تتوزع أنماط تديّن الإنسان العربى المعاصر على ثلاث فئات أساسية، تأخذ من ظاهر الإسلام أكثر مما تنبع من جوهره.. وتشمل: نمط التدين الطقوسى، ونمط التدين الاحتفالى، ونمط التدين الانفعالى.
التدين الطقوسى، كما يظهر من مسماه، ينشغل بأداء الطقوس التعبدية فى الإسلام، وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج. هناك قطاع من المسلمين العرب يوغلون فى أداء العبادات وكأنها كل الإسلام، ولا يستوعبون أن «العبادة» وسيلة وليست غاية، بعبارة أخرى هى أداة للارتقاء بسلوك المسلم، فالصلاة «تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون»،َ والصيام وسيلة للارتقاء بالنفس إلى مرتبة التقوى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وكذلك الحج «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى». والزكاة هدفها تطهير النفس من الأثرة والأنانية: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا»، فالعبادات هدفها دعم منظومة الأخلاق التى يحث عليها الإسلام، والارتقاء بسلوك المؤمنين. ولك أن تقيس الأوضاع الأخلاقية داخل المجتمعات العربية إلى طوابير المصلين والصائمين والحجاج والمعتمرين فى مجتمعاتنا، وتسأل عن أى مستقبل يبحث العربى المأزوم؟
التدين الاحتفالى، كما يظهر من اسمه، يركز على المناسبات الدينية ويحولها إلى احتفاليات، انظر على سبيل المثال إلى مشاهد صلاة العيد، وكم الصور السيلفى التى يلتقطها المصلى لنفسه ولأفراد أسرته فى ساحات الصلاة، واسترجع عادة «السيلفى» التى تمددت إلى شعائر الحج والعمرة، وكم الصور التى يتداولها الحجيج والمعتمرون، ثم اسأل هل المستغرق فى عبادة يمكن أن ينشغل بالتصوير والترويج لنفسه وهو يصلى أو يحج أو يعتمر ليحتفل أصدقاؤه معه بالمناسبة؟.. أما شهر رمضان فحدث ولا حرج فقد تحول لدى البعض إلى شهر احتفالى بالكامل، ولك أن تتعجب وأن تتابع حجم استهلاك المجتمعات العربية للمأكل والمشرب الذى يرتفع بشكل ملحوظ خلال أيامه الكريمة، مع أنها أيام صيام!
التدين الانفعالى شكل آخر من أشكال التدين الشائع فى المجتمعات العربية، وهو كما يبدو من مسماه يرتكز على فكرة الانفعال العصبى أكثر مما يعتمد على الفهم العقلانى الرشيد، وهو قد يصل بصاحبه إلى درجة من التشدد، تجعله خطراً على نفسه ومن حوله. ويستفحل الأمر حين يتجمع المنفعلون فى جماعة تعبر عن مفهومهم الغاضب للإسلام، الدين السمح الذى يحث على الإيجابية والبناء وليس الهدم والتدمير.
إذا كنا نريد كمجتمعات عربية طرق باب المستقبل، علينا أن نعيد النظر فى هذه الأنماط والأشكال المختلفة من التدين، ونحيى قيم الإسلام الحقيقية ومنظومته الأخلاقية التى تحث على احترام الإنسان، وحماية كرامة «بنى آدم»، وقبول الآخر، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والصفح عن المسىء، واحترام قيمة الوقت، وإتقان العمل، وخدمة الناس، فبذلك فقط يستطيع العرب تفعيل دور الدين كوسيلة للعبور الآمن نحو المستقبل.