نشيدًا يردده كل قلب عاشق.
عاش 48 عاما، كانت رحلة غنائية تألق فيها وتلألأ نجمه ، ملأ سماء الفن حبا ، وملأ عالم الحب نغما، وأسمع البنات والنساء اجمل كلمات الغرام . ملأت رسائل العتاب صوت العندليب، لم يكن الحب عنده دائمًا هادئًا، كان فيه من العتاب ما يثقل القلوب. في حاول تفتكرني، كان العندليب يبكي بصوته، يسأل محبوبته أن تتذكره، أن تعود ولو لحظة.
كان العتاب نغمة رقيقة تحمل بين طياتها الأمل والحزن معًا، فكم من عاشقٍ وجد فيها كلماته حين خذله الحب.
كان لومه المحبوب أرق من النسيم، وعندما غنى موعود، كان اللوم ينساب كنسيم الفجر، لا يجرح ولا يثقل، بل يهمس بلطفٍ في الأذن: لماذا تعذبني وأنت تعلم مقدار حبي؟ لقد جعل من اللوم غلالة شفافة من المشاعر، لا تعصف بالمحب، بل تجعله يغرق أكثر في بحر الهوى.
وهو حليم، الذي حول ألم الفراق إلى لحن خالد. عندما تحدث عن الفراق، فإنه نزف ألمًا صادقًا. في أي دمعة حزن لا، لم يكن يغني فحسب، بل كان يواسي القلوب التي أنهكها الفراق، ويمنحها أملًا بأن الحياة تستمر رغم الألم. وفي ذات الوقت لم يتخلى عن الأمل في الحب وهو ما صاغته الألحان.
فلم يدع الحزن لأن يكون سمة دائمة في أغانيه، كان عبد الحليم يفاجئنا بالتفاؤل أيضًا. حبيبتي من تكون لم تكن مجرد أغنية، بل كانت رحلة بحث عن حبٍ يليق بقلب عاشقٍ متيم، يرفض أن يترك الأيام تمضي بلا أمل.
كانت أغانيه شاهدة على العشق ولم تكن مجرد نغمات، كانت ذكريات محفورة في القلوب. جانا الهوى كانت دليل لقاء، وموعود كانت تمتمات قلبٍ متألم، ونبتدي منين الحكاية كانت حيرة كل عاشقٍ يبحث عن بداية لحبٍ جديد.
وكان العندليب صديق العشاق الدائم فهو لم يكن مجرد مطرب يصدح بصوته، كان صديقًا لكل عاشق، ملجأً لكل قلبٍ حائر، صوتًا يبوح بما تعجز عنه الكلمات.
في ليالي الحب، كان الحاضر الدائم، وفي لحظات الحزن، كان البلسم الذي يخفف الألم.
ترك حليم إرثٌا لا يندثر ، فرغم مرور السنين، تظل أغانيه تسكن القلوب، شاهدةً على قصص حبٍ ولدت، وذكرياتٍ لم تندثر. فهو لم يكن مجرد فنانٍ مرَّ في تاريخ الغناء، بل كان وما زال، رمزًا خالدًا للحب والعاطفة والمشاعر الصادقة.
عاش العشاق والمغرمون على كلمات أغانيه، رددوها مع أحبائهم . كتبوها في رسائل احتضنها عشاقهم . فإذا التقوا الحبيب وشعروا بغرام يلهب مشاعرهم غنوا هي دي هي.. فرحة الدنيا وإذا شعر الحبيب بأن رفاقه يلومونه على حبه يقول لهم بتلوموني ليه.. لو شفتم عينيه حلوين أد إيه وإذا أراد تأكيد غرامه للحبيب غنى أنا لك على طول، ليثبت للحبيب أن قلبه أول مرة يحب تأكيدا لأسبقية الاستحواذ على القلب، وعندما تتعمق العلاقة يغني بحلم بيك أنا بحلم بيك فقد وصل الشوق والسهاد إلى مرحلة عميقة.
وإذا شعر الحبيب أن حبيبه التفت عنه يقول الحلو حياتي وروحي وأقوله إيه؟ إن قلت بحبه.. الحب شوية عليه راغبا في استعادته مرة أخرى، أما إذا اتهم حبيب حبيبه بأنه نسي حبه ، يرد عليه قائلا: لو كنت يوم أنساك إيه أفتكر تاني.
أما إذا كانت مشاعر الأحبة عكسية أو سلبية فهم يتعاملون معها بأغاني أخرى . فقد يهدد الحبيب حبيبه بأن توبة إن كنت أحبك تاني، أما إذا كان الحبيب قد التفت لآخر، يخاطبه حبيبه تخونوه وعمره ما خانكم ولا انشغل عنكم وقد يعاتبه قائلا حلو وكداب ليه صدقتك ، وقد يلقي بالتهم علي حبيبه قائلا جبار.. خدعتني ضحكته وخانتني دمعته وقد يلوم قلبه على حبه لست قلبي أنا إنما أنت قلبها .
غنى حليم ما يقرب من 250 أغنية متنوعة ما بين العاطفية والوطنية، وكان في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين صوت ثورة يوليو وقد عبر عن المرحلة الثورية أفضل تعبير.
لم يكن حليم صوتًا عابرًا، كان روحًا متغلغلة في أعماق العشق، وصدىً لا يخفت مهما تعاقبت الأجيال. ومازلنا نتذكر صوته الذي طالت همساته في أذان العشاق وقلوبهم؟