رفعت رشاد يكتب.. القضية الفلسطينية بين المساندة الإعلامية والتعتيم الممنهج

رفعت رشاد يكتب.. القضية الفلسطينية بين المساندة الإعلامية والتعتيم الممنهج

رفعت رشاد يكتب.. القضية الفلسطينية بين المساندة الإعلامية والتعتيم الممنهج

شهدت القضية الفلسطينية اهتمامًا إعلاميًا عالميًا واسعًا في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة. انطلقت وسائل الإعلام العالمية بما فيها الغربية بتغطيات مكثفة كشفت بشاعة الدمار وعمق المأساة الإنسانية. إلا أن هذا الزخم الإعلامي لم يدم طويلًا، إذ بدأت الضغوط السياسية تُمارَس على المؤسسات الصحفية والإعلامية، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في التغطية وتسليط الضوء على السردية الإسرائيلية على حساب معاناة الفلسطينيين.

في الأيام الأولى من العدوان، تنافست وسائل الإعلام الدولية في نقل الصور الحية للدمار، وعرضت التقارير الميدانية التي فضحت الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين. اجتاحت المشاهد الدامية شاشات التلفزة وصفحات الصحف، مما أثار تعاطفًا دوليًا واسعًا وشكّل ضغطًا على الحكومات الغربية. كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في توجيه أنظار العالم نحو الجرائم المرتكبة، حيث انتشرت مقاطع الفيديو والصور المروعة التي نقلها الصحفيون الفلسطينيون والمواطنون العاديون. هذا الزخم الرقمي دفع كبرى وسائل الإعلام إلى تناول القضية بتغطيات مكثفة، إدراكًا منها لحجم الاهتمام الجماهيري.

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الضغوط السياسية تمارس على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية لتقليل التركيز على جرائم الاحتلال الإسرائيلي. الحكومات الغربية، التي تربطها علاقات استراتيجية بإسرائيل، مارست نفوذها على المؤسسات الإعلامية لمنع استمرار هذه التغطية المكثفة، مستغلة نفوذها الاقتصادي والسياسي على كبريات شبكات الأخبار والصحف.

مع تراجع التغطية الإعلامية، بدأ الرأي العام العالمي يفقد ارتباطه بالقضية، حيث تضاءلت التقارير حول الضحايا الفلسطينيين، وازداد التركيز على السردية الإسرائيلية التي تدّعي «حق الدفاع عن النفس». هذا التراجع قلّل من حجم الضغوط الشعبية على الحكومات الغربية لاتخاذ موقف ضد الاحتلال.

عندما يتعلق الأمر بالحروب في مناطق أخرى، نرى الإعلام الغربي يقدم تغطية مكثفة تندد بالمجازر والانتهاكات، كما حصل في أوكرانيا. إلا أن نفس المعايير لا تُطبّق عندما تكون الضحية فلسطينية، ما يعكس انحيازًا صارخًا يخدم المصالح السياسية للدول الداعمة لإسرائيل.

تلعب اللوبيات الصهيونية دورًا محوريًا في التحكم بخطاب الإعلام الغربي، مستخدمة نفوذها الاقتصادي والسياسي لفرض سردية معينة. يتم تهديد الصحفيين الذين يتجرؤون على انتقاد إسرائيل بفقدان وظائفهم أو التعرض لحملات تشويه، مما يجعل التغطية الإعلامية خاضعة لمصالح القوى الكبرى.

العديد من الصحفيين الغربيين الذين سعوا إلى تقديم رواية محايدة أو منحازة للحقيقة واجهوا ضغوطًا هائلة، وصلت إلى حد الفصل من العمل أو تشويه سمعتهم المهنية. تعرض بعضهم لمضايقات قانونية أو حظر من قبل وسائل الإعلام الكبرى، ما يعكس حجم السيطرة المفروضة على تدفق المعلومات.

في ظل هذا التعتيم، برزت وسائل الإعلام البديلة والمنصات الرقمية كمنابر مستقلة تنقل الحقيقة دون قيود. لعب الصحفيون المواطنون، والمدونون، وصانعو المحتوى على الإنترنت دورًا بارزًا في إبقاء القضية الفلسطينية في صدارة المشهد الإعلامي، متحدّين الضغوط السياسية والممارسات القمعية.

من الضروري أن يستمر النشطاء والصحفيون المستقلون في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين، باستخدام كل الوسائل الرقمية المتاحة. يجب على الشعوب أن تدرك أن التأثير على الرأي العام العالمي لا يزال ممكنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والضغط الشعبي المستمر.

إن الصمت أمام التعتيم الإعلامي هو بمثابة تواطؤ مع الظلم. تقع المسؤولية على كل من يملك صوتًا لفضح هذه الجرائم، سواء كانوا إعلاميين، مفكرين، أو مواطنين عاديين. تبقى القضية الفلسطينية امتحانًا حقيقيًا لمبادئ الإنسانية والعدالة في عالم تتحكم فيه المصالح السياسية.

التراجع الإعلامي عن تغطية معاناة غزة لم يكن نتيجة نقص في المعلومات، بل هو انعكاس لضغوط سياسية واقتصادية تمارسها الحكومات الغربية واللوبيات الصهيونية. لكن الحقيقة لا يمكن حجبها إلى الأبد، فبفضل الإعلام البديل والتواصل الرقمي، لا يزال بإمكان الشعوب إيصال صوت المظلومين وكشف جرائم الاحتلال أمام العالم.


مواضيع متعلقة