صباح يوم الأربعاء 29 يناير 2003، استيقظت مصر على قرار تعويم الجنيه، ذلك القرار الذى لم يكن مفاجئاً للبعض فقط، بل كان أيضاً صدمة لمحافظ البنك المركزى المصرى الأسبق الدكتور محمود أبوالعيون، الذى استيقظ هو الآخر على القرار دون علم مسبق.
وسبقت قرار «حكومة عاطف عبيد» بتعويم الجنيه، إجراءات عدة قوّضت تداول العملات الصعبة محلياً، مما أعطى انطباعاً لدى المتعاملين فى السوق بأن سعر الجنيه لا يعبّر عن قيمته الحقيقية، مما هيّأ المناخ لمضاربات شديدة على العملة الأمريكية، نشّطت السوق السوداء، وارتفعت معها أسعار العملات وخرجت الأمور عن السيطرة.
تحرير سعر صرف الجنيه لم يكن محسوباً له بدقة، قرار سياسى مفاجئ، صدر دون دراسة مسبقة من قِبل البنك المركزى، كان من الضرورى أن يُمنح الوقت الكافى لتنظيم السوق، حتى لا يخرج الأمر عن نطاق السيطرة، كما حدث بالفعل. وبينما كانت الحكومة تتدخّل فى الشئون المصرفية والنقدية، فقد خرج «أبوالعيون» من منصبه إثر خلافات حادة نشبت بينه وبين «عبيد»، تولى بعدها الدكتور فاروق العقدة قيادة دفة «المركزى» فى نوفمبر 2003، ثم استقرت الأمور بعد أن تمتّع البنك بالاستقلالية.
تصريحات أشرف سالمان، وزير الاستثمار فى الحكومة المستقيلة، حول خفض قيمة الجنيه، التى تراجع عنها، مؤكداً استقلالية «المركزى»، أضرت بالسوق بلا شك، وفتحت شهية تجار العملة وخلقت أزمة، ولولا إجراءات سوق الصرف الشهيرة، التى أصدرها هشام رامز، محافظ البنك المركزى، مطلع العام الحالى، لتفاقمت الأمور ولم نجد دولاراً واحداً فى السوق.
لا أعلم لماذا لا نتعلم من دروس الماضى؟، لماذا يصر مسئولون حكوميون على التدخل فى شئون السياسة النقدية؟، التى حافظت على أرصدة الاحتياطى النقدى الأجنبى من الانهيار، وعلى سعر الجنيه من الانفلات فى وقت تمر فيه البلاد بظروف استثنائية صعبة كادت تدمر كل ما سبق، لولا إدارة محترفة ومتمتعة بالاستقلالية.
لا أحد يمكنه الإعلان عن سعر الجنيه أمام العملات الأخرى بشكل مسبق، حتى محافظ البنك المركزى المصرى نفسه، فهى مسألة أمن قومى.
البنك المركزى استقلاليته سر نجاحه، يمتلك أدواته، يعرف ما عليه فعله، ضبط الإيقاع النقدى، إدارة الاحتياطى الأجنبى وسوق الصرف وفقاً لأولويات الوطن، المساهمة فى تهيئة المناخ للاستثمار، القضاء على السوق السوداء، رغم انخفاض إيرادات الدولة من العملة الصعبة، المرحلة المقبلة تتطلب تنسيقاً كاملاً بين السياسات المالية والنقدية، لتحقيق الأهداف التنموية.