رفعت رشاد يكتب: الصراع ساخن على الهيمنة التكنولوجية بين أمريكا والصين

رفعت رشاد يكتب: الصراع ساخن على الهيمنة التكنولوجية بين أمريكا والصين
لا يسير التاريخ على وتيرة واحدة، أو بمتواليات نمطية، إنما يتحول فى انعطافات مفاجئة وسريعة فتتغير الحياة على مساحات من الأرض وتتغير صورة وصفحات التاريخ حسبما تتغير الظروف والأحداث.
ومن أهم العوامل التى تغير التاريخ الحروب والاختراعات العسكرية والأسلحة الأحدث التى تشهدها كل معركة. لعبت الاختراعات العسكرية دوراً جوهرياً فى تغيير موازين القوى بين الدول. أثرت بشكل مباشر على نتائج الحروب وأدت إلى صعود قوى عظمى وسقوط إمبراطوريات.
كانت العجلة الحربية من أهم الابتكارات فى العصور القديمة. ظهرت لأول مرة فى بلاد الرافدين ومصر القديمة. منحت الجيوش التى استخدمتها سرعة فائقة وقدرة على المناورة، ما أدى إلى التفوق العسكرى. واكتشف الصينيون البارود فكان المقدمة لاختراع الأسلحة النارية، وكان المدفع أحد أهم الأسلحة التى غيرت طبيعة الحروب فى القرون الوسطى، ظهر فى الصين وانتقل إلى أوروبا ما مكن الجيوش من تحطيم القلاع والحصون وإنهاء عصرهما، وانتهى بذلك عصر الجياد والفرسان المدججين بالدروع وتغيرت التكتيكات العسكرية بالكامل.
كان البارود وسيلة جوهرية للتوسع فى اختراع وإنتاج الأسلحة النارية بأنواعها، ما أدى إلى اختراع البندقية والمسدس، وكانت أوروبا الأكثر استفادة من تلك الاختراعات وبدأت بها عصر الاستعمار والغزو الموسع لقارات جديدة وقديمة. بالأسلحة النارية قتل الأوروبيون الملايين من السكان الأصليين فى البلاد التى استعمروها، وتفوقت أسلحتهم بنسبة لا تقارن على الأسلحة التقليدية مثل الرماح والسيوف.
وكما كانت دول الأمريكتين نموذجاً لتغيير الأسلحة النارية التركيبة السكانية وتمهيد الواقع للاحتلال الأوروبى الممتد للقارتين، أنهى الإنجليز فى الهند حكم المغول للأبد باستخدامهم البندقية فى مواجهة السيوف التقليدية، وصارت الأسلحة النارية التى استخدمها الاستعمار بكثافة وسيلته لبناء إمبراطوريات واسعة والاستيلاء على ثروات الشعوب. ولم يتوقف الأمر عند ذاك الحد، إنما تواصل لينتج الإنسان الصواريخ والأسلحة النووية والطائرات التقليدية والمسيرة التى كانت بدورها عنصراً مهماً للغاية فى تغيير مسار العديد من الحروب وهيمنة دول على غيرها.
فى الزمن المعاصر تغير شكل الصراع، خاصة فى الوقت الحاضر حيث اشتعلت المنافسة بين أمريكا والصين على السبق وتغيير العالم من خلال التفوق التكنولوجى. مؤخراً أدى ظهور الذكاء الاصطناعى الصينى ديب سيك إلى اشتعال المنافسة لاستشعار أمريكا بخطورة هذه الخطوة، وقامت شركة أوبن آى الأمريكية بالرد على ديب سيك، بذكاء اصطناعى جديد هو ديب ريسيرش فى خطوة تستهدف التأكيد على التشبث بالحفاظ على المكانة الأمريكية.
هكذا يتبادل الطرفان اللكمات فى سبيل الهيمنة التكنولوجية، سلاح الحاضر والمستقبل. المنافسة المستعرة تعكس الصراع الاقتصادى والجيوسياسى والاستراتيجى بين العملاقين. وإذا كانت أمريكا ما زالت تحتفظ بتفوقها بميزة تنافسية فى مجال الرقائق الإلكترونية، فإن الصين تشهد تقدماً سريعاً قد يؤدى إلى إعادة تشكيل موازين القوى مستقبلاً، حيث تسعى حثيثاً لابتكار حلول بديلة بعدما فرضت أمريكا قيوداً بشأن تصدير الشرائح المتقدمة لها. وتبذل الشركات الصينية جهودها للحاق بما تطرحه التكنولوجيا الأمريكية والحفاظ على القدرة على المنافسة.
تسعى الصين للحاق بأمريكا فيما يتعلق بحجم البيانات التى تعد وقود الذكاء الاصطناعى. تمتلك أمريكا حوالى 77% من قدرة الحواسب السحابية العالمية من خلال شركاتها العملاقة بينما تمتلك الصين حوالى 23% من هذه البيانات وهو مؤشر على تصاعد المنافسة القوية بين الطرفين.
إن الصراع بين أمريكا والصين يتجاوزهما إلى الدول النامية التى تعتمد على أى من الدولتين فى مجال الذكاء الاصطناعى وهو ما يعنى تبعية تلك الدول تكنولوجياً فيما صار يسمى بالاحتلال الخوارزمى، كما أن هذا الصراع سيؤدى إلى زيادة تأثير الشركات التى تتحكم فى مجال الذكاء الاصطناعى والهيمنة التكنولوجية، ومن المحتمل أيضاً دخول أطراف أخرى مجال التأثير التكنولوجى المهيمن مثل الاتحاد الأوروبى والهند.
إن الصراع بين الدول يلزمه سلاح، لكن السلاح يتغير بتغير الزمن وتطور الاختراعات والتكنولوجيا.