ليس غريباً أن يحتفى كل بيت مصرى بـ«يوم الشهيد» احتفاء يليق بقيمة وطن وُجد قبل أن يوجد التاريخ، ذلك أنه لم يخلُ بيت فى ربوع مصر من بطل، إما مشاركاً فى حروبها المجيدة، أو مستشهداً فى ميدان الشرف والكرامة، ودائماً ما يتوقف التاريخ أمام كل إنجاز مصرى، فمصر صاحبة القلم الذى يسطر البطولات عبر أبنائها الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة حق خالدة بأنهم «خير أجناد الأرض».
ولعله ليس خافياً على الأجيال الممتدة سر عظمة هذا اليوم المجيد، الذى يستعيدون به أمجاداً من ماضيهم تؤكد مضيهم قُدماً بخُطى واثقة نحو مستقبلهم، ففى التاسع من مارس لعام 1969، وقف المصريون يودعون واحداً من الأبطال التاريخيين العظام، ورمزاً من رموز العزة والكرامة المصرية، وهو الفريق أول عبدالمنعم رياض، الذى يستعيد كل مصرى بروحه وقلبه وجوارحه قصة استشهاده التى تبقى مفخرة للأمة ومثلها قصص عديد من الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لتراب مصر حتى وقتِنا الراهن ولم تزل دماؤنا على رمال سيناء شاهداً حياً وصارخاً فى وجه كل معتدٍ على تلك التضحيات.
وقصة الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض نموذج باقٍ فى وجه كل من تسوِّل له نفسه أن يمس هذا الوطن بسوء، حيث توجه الشهيد البطل للجبهة فى اليوم الثانى لحرب الاستنزاف حتى يطلع على نتائج قتال اليوم السابق، واقفاً بين أبناء القوات المسلحة فى فترة جديدة تتسم بطابع قتالى مستمر لاستنزاف العدو، فى حرب كانت مفصلية وممهدة للنصر المؤزّر فى السادس من أكتوبر لعام 1973، وأثناء مروره على القوات فى الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران وفارق الحياة أثناء نقله إلى مستشفى الإسماعيلية، ليخرج الشعب فى وداعه بجميع طوائفه يشيعون جثمانه بكل إجلال واحترام وكذا ببالغ الحزن على الشهيد البطل.
ليصبح هذا التاريخ من كل عامٍ «عيداً للشهيد المصرى»، يحتفل فيه المصريون ببطولات شهداء بواسل ضحوا بدمائهم من أجل كرامة كل مصرى.
وهذا ما أكده رئيس الجمهورية بالندوة التثقيفية خلال الاحتفال بيوم الشهيد، بأن الحفاظ على الأوطان حق يتطلب الجهد والتضحية، لذا جاء اليوم مزيجاً من لحظات الفخر والشجن معاً.
ولأن أرض الأبطال زاخرة بالشجعان فى كل زمان، فقد جاءت كلمة بطل معركة الحرب على الإرهاب وبطل التنمية والدعم، الرئيس والقائد الأب، مؤثرة ونافذة إلى وجدان الشعب، وقد كرم القائد السيسى أسر الأبطال الذين جرت فى عروقهم دماء مصرية تُضَخ من معين العزَّة وحب الوطن كحب الأب والأم والابن، فليس فى الحياة كلها أغلى من النفس، لتكون مهداة عن طيب خاطر وإيمان ويقين فداء لمصر وأرضها وشعبها، مصر التى لا تنضب أبداً من أبطال فى جميع الميادين.
إنها كلمة صادقة من قلب وطنى نابض بالصدق والعرفان والتذكر الممتد لتضحيات أبطالنا، فى «يوم من أعظم الأيام خلوداً فى تاريخ أمتنا، وهو يوم الشهيد».. مؤكدا:ً «لقد جاد هؤلاء الأبطال بأنفسهم وبأرواحهم، ليكتبوا صفحات مضيئة تهتدى بها أجيال تأتى من بعدهم، تسير على خُطاهم وتقتدى برحلة كفاحهم، وتدرك أن الحفاظ على الأوطان ليس بالأمر الهين، وإنما يتطلب الجهد والتضحية».
وسوف يظل أبناء مصر الشجعان بجميع ميادين الكفاح والشرف فى مواجهة مؤامرات الأعداء فى الداخل والخارج، يعملون بجد وكفاح وشرف لدعم بناء هذا البلد الكبير والوطن الأبىّ، وليكن فخر الأجيال ممثلاً فى بطولات السابقين من جنودنا البواسل وهم يحافظون على حق هذه الدماء الطاهرة الزكية التى سالت دفاعاً عن الوطن، فلولا ذلك الفداء العظيم، ما بلغنا هذا العيش الآمن والمستقر.
وفى يوم الشهيد لم ينسَ الرئيس أن يشير إلى هذا الدور الكبير والبارز لأطباء مصر والفريق الطبى بكل فئاته، خصوصاً فى هذه الفترة الحرجة التى يمر بها العالم أجمع والذى يواجه جائحة من أشرس ما مر على البشرية منذ قرون، حيث يقف الفريق الطبى فى الصفوف الأولى مؤدين أدوارهم بكل تفانٍ وإخلاص يحاربون وباء فيروس كورونا، بكل شجاعة، لا يدخرون قطرة عرق وجهد ليوفروا الراحة والطمأنينة للمرضى، وقد فقدنا منهم فى هذا الميدان شهداء أبراراً وقفوا لآخر لحظة فى حياتهم يجابهون الوباء مدافعين عن أبناء وطنهم المرضى.
إن «يوم الشهيد» يوم الاعتزاز والفخر بأشرف دماء سالت دفاعاً عن تراب الوطن، ليعكسوا حقيقة أزلية لدى كل مصرى وهى العشق الذى يربط المصرى بوطنه، وتضحياته بالنفس والولد، لتظل مصر دائماً رايتها مرفوعة وخفاقة، وهامتها عالية بين الأمم، وإنها لحقيقة دامغة بأن التاريخ سيتوقف إجلالاً واحتراماً أمام ما يسطره أبناء مصر من تضحيات، يعجز الإنسان عن حصرها، ففى كل قصة من قصص الشهداء عبرة باقية وممتدة وعطرة ومحفزة ودافعة وداعمة، حيث الأم المصرية القوية التى التحفت بالصبر والإيمان وهى تتلقى نبأ استشهاد ابن كان يتمنى لقاء ربه شهيداً مدافعاً عن تراب وطنه، وحيث الزوجة التى ودعت زوجها الشاب لا تعلم إن كانت ستراه مجدداً أم أنه اللقاء الأخير وهو ذاهب لساحة الشرف، وحيث الابن والابنة المتعلقان بوالد احتمل لحظات الفراق، لأن الواجب يناديه، وأمثلة لا حصر لها فى التفانى والذود عن الوطن، لذا ستظل هذه الذكرى خالدة فى ضمير الوطن، تقديراً وإجلالاً وفخراً لكل شهيد وبطل من أبناء الوطن ضرب مثالاً يحتذى فى التفانى والذود عن وطنه وأبنائه، فى صورة مشرفة لكل جيل قادم فى هذا الوطن الكبير.