«أبوعطوة».. مقبرة جماعية للإسرائيليين وحاخام يهودى لاستخراج الرفات

«أبوعطوة».. مقبرة جماعية للإسرائيليين وحاخام يهودى لاستخراج الرفات
فى طريق تحيطه مساحات خضراء من الجانبين، على بعد بضعة كيلومترات، جنوب محافظة الإسماعيلية، تقع منطقة أبوعطوة، شهدت المنطقة ملحمة بطولية مر عليها 41 عاماً، صد فيها الجنود المصريون العدوان الإسرائيلى عقب اختراق ثغرة الدفرسوار، ومحاولة الدخول إلى مدينة الإسماعيلية، واحتلالها، وإضعاف الجيش المصرى، فدارت بين الجيشين معركة شرسة استطاع خلالها الجنود المصريون تدمير عدد من الدبابات الإسرائيلية، كما يشهد بذلك متحف حربى موجود فى المنطقة يجسد الواقعة.
بوجه ترتسم فيه التجاعيد كخيوط شاهدة على مرور الزمن، يتوسطه شارب أبيض صغير، وعينان تلمعان بابتسامة نابعة من القلب، كلما تذكر العقل أسعد أيام حياته، جلس متولى عبدالفتاح، 80 عاماً، على كرسى خشبى، ممسكاً بعصاه، مرتدياً جلبابه الأبيض وعمامة بيضاء تغطى شعره الذى شاب، يروى كيف كان ذلك المكان شاهداً على بسالة جنود ضحوا بأرواحهم من أجل تراب وطن ضاع من بين أيديهم قبل ذلك الميعاد بـ6 سنوات.
5 دبابات خضراء معروضة فى الشارع، اثنتان منها موضوعتان داخل حديقة على يمين الطريق، أما الثلاث الأخرى فتستقر فى الناحية اليسرى، يقع خلفها حائط مرسوم عليه جندى مصرى يحمل علم بلاده، ومجموعة من الأسماء مكتوبة عليه، يقولون إنها أسماء الجنود الذين قاموا بصد العدوان الإسرائيلى على المنطقة بعد اختراق الثغرة، كان أبرزهم العقيد إبراهيم الرفاعى، والمقدم محمود التميمى، واستشهدا أثناء صد العدوان الإسرائيلى فى معركة الثغرة.

إحدى الدبابات الإسرائيلية المأسورة فى السويس
يروى «متولى» أنه وقت اقتحام الإسرائيليين للثغرة بالقرب من السويس، كان يستمع للإذاعة المصرية عبر الراديو، وسمع أن القوات الإسرائيلية استطاعت العبور ودخول المنطقة الغربية لقناة السويس، وأن الرئيس السادات قال وقتها «دى زوبعة فى فنجان»، يقول إنه جلس يستمع حتى يحضر نفسه للهجرة من المكان، ولكن القوات الإسرائيلية كانت قد اقتربت على مشارف المدينة، فخرج مسرعاً بصحبة جيرانه، حتى إن الإسرائيليين قبضوا على بعض المواطنين وقتها واعتقلوهم فى سيناء، ثم تركوهم فيما بعد.
يقول «متولى» الذى كان يعمل بهيئة الرى فى ذلك الوقت، إن الجنود الإسرائيليين أصبحوا موجودين فى المنطقة، بجوار ترعة السويس، حتى وصلوا إلى قرية «أبوعطوة»، واستطاعوا تكوين نقاط بالقرب من خطوط السكة الحديد، وقتها قرر الأهالى ترك المكان نهائياً، فالوضع أصبح صعباً، وقوات الجيش سوف تدخل لصد العدوان، ولهذا فقد أخذ أولاده وزوجته وتركهم فى الشرقية، ثم عاد فى اليوم التالى.
يأخذ «متولى» نفساً عميقاً، وينظر إلى السماء، يصمت قليلاً، ثم يعاود الحديث، قائلاً: «يا سلام، كان فيه مقدم هنا اسمه محمود التميمى، كان راجل جدع بصحيح، الله يصلح حاله إذا كان عايش، والله يرحمه إذا كان مات، راجل ربنا نصره لأنه كان راجل كويس قوى»، يروى أنه عندما عاد فى اليوم الثانى صباح المعركة التى استمرت طوال الليل بين مجموعة من مقاتلى الصاعقة المصرية والجيش الإسرائيلى، دمر فيها الجيش المصرى عدداً من دبابات العدو، وتم قتل كل الجنود الإسرائيليين. «الشارع ده كانت الذخيرة فيه عاملة زى المية اللى ماشية على الأرض، والدم مالى المكان كله، والجيش المصرى منتشر فى كل حتة»، يقول «متولى» إنه عرف كل ما دار فى ليلة المعركة بين الجيش المصرى والإسرائيليين، وإن الجيش المصرى اتخذ مواقع حصينة لصد العدوان، واستطاعوا تفجير الدبابات المصاحبة لمجموعة الجنود الإسرائيليين، فى نفس المواقع التى توجد بها حالياً. يشير «متولى» بيديه إلى مبنى خلفه، قائلاً: «هنا كان فى قاعدة صواريخ للجيش المصرى، لمواجهة أى هجوم على المنطقة، والجنود المصريين خدوا أماكنهم فوق البيوت الموجودة». يروى أنه كان يوجد كلب كبير أسود اللون يسير خلفه باستمرار، فى ظهيرة اليوم وجد الكلب يمسك بفمه رأساً لمجند إسرائيلى طويل شعره ويسير به فى الشارع «يا نهار أسود يا ولاد، الكلب بيجر الجثث»، مشيراً إلى أن كل الجنود الإسرائيليين قد ماتوا وتم دفنهم فى نفس المكان. يقول «متولى» إنه تحدث للمقدم محمود التميمى طالباً منه أن يسمح له بالدخول إلى بيته، حتى يحمل متعلقاته على سيارة لينقلها من البيت إلى الشرقية، «أنا قلت له إحنا لينا بيوت هنا وحاجتنا جوة، بعت معانا عسكرى، وقال له لو الناس دى ليها بيوت دخلهم لو مفيش بيوت ليهم هاتهم عندى هنا»، يقول «متولى» أنه أخرج المفتاح الذى كان يدفنه بجوار الباب حتى لا يضيع منه، وفتح البيت فقال له العسكرى «ادخل بيتك يا حاج».

متولى
يروى أنه منذ 10 سنوات تقريباً، دخلت سيارة كبيرة بالقرب من المتحف الموضوع به الدبابات الإسرائيلية، وخرج منها حاخام يهودى، وبصحبته مجموعة من جنود الجيش، وخرج من السيارة كلب ذو حجم مبالغ فيه، ظل يجوب فى المنطقة، ويقف عند نقاط محددة، يستخرجون منها رفات جنودهم المدفونة خلف الجدران الموضوعة أمامها الدبابات.
ملف خاص:
«الوطن» فى 7 ساحات لمعركة استرداد الكرامة
«السويس الباسلة».. حكايات الفدائيين فى «بلد الغريب»
«تبة الشجرة».. أقوى الحصون الإسرائيلية التى أسقطها الجيش المصرى
«معدية نمرة 6».. صعد الشهيد عبدالمنعم رياض فارتفع علم مصر
«القنطرة شرق».. الباقى من المعركة مسجد وكنيسة وعبارة «الله أكبر» بدم أحد الشهداء
«كبريت».. أرض البطولات التى اشتراها عائلة مبارك بالملاليم
اللواء عبدالمنعم سعيد: الضربة الجوية «معجزة»
العميد عشماوى: السادات أرسلنى إلى «مؤتمر جنيف» لخداع إسرائيل وقلت لمندوبى أمريكا وتل أبيب: «لن نحارب»
العميد يسرى عمارة بطل موقعة أسر «عساف ياجورى»: عاملته باحترام وفق تعليمات الجيش المصرى
اللواء عبدالوهاب سيد عبدالعال: كنت سبباً فى تغيير خطة حرب أكتوبر